أزال العمال وزعماء النقابات الغبار عن مكبرات الصوت والأعلام التي لم تستخدم خلال عمليات الإغلاق بسبب فيروس كورونا لتخفيض حجم مسيرات عيد العمال، لينطلقوا في مسيرات صاخبة، السبت، مطالبين بمزيد من تدابير حماية العمال وسط جائحة قلبت الاقتصادات وأماكن العمل رأسًا على عقب.
في البلدان التي تحتفل في الأول من مايو/ أيار بعيد العمال، خلق الاحتفال السنوي بحقوق العمال، وفقاً لوكالة "أسوشييتد برس"، مشهدًا نادرًا خلال الوباء: حشود كبيرة ومكتظة ومتظاهرون يسيرون جنبًا إلى جنب بقبضات مغلقة حاملين لافتات. لكن في تركيا والفيليبين وإسبانيا، منعت الشرطة احتجاجات عيد العمال وفرضت عمليات إغلاق ضد الفيروس.
بالنسبة للزعماء العماليين، كان ذلك اليوم بمثابة اختبار لقدرتهم على تعبئة العمال في مواجهة الاضطرابات الاقتصادية العميقة.
مسيرات في فرنسا
ففي فرنسا، خرج الآلاف إلى الشوارع حاملين لافتات وأعلاماً نقابية. وكانت الكمامات التي وضعها الكثيرون بمثابة تذكير بمدى تغير الحياة منذ آخر الاحتفالات التقليدية بعيد العمال، في عام 2019 ، قبل انتشار فيروس كورونا الذي دمر الحياة وسبل العيش وأدى إلى تآكل الحريات المدنية، بما في ذلك الحق في التظاهر.
كانت بعض المسيرات، التي قيدتها قيود فيروس كورونا، أقل حضورًا مما كانت عليه قبل الوباء. لكنها ما زالت تمثل منافذ للتعبير عن مخاوف العمال بشأن الوظائف والحماية. ونظمت نحو 300 مسيرة في باريس ومدن أخرى، منها ليون ونانت وتولوز.
وفي العاصمة باريس، انضم إلى النقابات العمالية أعضاء حركة "السترات الصفراء" التي فجرت موجة احتجاجات مناهضة للحكومة قبل ثلاثة أعوام، وكذلك موظفو قطاعات تضررت بشدة من إجراءات مكافحة الجائحة، مثل القطاع الثقافي.
وحمل المشاركون في المسيرات، والذين كان معظمهم يضع الكمامات التزاماً بإجراءات الوقاية من كوفيد-19، لافتات تندد ببعض الإجراءات الاقتصادية.
وقال فيليب مارتنيز، رئيس نقابة "سي.جيه.تي" العمالية "، وفقاً لوكالة "رويترز"، إنّ "خطة إصلاح تأمينات البطالة التي نطالب بإلغائها تشير إلى أنّ أموالاً طائلة تذهب إلى الأثرياء ويحصل الفقراء على الفتات".
مشاركة رسمية
وفي إسبانيا، انضم الآلاف إلى مسيرات عيد العمال في أكثر من 70 مدينة إسبانية السبت، في أول مرّة يتم تنظيم تجمّعات إحياء للمناسبة السنوية منذ أزمة كوفيد-19.
وسار المحتجون الذين وضعوا الكمامات والتزموا بالتباعد الاجتماعي في الشوارع، بينما فرض حد أقصى لأعداد الأشخاص الذين يمكن أن يشاركوا في أماكن عدة لضمان احترام قواعد كوفيد-19.
واقتصرت التظاهرة الرئيسية في مدريد، وفقاً لوكالة "فرانس برس"، على ألف مشارك، ساروا من مقر البلدية وصولاً إلى ساحة بويرتا ديل سول تحت شعار "حان وقت تطبيق" الالتزامات.
وحضر سبعة وزراء المسيرة، من بينهم وزيرة العمل يولاندا دياز وممثلون عن ثلاثة أحزاب يسارية تخوض المنافسة في انتخابات مدريد المحلية الثلاثاء.
وحضّ رئيس اتحاد العمال العام بيبي ألفاريز وأوناي سوردو من نقابة اللجان العمالية الحكومة على الإيفاء بالتزاماتها التي تأخّر تطبيقها جرّاء الوباء، مثل إلغاء إصلاح مثير للجدل لقانون العمل، ورفع الحد الأدنى للأجور وإقرار قانون يضمن التساوي فيها.
