لبنان يفاوض صندوق النقد وسط أزمات عاصفة

بيروت
ريتا الجمّال (العربي الجديد)
ريتا الجمّال
صحافية لبنانية. مراسلة العربي الجديد في بيروت.
14 مايو 2020
+ الخط -

 

بدأت حكومة لبنان، أمس الأربعاء، الجلسة الأولى من المفاوضات التي تجريها مع صندوق النقد الدولي حول الخطة الاقتصادية التي أقرها مجلس الوزراء اللبناني في 30 إبريل/ نيسان الماضي، وتمت المناقشة بين الوفد اللبناني الرسمي برئاسة وزير المال غازي وزني، وحضور مسؤولين ماليين ومصرفيين وممثلي الصندوق.

وتم اللقاء عبر المنصة الإلكترونية وفق تقنية "فيديو كونفرنس" نتيجة تعذر السفر إلى الخارج وإقفال المطارات، من ضمنها مطار رفيق الحريري الدولي – بيروت تنفيذاً للتدابير المتخذة لمكافحة فيروس كورونا.

وطلب لبنان رسمياً مساعدة من صندوق النقد الدولي، في الأول من مايو/ أيار، للتعامل مع أزمة مالية خانقة تعتبر أكبر تهديد لاستقراره منذ الحرب الأهلية التي دارت بين عامي 1975 و1990. وتأمل الحكومة في الحصول على دعم مالي من الصندوق يراوح بين تسعة وعشرة مليارات دولار، بحسب ما أكد وزير المال غازي وزني الأسبوع الماضي.

وفي هذا السياق، يؤكد الخبير الاقتصادي دان قزي، لـ"العربي الجديد"، أنّ خطة الحكومة الإصلاحية لا تتعارض مع توجهات صندوق النقد الدولي، على اعتبار أنه لا ثغرات تقنية فيها.

وأضاف أن الخطة ناقشت أساس المشاكل التي يعاني منها لبنان وطرحت الحلول، بيد أنّ التحدي الكبير أمام الحكومة يتمثل في مدى تمكنها من تنفيذ البنود التي وضعت، بالإضافة الى مواقف البلدان الجيوسياسية التي ستصوت على مساعدة الصندوق للدولة اللبنانية، منها الولايات المتحدة الأميركية التي تملك حق الفيتو.

ويلفت الخبير الاقتصادي إلى أنّ الاحتمال الأكبر لمسار المفاوضات يكمن في قبول الصندوق تقديم المساعدات للبنان، ولكن بمبالغ مالية أقلّ من تلك التي طلبتها الحكومة، وهنا القرار سيعود إلى الداخل اللبناني وأصحاب القرار لتحديد مواقفهم وطريقة مقاربة الحلول، والبدء في معالجة أزمة الدولار وطلب المساعدة من الدول العربية ولا سيما الخليجية منها.

وتعكف البنوك في لبنان على صياغة خطة إنقاذ مالي وطنية تحفظ لها بعض رأس المال بدلاً من شطبه بالكامل، كما هو منصوص عليه في خطة التعافي المالية الشاملة التي أقرّتها الحكومة اللبنانية لمدة خمس سنوات (2020 – 2025).

واعترضت جمعية المصارف على خطة الحكومة معتبرة أنها بمثابة وضع اليد على القطاع المصرفي بعد تحميله وحده مسؤولية الأزمة المالية التي يعيشها البلد مع ما تفرّع منها من أزمات ومحاولة لتغيير هوية الاقتصاد اللبناني.

وتأتي هذه المفاوضات بالتزامن مع إعلان مجلس الوزراء اللبناني، أول من أمس، في جلسة عقدها في قصر بعبدا برئاسة ميشال عون، إقفال البلد بشكل تام لمدة أربعة أيام، بدأت من مساء أمس حتى صباح الاثنين، باستثناء المؤسسات الاستشفائية والصحية والقطاعات الغذائية والزراعية والصناعية، وذلك بناءً على توصية رفعها وزير الصحة حمد حسن، بضرورة إقفال البلاد، نظراً للعدد الكبير من الإصابات بفيروس كورونا التي سجلها لبنان أخيراً والتي وصلت خلال 4 أيام فقط إلى 109 إصابات.

وأعلنت جمعية المصارف في لبنان، أمس، الأقفال العام لمدة أربعة أيام تنفيذاً لقرار وزير الداخلية محمد فهمي، الصادر أمس، في إطار إجراءات التعبئة العامة المشددة التي فرضها مجلس الوزراء.

وأشارت الجمعية في بيان لها، إلى أنّه "تنفيذا لقرار وزير الداخلية رقم 582 تاريخ 13 أيار (مايو) 2020 والمتعلق بالإعلان عن الإقفال العام ضمن إجراءات التعبئة العامة لمواجهة انتشار فيروس كورونا، ولما كان مصرف لبنان وغرف المقاصة ملتزمين بالإقفال، وبناء على الاتصالات الواردة إلينا من المصارف، نؤكد الالتزام التام بالإقفال".

بدورها، أعلنت وزارة السياحة، في تعميم صادر عنها أمس، إقفال المؤسسات السياحية كافة، اعتباراً من صباح اليوم، الخميس، وتتوقف خدمة التوصيل إلى المنازل (Delivery) التابعة لها بشكل تام خلال المدة التي حدّدها مجلس الوزراء.

