انعكس انخفاض سعر صرف الليرة التركية أمام الدولار الأميركي سلباً على الاقتصاد في مناطق شمال غربي سورية، التي تعتمد على العملة التركية عملةً أساسية، وأظهر هشاشته وعدم قدرته على تحمّل تلك الهزات مقارنة بالاقتصاد التركي، وهو ما أثّر كثيراً على السكان، وبدت النتائج واضحة من خلال حجم المواد التي باتوا غير قادرين على شرائها والتقلّبات السعرية التي لم تستطع سلطات الأمر الواقع وضع حد لها.
ووضع هذا الواقع الجديد السكان أمام إعادة النظر باستخدام هذه العملة التي فقدت أكثر من 60% من قيمتها منذ بداية عام 2021، والتفكير ببدائل أخرى قد تكون أكثر استقراراً كالدولار الأميركي، الذي تسعّر به معظم البضائع في المنطقة.
تقول الباحثة المهتمة بالشأن الاقتصادي سلمى أحمد لـ"العربي الجديد"، إن اعتماد عملة معينة بمنطقة معينة أو التراجع عن استخدام أخرى ليساً أمراً سهلاً، وهذا ينطبق على جميع المناطق التي اعتمدت الليرة التركية في الشمال السوري، حتى لو اعتبرنا أن اعتمادها عملة وحيدة لتلك المناطق كان قراراً متسرّعاً، لأن الليرة تواجه مصاعب عديدة اليوم، لكن في المقابل تركيا لديها اقتصاد متماسك، بينما لا يستطيع اقتصاد الشمال السوري تحمّل هذه الهزات العنيفة.
وتشير أحمد إلى أن انتشال المنطقة من الواقع الاقتصادي المتردي ليس بالأمر السهل، إلا أن هناك مستويين يمكن العمل عليهما، الأول قيام سلطات الأمر الواقع بتحديد حد أدنى للأجور وضبط الأسعار، والسماح للتجار بالاستيراد، أما الثاني فمن خلال العمل على مشاريع تخلق فرص عمل جديدة وتقديم قروض للمشاريع الناشئة ومساعدة المتفوقين ودعم مشاريعهم.
وأكّدت أن انهيار الاقتصاد بشكل كامل على المدى البعيد أمر مستبعد، لأن أكثر من 40% من سكان الشمال يعتمدون على المساعدات التي تقدمها المنظمات العاملة في المنطقة، وهناك مشاريع يدعمها رجال أعمال سوريون بهدف تشغيل أكبر عدد ممكن من النازحين، وأما من ناحية التأثر فقد تكون هذه البقعة من أكثر بقاع العالم تأثراً بالأزمات الاقتصادية، كونها الأكثر هشاشة والأمان فيها مفقود.
خطة استخدام الليرة التركية عوض الليرة السورية جاءت بشكل تدريجي منذ عام 2015، وذلك عقب الانهيارات التي شهدتها الليرة السورية، وفي ذلك الوقت طرحت "نقابة الاقتصاديين الأحرار" (معارضة) بالتعاون مع المجلس المحلي في حلب فكرة استبدال الليرة السورية بنظيرتها التركية في المناطق الشمالية من سورية، وقوبلت المبادرة حينها بالرفض.
وائل الدياب نازح مقيم في مخيم بالقرب من مدينة الدانا شمالي إدلب، يوضح لـ"العربي الجديد" أن الأجور لا تتناسب أبداً مع متطلبات الحياة اليومية، موضحاً أنه كعامل يحصل يومياً على 10 ليرات تركية، ومع تدني سعر الصرف أمام الدولار، وارتفاع أسعار السلع بشكل عام، وارتفاع سعر أسطوانة الغاز المنزلي المسعرة بالليرة التركية، بات من الصعب التوفيق بين الدخل والصرف.
ويؤكّد أنه مع كل انخفاض لسعر صرف الليرة التركية يعاني السكان من أزمة جديدة في الأسعار، فالأجور على حالها، ويرى أن الحل يكون برفع الأجور بشكل متناسب مع متطلبات الحياة في المنطقة.
واعتمدت الليرة التركية بشكل رئيسي شمال غربي سورية في يوليو/حزيران 2020، بعد إقرار كل من حكومتي الإنقاذ والمؤقتة التعامل بها، وذلك من خلال تسعير سلع رئيسية بتلك العملة، بعد انهيار الليرة السورية بشكل حاد.
وتحتاج العائلة المتوسطة المكونة من خمسة أفراد إلى نحو 1500 ليرة تركية بالحد الأدنى، لتغطية المصاريف اليومية، فقط، بما يعادل (120 دولاراً أميركياً).