وأكدت دياز في خطاب ألقته خلال التجمّع أن التوظيف أساسي لتجاوز الأزمة. وقالت، في تصريحات تم بثها عبر إذاعة "آر إن إي"، إنّ "الأزمة وضعتنا في مواجهة نموذج عمل عفا عليه الزمن، قائم على العمل بشكل غير رسمي والتوظيف الموسمي وغياب المساواة... وهو تماماً ما بدأت وزارة العمل بتغييره".
وأضافت أنّ "الأول من مايو هذه المرة لا يشبه أي يوم آخر، على اعتبار أن قيم التوظيف الذي يحفظ الكرامة والتضامن والمساواة والعدالة الاجتماعية - المتجسّدة اليوم - هي بلا شك الرد الأكثر فعالية على الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي نعيشها".
وتأثّرت إسبانيا بدرجة كبيرة بالوباء، ومن المقرر أن تحصل على تمويل من الاتحاد الأوروبي قدره 140 مليار يورو (167 مليار دولار) بين العامين 2021 و2026 دعماً لاقتصادها المتضرر جرّاء كوفيد-19.
وشارك نحو ثلاثة آلاف شخص في مسيرات عيد العمال في برشلونة، وفق ما أفادت نقابات، بينما انضم متظاهرون إلى موكب بالسيارات في بالما، عاصمة مايوركا، جرّاء هطول الأمطار، وفق ما أوردت محطة "آر تي في إي" التلفزيونية.
اعتقالات في تركيا
اعتقلت الشرطة التركية أكثر من مئتي شخص حاولوا تنظيم مسيرة بمناسبة عيد العمال في إسطنبول، السبت، في تحدٍ لحظر تفرضه السلطات منعاً لتفشي فيروس كورونا.
واعتقلت السلطات مئة متظاهر على الأقل أثناء محاولتهم التوجّه إلى ساحة "تقسيم" وغيرها من المواقع القريبة، بما فيها شارع "استقلال" الشهير.
ودفع عناصر الشرطة حشداً للتراجع باستخدام دروعهم، بينما جرّ آخرون عدداً من المتظاهرين بعيداً عن المكان.
وتفرض السلطات إغلاقاً كاملاً في تركيا منذ 29 إبريل/ نيسان نظراً لتسبب الموجة الثالثة من الوباء بأعداد وفيات يومية قياسية. وتوفي نحو 394 شخصاً جرّاء كوفيد-19 في تركيا الجمعة، بحسب بيانات رسمية.
وتشهد ساحة "تقسيم" صدامات عادة يوم عيد العمال منذ أدت مواجهات فيها إلى مقتل 34 شخصاً في الأول من مايو/ أيار عام 1977، خلال فترة اضطرابات في تاريخ تركيا الحديث.
وشاركت السبت مجموعة صغيرة بقيادة "اتحاد نقابات العمال التركية الفعلية" في مناسبة مرخّصة رسمياً في ساحة "تقسيم".
في الأثناء، ذكرت وسائل إعلام محلية أنّ 11 شخصاً على الأقل اعتقلوا في أنقرة لدى محاولتهم تنظيم مسيرات بمناسبة عيد العمال.
حضور أقل في إندونيسيا
احتفل العمال في إندونيسيا بيوم العمل الدولي أو عيد العمال، اليوم السبت، بعدد أقل من المسيرات التي تشهد حضورًا بسبب قيود فيروس كورونا، لكن الآلاف ما زالوا يعبرون عن غضبهم من قانون جديد يقولون إنه يضر بحقوقهم ورفاهيتهم.
قال سعيد إقبال، رئيس اتحاد نقابات العمال الإندونيسي، إنه من المتوقع أن يشارك حوالي 50 ألف عامل من 3000 شركة ومصنع في مسيرات عيد العمال التقليدية، في 200 مدينة ومنطقة في أكبر اقتصاد في جنوب شرق آسيا.
مع ذلك، قال إقبال، وفقاً لـ"أسوشييتد برس" إنّ معظم التجمعات تقام خارج المصانع أو مجمعات الشركات مع بروتوكولات صحية صارمة.
قال المتحدث باسم شرطة جاكرتا يسري يونس إن السلطات في العاصمة جاكرتا، بؤرة الوباء الوطني، نبهت المجموعات العمالية إلى ضرورة الالتزام بالتباعد الاجتماعي وغيرها من الإجراءات، التي ستقلل بشكل كبير من الحشود.