دفع قرار البنك الفيدرالي الأميركي زيادة أسعار الفائدة على الدولار، بمعدل 75 نقطة، الوضع الاقتصادي في مصر إلى حالة من الارتباك الشديد، في أسواق المال والترقب في أسواق الذهب والغرف التجارية والصناعية، ومجتمع الأعمال.
وبينما يتنظر الجميع اجتماع لجنة السياسات النقدية بالبنك المركزي المصري، التي لم تغير موعد اجتماعها المقرر منذ شهر، والمحدد له الخميس المقبل 23 يونيو/حزيران، بدأت المخاوف تتسرب إلى الأسواق، مع وجود مؤشرات، ارتفاع تدريجي في سعر الدولار، منذ بداية الأسبوع الحالي، متأثرا، بحالة الترقب المسبق لاجتماع الفيدرالي، وزيادة الطلب محليا، بعد موافقة الحكومة على السماح باستيراد بعض احتياجات المصانع.
وبلغ سعر الدولار ما بين 18.69 و18.74 للشراء و18.75 و18.79 للبيع، ويرشح الخبراء أن يشهد موجة جديدة من الصعود في مقابل الجنيه، بعد قرار الفيدرالي الأميركي، بزيادة أعلى فائدة على الدولار، منذ عام 1994، حيث زادت الفائدة على الدولار 3 مرات متتالية، ويتنظر تحريكها في مراحل تالية.
تداعيات سلبية
يؤكد خبير الموازنات الحكومية عبد الخالق فاروق، وجود تأثيرات متعددة لارتفاع الفائدة على الدولار، لأن هيكل الاقتصاد المصري تسيطر عليه مجموعة احتكارية، خاصة وسيادية، جعلته في حالة شاذة إذ لا تنطبق عليه السياسات والأسعار الرشيدة.
وأشار الخبير الاقتصادي في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إلى أن رفع الفائدة سيؤدي إلى مزيد من هروب الأموال الساخنة التي كانت تتدفق على مصر، متجهة إلى السوق الأميركية الأكثر ربحية واستقرارا حاليا، كما سترتفع تكلفة الإقراض للموازنة والمشروعات المصرية التي تعتمد على الدولار كجزء رئيسي في ميزانية مشروعاتها، وسيزداد حجم الديون على الخزانة العامة، والجهات التي تتعامل بالدولار من القطاع الخاص، وعلى رأسها البنوك والشركات الدولية.
وحذر الخبير الاقتصادي من استمرار اعتماد مصر على القروض وأن يكون الدولار المتحكم في سياساتها المالية، مؤكدا أن "تلك الأزمات التي نمر بها، لن تتوقف، لأن مصر تحتاج حاليا إلى إعادة النظر في مجمل سياساتها الاقتصادية المخزية، والتي ستصل بالبلاد إلى حد الإفلاس" على حد تعبيره.
وشرح فاروق تأثير رفع الفائدة على الدولار، بأنها ستعرض الجنيه المصري لمزيد من الخفض، لأن الحكومة تلجأ إلى توريق الجنيه، في كل مرة.
وتوقع أن يؤدي رفع سعر الفائدة إلى مزيد من ارتفاع في سعر المواد البترولية، التي تتحكم في صناعتها حاليا شركات أجنبية وعربية والذين يسيطرون على مشروعات إنتاج البترول والغاز، ويوجهون الاقتصاد وفق مصالحهم، مشيرا إلى ارتداد ذلك على المجتمع، بمزيد من ارتفاع الأسعار لكافة السلع والمنتجات والواردات، وزيادة معدلات الفقر الذي قارب 60% من تعداد الشعب المصري، وفقا لتقرير البنك الدولي، الصادر في يونيو/حزيران 2019.
وحذر الخبير الاقتصادي من تفاقم مشاكل الطبقة الوسطى، التي ستتأثر بشدة، نتيجة هذه" السياسات المالية المدمرة"، بعد أن تآكلت مدخراتها البسيطة التي كونتها عبر الزمن، وتدفعها حاليا، لشراء الغذاء واحتياجاتها الأساسية التي شهدت ارتفاعا كبيرا، مع انخفاض القيمة الحقيقية للدخول، عما كانت عليه قبل عام 2015، وفقا لبيانات الجهاز المركزي الرسمية.