وشكل هذا القرار صدمة لأصحاب المطاعم الذين فتحوا صالاتهم أمام الزبائن في الرابع من مايو/ أيار تنفيذاً للمرحلة الثانية من إجراءات تخفيف التعبئة العامة، لأن الإقفال قضى حتماً على البضائع التي تسلمها هؤلاء بأسعار مرتفعة جداً من التجار نظراً لتجاوز سعر صرف الدولار عتبة 4000 ليرة لبنانية وقيامهم بشراء العملة الخضراء من السوق الموزاي، وبالتالي فإنه سيؤدي إلى تلف المواد الغذائية، ما يزيد من الخسائر الكارثية التي سيتكبدها أصحاب المؤسسات السياحية.

وعاودت 20% فقط من المؤسسات نشاطها على صعيد لبنان واقتصرت على بيروت وجبل لبنان، لأسباب عدّة حالت دون استئناف عملها، أبرزها صعوبة تنفيذ التدابير الوقائية، ومنها استقبال المطاعم لـ30% من القدرة الاستيعابية للزبائن والتباعد الاجتماعي بحيث يجب أن تكون المسافة متراً ونصف المتر بين الطاولات وبين موظف وآخر، مع تأمين مستلزمات الوقاية، وإلزام المطاعم بالفتح فقط من الخامسة صباحاً حتى التاسعة مساءً ومنع تقديم النرجيلة، واستمرار إجراءات أرقام السيارات المسموح لها بالسير تبعاً للوحة سواء أكانت مفردة أم مزدوجة، ما يعطل حركة الموظفين وحتى الزبائن.

كما يعاني القطاع من أزمة صرف الدولار واستحالة قدرة صاحب المطعم على شراء البضائع على 4000 ليرة لبنانية للدولار، في حين يبيعها إلى الزبون على أساس سعر الصرف الرسمي، أي 1515 ليرة، مقابل انعدام القدرة الشرائية عند المواطنين.

وفتحت الأسواق التجارية أبوابها أيضاً في المرحلة الثانية من إجراءات التخفيف من حالة التعبئة العامة، بحيث عمد الجزء الأكبر منها إلى بيع الألبسة والأحذية بالأسعار القديمة، على اعتبار أن البضائع تعود إلى العام الماضي، في حين رفع قسم منها الأسعار بحجة ارتفاع سعر صرف الدولار والغلاء المعيشي والخسائر التي تكبدها أصحاب هذه المحال طيلة فترة الإقفال.

ولم يكن التوافد إلى الأسواق كبيراً خوفاً من مخاطر انتقال الفيروس رغم الإجراءات التي فرضت على المحال من تعقيم وتباعد اجتماعي وتدابير وقائية أخرى.

ولا يزال سعر صرف الدولار يسجل مزيداً من الارتفاع رغم اعتصام أصحاب محال الصيرفة المرخصين وحملة المداهمات التي تقوم بها الأجهزة الأمنية لوقف الصرافين غير الشرعيين وتجار العملة والتوقيفات التي طاولت نقيب الصرافين محمود مراد، وأحالت بناءً على اعترافات عدد كبير من الصرافين الموقوفين موظفين كبارا من مصرف لبنان إلى التحقيق أمام النيابة العامة المالية.


وأدت فوضى سعر الصرف إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية والاستهلاكية بشكل جنوني، وعمدت بعض المتاجر إلى الحدّ من بيع البضائع وإلزام الزبائن بشراء كميات محدودة من المواد والسلع، الأمر الذي أدى أيضاً إلى تلاعب التجار بالأسعار واحتكارهم السوق في ظلّ غياب القدرة الشرائية لدى المواطنين الذين فقدوا أكثر من 70% من قيمة رواتبهم التي يتقاضونها بالعملة الوطنية، وهم الذين لا تزال المصارف تحتجز ودائعهم وتمنعهم من الحصول على الأموال بالدولار.

ويعاني لبنان من أزمة مالية شديدة في الأشهر الأخيرة أدت إلى تخلّفه عن سداد ديون هائلة بالعملة الصعبة للمرة الأولى، والبدء في محادثات إعادة هيكلة في أواخر مارس/ آذار الماضي.

وتسببت التبعات الاقتصادية لإجراءات مكافحة تفشي فيروس كورونا في تفاقم مشاكل البلاد المتمثلة في ضعف العملة وتراجع الاحتياطات وارتفاع نسبة التضخم.

ذات صلة

الصورة
دبابة إسرائيلية على حدود لبنان من جهة الناقورة، 13 أكتوبر 2024 (Getty)

سياسة

اشتدت حدة المواجهات البرية بين حزب الله وجيش الاحتلال الإسرائيلي في جنوب لبنان مع دخول المعارك شهرها الأول من دون أن تتمكن إسرائيل من إحكام السيطرة.
الصورة
قصف إسرائيلي في محيط قلعة بعلبك الأثرية، 21 أكتوبر 2024 (نضال صلح/فرانس برس)

سياسة

انضمّت مدينة بعلبك إلى الأهداف الإسرائيلية الجديدة في العدوان الموسَّع على لبنان تنفيذاً لسياسة الأرض المحروقة ومخطّط التدمير والتهجير الممنهج.
الصورة
أنشطة ترفيهية للأطفال النازحين إلى طرابلس (العربي الجديد)

مجتمع

أطلقت منظمات وجمعيات أهلية في مدينة طرابلس اللبنانية مبادرات للتعاطي مع تبعات موجة النزوح الكبيرة التي شهدتها المدينة خلال الفترة الأخيرة.
الصورة
دمار جراء غارات إسرائيلية على بعلبك، 25 أكتوبر 2024 (Getty)

سياسة

شنّ جيش الاحتلال الإسرائيلي سلسلة غارات دموية على مناطق عدّة في محافظة بعلبك الهرمل اللبنانية أدت إلى سقوط عدد كبيرٍ من الشهداء والجرحى وتسجيل دمار كبير
المساهمون