طالب الاتحاد العام للشغل في تونس، أكبر منظمة نقابية في الدولة، بإجراء مفاوضات جديدة مع الحكومة لزيادة رواتب موظفي القطاعين العام والخاص، من أجل تحسين القدرة الشرائية للمواطنين، في خطوة للضغط قبل بدء مفاوضات حكومية مع صندوق النقد الدولي للحصول على تمويلات تصل إلى 4 مليارات دولار، بينما يرهن الصندوق موافقته بإجراءات عدة، منها تقليص بند الأجور.
وقال نور الدين الطبوبي، أمين عام الاتحاد، في خطاب، أمس السبت، بمناسبة عيد العمال العالمي، إنّ "حكومة هشام المشيشي مطالبة بفتح مفاوضات فورية لتحسين الرواتب، وإعلان إجراءات اجتماعية تخفف أعباء الشغالين (العمال) المنهكين من الغلاء وموجات التسريح بسبب الجائحة الصحية".
وأشار الطبوبي إلى ضرورة "توخي الشفافية والوضوح في كلّ الملفات الاقتصادية، خصوصاً المفاوضات مع الدول والمؤسسات المالية العالمية"، مطالباً بعدم اتخاذ أيّ قرارات من دون الرجوع إلى الشركاء الاجتماعيين وإلى الشعب.
وأضاف: "سيادة البلاد فوق كلّ الاعتبارات"، لكنّه حذر من انهيار وشيك للاقتصاد ستكون تداعياته وخيمة على التونسيين والعمال، معتبراً أنّ تراجع كلّ المؤشرات الاقتصادية عقب الجائحة الصحية هو نتيجة للهشاشة المتأصلة في اقتصاد البلاد، والتي تتطلب إصلاحات عميقة وسريعة وانخراطاً شاملاً لكلّ القوى السياسية في تنفيذها.
وقال إنّ الغلاء سحق الطبقات الفقيرة والمهمشة وحطّم المتوسطة منها، بسبب ما وصفه بـ"عربدة شبكات الاحتكار والمضاربة، في غياب تام لإرادة سياسة التصدي للفساد ومعاقبة الفاسدين".
ويأتي طلب النقابات العمالية بفتح مفاوضات لزيادة الرواتب قبل يوم من انطلاق تونس في مفاوضات مع صندوق النقد الدولي، لطلب تمويلات كبيرة وبدء برنامج إصلاحي شامل يعد تخفيض الرواتب بنداً أساسياً فيه.
وكان رئيس الحكومة هشام المشيشي قد قال، يوم الجمعة، في مقابلة مع وكالة "رويترز"، إنّ تونس تسعى إلى برنامج قرض بحوالي 4 مليارات دولار، مع صندوق النقد الدولي على ثلاث سنوات، مقابل حزمة إصلاحات اقترحتها الحكومة بهدف إنعاش اقتصادها العليل، معتبراً أنّ مخصصات الأجور في تونس "عالية جداً".
ومن المنتظر أن يعرض الوفد التونسي الذي يقوده علي الكعلي وزير الاقتصاد والمالية ودعم الاستثمار، على خبراء صندوق النقد، غداً الاثنين، توجهات البرنامج الإصلاحي الذي وضعته الحكومة التونسية بالتشاور والتنسيق مع مختلف الأطراف المعنية لا سيما المنظمات الوطنية، إلى جانب المنهجية والروزنامة التي سيجري اعتمادها في تنفيذ هذا البرنامج الإصلاحي.
ووفق المتحدث الرسمي باسم اتحاد الشغل، سامي الطاهري، في تصريح لـ"العربي الجديد"، فإنّ الاتحاد رفض أن يكون ضمن الوفد التونسي المفاوض لصندوق النقد الدولي، بسبب الغموض في برنامج الإصلاح الاقتصادي وتكتم وزير المالية على خطته لإقناع مؤسسة التمويل بمنح تونس قروضاً جديدة.
ويمثل الاقتراض الجانب الأكبر من التمويل في موازنة 2021، إذ تنوي الحكومة اقتراض حوالي 19.5 مليار دينار (7.22 مليارات دولار) من السوقين الداخلية والخارجية، بما يعادل 37% من إجمالي الموازنة التي صادق عليها البرلمان في ديسمبر/كانون الأول الماضي، بقيمة 52.6 مليار دينار (نحو 19 مليار دولار).
وتأتي مطالب الاتحاد العام للشغل بزيادة الرواتب، رغم سلسلة المشاورات التي أجراها رئيس الحكومة قبل أيام مع المنظمات الوطنية الكبرى، لا سيما اتحاد الشغل واتحاد الصناعة والتجارة والصناعات التقليدية (منظمة رجال الأعمال) من أجل تحديد خريطة طريق للإصلاحات الاقتصادية التي ستُقدم عليها الحكومة.
وتوحيد الجبهة الداخلية المنهكة بالخلافات السياسية شرط أساسي لصندوق النقد، الذي دعا المسؤولين في تونس بشكل صريح، في بيان أصدره في فبراير/شباط الماضي، إلى "اعتماد برنامج قوي وموثوق للإصلاح يحظى بتأييد واسع النطاق". وقال صندوق النقد، في تقرير حديث، إنّ أوجه الهشاشة الاجتماعية والاقتصادية في تونس بسبب جائحة كورونا تهيمن على الأوضاع، رغم توقعات بتعافي النمو بدرجة محدودة في عام 2021.
وتتضمن وصفة الإصلاح التي يطالب بها صندوق النقد، الحدّ من العجز المالي عبر تخفيض فاتورة الأجور، وتقليص دعم الطاقة، وزيادة الإيرادات الضريبية، مع إعطاء أولوية للإنفاق على الصحة العامة، والاستثمار، وحماية الإنفاق الاجتماعي الموجه للمستحقين. كذلك، دعا الصندوق سلطات تونس إلى تعزيز عدالة النظام الضريبي وجعله أكثر دعماً للنموّ، وحثّ على اتخاذ إجراءات لتسوية المتأخرات المتراكمة في نظام الضمان الاجتماعي.