وشكك فاروق في صحة البيانات التي تقدمها الجهات الحكومية حاليا، حول معدلات الفقر والأسعار، مؤكدا أن الأرقام التي تقدمها تلك الجهات، لا تحقق في دلالة الأرقام، وأحيانا تتضارب بين الجهات الحكومية العديدة المصدرة لها.
تعاملات حذرة في سوق الصرف
وشهدت تعاملات البنوك وشركات الصرافة تعاملات حذرة، متأثرة بأنباء رفع الفائدة على الدولار، مع عدم وجود تغيير جوهري في أسعار الصرف بين كافة الفروع المصرفية، انتظارا لاجتماع لجنة السياسات النقدية نهاية الأسبوع المقبل، كما شهدت أسواق الذهب استقرارا نسبيا.
ويشير خبراء إلى عدم رغبة الحكومة بالتوسع في فتح باب الاستيراد، إلا للمعدات ومدخلات الإنتاج العاجلة التي تحددها لجنة دراسة مشاكل قطاع الصناعة والمستثمرين بمجلس الوزراء، بعد أن فقد الجنيه 2% من قيمته، أمام الدولار منذ 27 مايو/أيار الماضي، حينما فتحت الحكومة باب الاستيراد لتوفير احتياجات بعض الصناعات، والدخول في مفاوضات مع صندوق النقد لتمويل برنامج دعم الواردات للسلع الاستراتيجية.
ويتوقع خبراء أن يواصل الجنيه تراجعه أمام الدولار ليصل إلى 19 جنيها بنهاية الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، الذي يدرس حاليا إقراض مصر ما بين 3.5 و6.5 مليارات دولار، خلال 3 أشهر.
ويشكك خبراء في أن العملة المحلية تنخفض باتفاق مع صندوق النقد، بينما يؤكد طارق عامر محافظ البنك المركزي، أن سعر الدولار مقابل الجنيه، يخضع لقانون العرض والطلب.
وجاءت زيادة الفائدة على الدولار، في وقت تحاول مصر الحصول على قروض من جهات دولية تصل إلى 8 مليارات دولار، واستثمارات مباشرة من الدول العربية تبلغ 22 مليار دولار، لتمويل العجز الدائم في الموازنة وتدبير فروق الأسعار اللازمة لشراء القمح والمواد البترولية من الخارج، التي ارتفعت بمستويات قياسية، غير مسبوقة للمواد الغذائية منذ عام 1961، وفقا لمنظمة الأغذية والزراعة "فاو".
وتراجع احتياطي مصر من العملات الصعبة للشهر الثالث على التوالي، إلى 35.4 مليار دولار نهاية مايو الماضي، بانخفاض بلغ 2 مليار دولار، وجهت لسداد ديون مستحقة لصندوق النقد ومؤسسات دولية.
من ناحية أخرى، وجهت وكالة استاندرد آند بورز للتصنيفات الائتمانية تطمينات نسبية، للسوق المصرية، بتأكيدها في تقرير الثلاثاء الماضي، أن خطر نقص السيولة العالمية المتوجهة نحو الأسواق الناشئة في ظل ارتفاع الفوائد بالأسواق العالمية على العملات الرئيسية، سيكون أقل حدة بالنسبة لمصر مقارنة بخمسة أسواق ناشئة أخرى، منها تركيا وتونس، متوقعة أن تساهم دول الخليج بتمويلات عاجلة، لدعم الاقتصاد المصري.
ويشير خبراء إلى احتمال أن يرجئ البنك المركزي رفع الفائدة على الجنيه، خلال اجتماعه الخميس المقبل، على أن يرفعها بنسبة 2% في اجتماع أغسطس/آب المقبل، حيث توجد مؤشرات بنوايا أميركية بزيادة الفائدة على الدولار في الفترة المقبلة.
كان الفيدرالي الأميركي قد رفع الفائدة على الدولار للمرة الثالثة على التوالي بواقع 75 نقطة أساس لتصل الفائدة إلى 1.75%، وهي العليا في الولايات المتحدة منذ عام 1981.
وتراجع أداء مؤشر البورصة المصرية، بنسبة 16.6% منذ بداية العام الحالي، متأثرا بخروج نحو 20 مليار دولار من الأموال الساخنة، التي توجه لسوق المال في مصر، مع ارتفاع أسعار الفائدة، للدولار. ويخشى خبراء، من تزايد ضعف أداء مؤشرها الرئيسي EGX30، خلال المرحلة المقبلة.