حصدت دول خليجية أرباحاً هائلة من ارتفاعات أسعار النفط والغاز، ساعدتها على وقف نزف احتياطيات النقد الأجنبي وتعزيز موازناتها المالية. وكان صندوق النقد الدولي قد حذر من تآكل احتياطيات النقد الأجنبي لدول مجلس التعاون الخليجي في فترات سابقة.
وفي هذا السياق، يقول الأمين العام لمجلس الأعمال الأوروبي العربي محمد يوسف بهزاد، إن الحديث عن أن دول الخليج كانت مهددة بالتعثر المالي نتيجة انخفاض أسعار النفط في بعض الأوقات فيه شيء من المبالغة، لكن يمكن الإشارة إلى تعرض الموازنات المالية لبعض دول الخليج ودول "أوبك" للضغوط نتيجة التوسع في السياسات المالية والإنفاق الاستثماري الضخم الذي جلب معها ارتفاع في الأسعار، وتنامي معدلات الاستهلاك المحلي، إلا انها سرعان ما استعادت عافيتها، فرجعت أرصدة صناديقها السيادية إلى سابق عهدها، بل أكثر بقليل.
ركود تضخمي
ويرى بهزاد في حديثه لـ"العربي الجديد" أن ليس من مصلحة الدول المنتجة للنفط أن تستمر معدلات الأسعار في الارتفاع، حيث سيعود عليها وعلى الاقتصاد العالمي بالضرر وبالركود التضخمي الكبير الذي إن استمر سيتحول للأسواق إلى كساد عظيم.
ويضيف أن أوبك ستعمل جاهدة على تحقيق سعر عادل عند مستوى 60 إلى 70 دولاراً للبرميل، بحيث يكون ذلك مرضياً لكلا المنتجين والمستهلكين على السواء.
ويلفت إلى أن انخفاض سعر النفط دون 60 دولاراً للبرميل سينعكس سلباً على مداخيل وحصص بعض الدول الأعضاء في أوبك وغيرها من الدول المنتجة للنفط نتيجة ارتفاع تكاليف الإنتاج لديها.
ويقول بهزاد إن توقعات السوق المستقبلية للنفط للعام الجاري تراوح بين 110 إلى 120 دولاراً للبرميل حتى نهاية ديسمبر/ كانون الأول المقبل، ما لم تحدث تطورات دراماتيكية جوهرية تنسف معدلات وتنبؤات السوق. وحول تحذيرات صندوق النقد الدولي لدول الخليج بتآكل احتياطاتها النقدية بتغيير معطيات السوق العالمية للنفط والمواد الأساسية الأخرى، يرد قائلاً إن الولايات المتحدة لديها حصة الأسد بذلك الصندوق بنسبة 25 بالمائة، ولا يستبعد أن تكون بعض تقاريره مسيسة أو موجهة لمآرب اقتصادية أميركية على المدى الطويل.
لكنه يرى أن جميع دول الخليج ودول أوبك أمامها فرصة تاريخية سانحة اقتصادياً وسياسياً لكي تستفيد من دورها كمنتج للثلث المؤثر في سوق النفط العالمية.
إصلاحات مالية
وكان صندوق النقد الدولي قد حذر دول الخليج العربية في تقرير صدر عام 2020 من جفاف مواردها المالية خلال الـ 15 عاماً المقبلة، إن هي لم تباشر بإصلاحات مالية.
وتقدر ثروة الدول الست الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي بنحو 2 تريليون دولار، وتسهم تلك الدول بخمس إمدادات النفط العالمية. وتمثل إيرادات النفط من 70 إلى 90 في المئة من الدخل العام في دول الخليج العربية.
من جانبه، يرى الخبير المتخصص في شؤون الطاقة طارق الشيخ في حديثه لـ"العربي الجديد" أن ارتفاع سعر النفط الحادث اليوم على خلفية الحرب الأوكرانية أمر يصيب العالم بحالة من عدم اليقين، ما يعني زيادة مطردة في أسعار النفط والغاز في الأسواق.
ويضيف أن دول مجلس التعاون الخليجي تعتبر من الرابحين من أحداث أوكرانيا وارتفاع أسعار النفط من حيث اعتماد اقتصاداتها على صادراتها من النفط والغاز، وينعكس ذلك في زيادة حجم الإيرادات، ما يعني أيضاً تحقيق فوائض مالية كبيرة تنزع معها الموازنات المالية أعباء جائحة كوفيد 19 الثقيلة، وهو ما لم يحدث منذ عام 2014.
كان صندوق النقد الدولي قد حذر دول الخليج العربية في تقرير صدر عام 2020 من جفاف مواردها المالية خلال الـ 15 عاماً المقبلة
ويقول الشيخ: تشير التقديرات إلى ارتفاع الناتج المحلي الإجمالي بدول التعاون الخليجي بنسبة 6.1% عام 2022، ومن الطبيعي أن يقابل هذا الارتفاع في الأسعار ارتفاعاً كبيراً في أسعار الواردات لدول الخليج التي تعتمد بنسبة كبيرة على الواردات لكثير من السلع.
ميزانيات دول الخليج
ويتابع: حسب تقرير حديث صادر عن مجموعة ميتسوبيشي المالية، فإن الفائض المتوقع لدول الخليج العربية في العام الحالي يقدر بحوالى 27 مليار دولار، ووفقاً لتقديرات صندوق النقد الدولي، فإن كل ارتفاع لأسعار النفط بعشرة دولارات ينعكس إيجاباً على ميزانيات دول الخليج بما يعادل 3.25% زيادة في الإيرادات لتحسين المالية العامة، ويزيد الميزان التجاري بنسبة 4.2%.
ويعتبر الشيخ أن كل هذه المؤشرات الإيجابية التي ستعزز موازنات الدول الخليجية وتحقيق فوائض مالية فيها ستعينها على المضي قدماً في تنفيذ خططها التنموية التي تأخرت بسبب جائحة كورونا.