في لقاء على برنامج The Ellen Show، قال مقدم البرنامج الكوميدي الشهير The Daily Show، تريفور نواه، إنه عندما يتعلق الأمر بالرئيس الأميركي ترامب، فإن كل ما عليه فعله ككوميدي هو فقط أن يعرض على الناس ما قاله أو فعله ترامب، من دون بذل أي عناء في التحضير لعرض كوميدي أو كتابة النكات. يقول: "أنا لا أفعل شيئًا فقط أعرض عليكم ما فعله (ترامب)".
وإذا أردنا تحليل أثر سياسة الرئيس الأميركي دونالد ترامب على مستقبل العِلم في الولايات المتحدة، والعالم بشكل عام، فما علينا إلا أن نستعرض بعض تصريحاته حول العلم، التي يتجاهل فيها بشكل صريح وفج العلماء والخبراء، وفي كثير من الأحيان يستهزئ بهم ويحط من شأنهم.
في أحد خطاباته الأخيرة أمام مجموعة من مناصريه، حذّر الرئيس الأميركي من انتخاب منافسه الديمقراطي جو بايدن، بحجة أن الأخير "سيستمع إلى كلام العلماء"، متفاخرًا بقراره إهمال نصائح العلماء، قائلًا: "لو استمعت إليهم لعانت البلاد اليوم من كساد عظيم".
شكك الرئيس الأميركي مرارًا في تقارير وتصريحات علماء البيئة حول الاحتباس الحراري. ورفض دعوة ويد كروفوت، رئيس وكالة الموارد الطبيعية في كاليفورنيا، إلى الأخذ بعين الاعتبار ما يقوله العلم عن دور تغير المناخ في اندلاع حرائق الغابات غرب الولايات المتحدة. ترامب رد على كروفوت بأن درجات الحرارة ستنخفض وحسب. عندها أجابه كروفوت: "أتمنى لو أن العلم يوافقك في ذلك"، ليرد الرئيس: "لا أعتقد أن العلم يعرف ما يحدث".
كشفت جائحة كورونا عن استخفاف ترامب بعمل العلماء وأبحاثهم، فعارض منذ البداية الكثير من الحقائق العلمية حول طبيعة انتشار الفيروس
كشفت جائحة كورونا عن استخفاف ترامب بعمل العلماء وأبحاثهم، فعارض منذ البداية الكثير من الحقائق العلمية حول طبيعة انتشار الفيروس، وقال في بداية تفشي الجائحة إن أعداد الإصابات ستنخفض لتصبح قريبة من الصفر.
يظهر من خلال نشاطه المفرط على تويتر أن ترامب بطبيعته سريع الانفعال، وهو لا يرفض تصديق الحقائق العلمية حول تغير المناخ وانتشار فيروس كورونا وحسب، بل يساهم في الترويج لمزاعم مضللة أو خاطئة.
صحيفة "واشنطن بوست" قالت إن عدد المزاعم الخاطئة والمعلومات المضللة التي أدلى بها ترامب بلغت 20 ألفاً حتى تاريخ 9 يوليو/ تموز الماضي. أي ما معدله 23 ادعاء خاطئاً أو مضللاً في اليوم الواحد، على مدار 14 شهراً.
مركز سابين لقانون تغير المناخ وصندوق الدفاع القانوني لعلوم المناخ، أطلقا مبادرة لرصد محاولات "إسكات العلم" منذ انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني 2016. رصدت المبادرة أكثر من 450 محاولة شملت إقالة موظفين، وإساءة استخدام العلم، وفرض الرقابة والتدخل السياسي غير المسبوق في عمل العلماء، إضافة إلى خفض ميزانيات مخصصة للأبحاث العلمية. من المعروف أن ترامب يتبع سياسة محافظة ولا يترك فرصة لتوفير المال، وقد اقترح بالفعل تقليصات هائلة في ميزانيات مخصصة لجهات علمية فدرالية، مثل مؤسسة العلوم الوطنية والمعاهد الصحية الوطنية الأميركية، لكن معظم هذه الاقتراحات قوبلت بالرفض من قبل الكونغرس صاحب الكلمة الأخيرة في هذا الشأن.
دفعت سياسة ترامب بعض المجلات العلمية إلى الخروج عن صمتها السياسي. لعل من أبرزها مجلة نيو إنغلاند الطبية التي التزمت على مدار 208 أعوام الحياد عن السياسة
دفعت سياسة ترامب بعض المجلات العلمية إلى الخروج عن صمتها السياسي. لعل من أبرزها مجلة "نيو إنغلاند" الطبية التي التزمت على مدار 208 أعوام الحياد عن السياسة، ولم تدعم أو تدن أي مرشح سياسي. انتقدت المجلة إدارة القيادة الأميركية لجائحة كورونا، وحملتها مسؤولية الإخفاق الهائل، كما انتقدت تسييس إدارة الغذاء والدواء الأميركية، التي استجابت للضغوطات السياسية على حساب الأدلة العلمية. بحسب المجلة، فإن سوء الإدارة حال دون الاستفادة من المزايا المهمة التي تتمتع بها الولايات المتحدة من قدرة تصنيعية، وأنظمة بحث، وخبرات علمية موجودة في الكثير من المؤسسات الحكومية. القيادة الأميركية اختارت ــ بحسب المجلة ــ تجاهل الخبراء وتشويه سمعتهم.
