يختصر العامل في قطاع الكهرباء مروان مطاوع وضع العمال السوريين اليوم بـ"متسولون بالإكراه"، ففرص العمل الزراعي أو الخدمي، أو حتى منشآت القطاع الخاص، جميعها موصدة بوجوه العمال، ما يبقيهم "أسرى الخمسين ألف ليرة ومحاولة التكيّف مع التفقير".
ويشير مطاوع لـ"العربي الجديد" إلى أنّ الحصول على فرصة عمل أصبح صعباً، وإن وجدت فهي لا تكفي. كما لم يعد هناك مجال أن تبحث عن فرصة عمل ثانية لزيادة الدخل.
وتوقع مطاوع "رفع نظام الأسد الأجور الشهرية خلال الفترة الجارية خلال حملته الانتخابية، كما حسن سعر الليرة ويدعي مكافحة الفساد".
من جهته، يقول العامل السابق بحقل التعليم، حمدي المصطفى، إن أوضاع جميع العمال السوريين ساءت خلال سنوات الثورة، بسبب تدمير كثير من الأحياء والمعامل والمصانع، وتهجير كثير من الأهالي، والفصل التعسفي من الوظائف الحكومية؛ فتراجع الدخل، ولا سيّما العمّال، وارتفعت تكاليف المعيشة، وضاقت الأحوال، حتى بات الحصول على قوت اليوم أمرًا يجلب الشعور بالفرح!
ويشير المصطفى لـ"العربي الجديد" إلى أنّ نحو 1.5 مليون لاجئ سوري في لبنان، جلّهم عمّال، 73% منهم لا يملكون وضعًا قانونيًا، ومعظمهم يعاني ويكافح للحصول على لقمة العيش، في ظروف ازدادت سوءًا تحت وطأة "كورونا".
وأضاف أنه حتى قبل الثورة، لم تكن سورية تتسع لطاقاتها، فكان نحو مليون عامل في لبنان، معظمهم في أعمال شاقة، من دون وجود جهة تضمن حقوقهم، ومنهم من تعرّض للابتزاز وسلب الحق، فضلًا عن التعرض للمعاملة البشعة والاعتداءات.
وأشار المصطفى إلى أنّ وطأة الاعتداء زادت على هؤلاء العمال بعد الحرب، وباتوا في حال يرثى لها، إذ لم يعودوا قادرين على العودة خشية اعتقال قوات الأمن.
وهناك أكثر من 657 ألف سوري لجأوا إلى الأردن، وفقًا لـمفوّضية اللاجئين، معظمهم من العمّال الذين يسعون لتحصيل قوت عيالهم، ويعانون حالة من الضياع وعدم الاستقرار، وينسحب الأمر ذاته على العمالة السورية بتركيا ودول الخليج وربما حتى المهاجرين إلى أوروبا.
وحول عمالة الداخل يضيف المصطفى بأن الداخل السوري مقسّم إلى أربع مناطق، فإنّ حظّ العامل من البؤس والتعب والعناء يتفاوت، باختلاف مناطق السيطرة.
ففي مناطق النظام، حيث أمسى 90% من الناس هناك تحت خط الفقر، يكافح الناسُ للبقاء أحياء، ويكدحون للحصول على ما يكفي من قوت، وفي سبيل ذلك يعملون أكثر من عشر ساعات، فضلًا عن اضطرار بعض الأسر إلى دفع الأطفال إلى العمل، وقلّما يوجد عمل دائم.
وليست المناطق التي تسيطر عليها قوات "قسد" أحسن حالًا، حيث هاجر معظم القوة العاملة إلى الخارج، طلبًا للرزق والاستقرار، وتبقى مناطق الشمال السوري أقلّ المناطق سوءًا، من حيث ظروف العمل، حيث بات الناس يتعاملون بالليرة التركية، أجورًا وإنفاقًا، وهناك كثير من الشباب الموظفين في منظمات دولية، وحركة التجارة في الأسواق نشطة، على أن الظروف الأمنية تحول دون حدوث مزيد من الاستقرار.