المجلة العلمية "ساينتفك أميركان"، أعلنت في مقالة تأييدها مرشح الحزب الديمقراطي جو بايدن، على الرغم من أن المجلة لم تعلن انحيازها لأي مرشح رئاسي منذ تأسيسها قبل 175 عامًا. قال محررو المجلة إن "الأدلة العلمية تُظهر أن دونالد ترامب أضرّ كثيرًا في الولايات المتحدة وشعبها، لأنه يرفض الأخذ بالأدلة العلمية، والمثال الأكثر تدميرًا هو استجابته غير النزيهة وغير ذات الكفاءة لجائحة كوفيد-19". وفي الوقت الذي يهاجم فيه ترامب "حماة البيئة والرعاية الطبية والباحثين ووكالات العلوم"، ترى المجلة أن جو بايدن في المقابل "يقدم خططًا قائمةً على الحقائق... وأن هذه الخطط وغيرها من الاقتراحات التي طرحها يمكن أن تعيد البلاد إلى مسارها نحو مستقبل أكثر أمانًا وازدهارًا وإنصافًا".
المجلة العلمية "ساينتفك أميركان"، أعلنت في مقالة تأييدها مرشح الحزب الديمقراطي جو بايدن، على الرغم من أن المجلة لم تعلن انحيازها لأي مرشح رئاسي منذ تأسيسها قبل 175 عامًا
تنظر بعض المجلات العلمية مثل "سيانتفيك أميركان" و"كيميستري وورلد" في كل الأضرار التي يمكن أن تلحق بالعلم والمجتمع العلمي في الولايات المتحدة نتيجة قرارات الرئيس، فهي ترى مثلًا أن الأمر التنفيذي الذي وقعه ترامب في 27 يناير/كانون الثاني من عام 2017 لحظر دخول المسلمين إلى الولايات المتحدة، أضرّ بالمؤسسات الأكاديمية والعلمية الأميركية التي تستفيد من العلماء الأجانب، وبعض العقول المهاجرة القادمة من هذه الدول.
على نطاق أوسع وخارج الولايات المتحدة، لا يبالي الرئيس ترامب بالاتفاقات والمؤسسات الدولية؛ ففي مايو/أيار 2020 أعلن ترامب انسحاب بلاده من منظمة الصحة العالمية، واتهمها بالتبعية للصين. في يوليو/ تموز 2017، أعلن نيته سحب بلاده من اتفاق باريس للمناخ. وتراجع عن مشاركة الولايات المتحدة في صندوق المناخ الأخضر، الذي تتطوع من خلاله البلدان الصناعية بتقديم منح مالية للدول منخفضة الدخل لمساعدتها على خفض انبعاثات غازات الدفيئة. ذلك بالرغم من أن الولايات المتحدة هي ثاني أكبر مَصدر في العالم لانبعاثات الكربون، وهي مسؤولة عن نحو 15 في المائة من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في العالم تسبقها الصين المسؤولة عن نحو 28 - 30 في المائة من الانبعاثات.
عقب ذلك، وقّع الرئيس ترامب قرارًا تنفيذيًا يقضي بالتراجع عن القوانين التي أقرّها قبله باراك أوباما، والتي من شأنها مكافحة الاحتباس الحراري وتقليل انبعاثات الكربون. شمل ذلك الانسحاب من خطة الطاقة النظيفة التي اقترحتها وكالة حماية البيئة الأميركية عام 2014، وإلغاء برنامج ناسا لمراقبة مستويات الكربون في الجو.
تراجع عن مشاركة الولايات المتحدة في صندوق المناخ الأخضر، الذي تتطوع من خلاله البلدان الصناعية بتقديم منح مالية للدول منخفضة الدخل لمساعدتها على خفض انبعاثات غازات الدفيئة
تراجع بموجب القرار أيضًا عن معايير رفع كفاءة وقود السيارات التي أقرها أوباما، وكان الهدف منها تقليل الملوثات الناتجة عن السيارات، من خلال زيادة كفاءة وقود السيارات لتصل إلى حد 54.5 ميلا للغالون. ترامب يعتبر هذه المعايير مكلفة و"شديدة الصرامة".
لكن هل ينقذ انتخاب بايدن الوضع؟ أظهرت تقارير صادرة عن الأمم المتحدة، أنه حتى لو التزمت الدول باتفاق باريس 2015؛ فإن ذلك لن يحد من ارتفاع درجة حرارة الأرض إلى 1.5 درجة مئوية. والعالم يتجه بالفعل نحو ارتفاع في درجة الحرارة خلال هذا القرن من المتوقع أن تصل في نهايته إلى 3.2 درجات مئوية أعلى مما كانت عليه قبل الثورة الصناعية. سيتسبب ذلك في تغيرات هائلة في المناخ وانقراض جزء كبير من الحياة البرية، ولن تعود مساحات كبيرة من الأرض صالحة للعيش.
يقول التقرير الصادر في نهاية 2019 إن تدارك الأزمة سيتطلب من الدول رفع التزاماتها إلى خمسة أضعاف وخفض انبعاثات الكربون بنسبة 7.6 في المائة سنويًا بدءًا من عام 2020. الدور الأكبر في مواجهة الخطر يقع على الدول المتقدمة التي تمتلك الإمكانات العلمية والتكنولوجية لرفع الكفاءة وتعزيز الطاقة النظيفة.