وتغيّرت خريطة العمالة بسورية بعد عشر سنوات على حرب هدمت جل البنى والمنشآت، فتحولت نسبة البطالة من نحو 11% إلى أكثر من 83% بحسب منظمات ومراكز من داخل سورية وخارجها، وتراجع دخل العامل شهريا من نحو 400 دولار" عشرين ألف ليرة" إلى ما يعادل 18 دولاراً في اليوم.
وتشير مصادر سورية إلى أن قوة العمل بسورية قبل عام 2011 كانت تزيد عن 3.5 ملايين عامل، منها نحو 1.8 مليون عامل بالقطاع الحكومي، ولكن اليوم ورغم عدم وجود أي إحصاء رسمي، لا يزيد العمال بالقطاعين العام والخاص عن مليون عامل، بعد التهجير والقتل والفصل من العمل.
ويقول محمد قدور النقابي السابق بمعمل غزل إدلب" كبرى منشآت الغزل السورية" إن القانون الذي كان مطبقا فعليا على العمال هو الطوارئ ومن ثم تعدّل وصار قانون الإرهاب، ويمكن خلاله القصاص من أي عامل أو فصله أو الحجز على ممتلكاته وسجنه، والتهمة جاهزة وغير قابلة للطعن أو المراجعة حيث "تم فصل 130 ألف عامل وفق القانون 17 وقانوني الطوارئ والإرهاب منذ عام 2011 حتى اليوم".
وأكد قدور أن سورية خسرت العمال المهرة والمتخصصين، ولن تعوّضهم لعقود طويلة، فسوق العمل كان يدخله سنوياً 300 ألف طالب عمل بجميع القطاعات، سواء عبر الكليات أو المعاهد المتخصصة.
معاون وزير سابق يقول لـ"العربي الجديد": "أعتقد أن لا شيء مستجداً على صعيد العمال هذا العام، فهم كما بقية شرائح السوريين، لجهة المعاناة والفقر".
وأضاف خلال اتصال مع "العربي الجديد" أن بداية تهديم الاقتصاد السوري وما انعكس على الطبقة العاملة كانت بتوجيه من بشار الأسد خلال حكومة ناجي عطري ونائبه الاقتصادي عبد الله الدردري، وقت أعلنوا مطلع عام 2006 نهج اقتصاد السوق الاجتماعي وبدأوا بخصخصة بعض القطاعات، وخاصة الصناعية، ولا ننسى إبعاد رئيس اتحاد العمال وقتذاك عز الدين ناصر الذي حمى حقوق العمال.
وأكد أن "تلك السياسات والقرارات أوصلت الاقتصاد والعمالة لهذه النتائج، وهنا لا نتكلم عن المرحلة الاستثنائية بعد عام 2011، لأن كل شيء قد تهدّم".
ويضيف المسؤول السوري الذي طلب عدم ذكر اسمه أن اتحاد العمال طرح منذ مؤتمره السابق، في فبراير/ شباط الماضي، دراسة وتوصية لرفع الأجور 7 أضعاف لتتناسب مع الإنفاق، ولكن لم يؤخذ بها.
وأضاف أنه رغم الرصد النظري بالميزانية العامة لعام 2021 لدعم متممات الراتب من تعويضات وغيرها، ولكن لم يؤخذ بها حتى الآن. وكشف المسؤول أن نسبة المرأة ضمن بنية العمالة السورية هذا العام، تزيد عن 70%، وهذا خلل سببته الحرب وفصل العمال وتهجير الشباب، كما أن هناك 20 ألف عامل محرومون من التعويضات والتأمينات ولا يتقاضون سوى الراتب المقطوع، وهناك 131 ألف عامل بمهن خطرة، يتقاضون ثمن وجبة الغذاء 300 ليرة يوميا.