سواء توقعت الاستطلاعات حول نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية في الثالث من نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، خروج دونالد ترامب من سدة الرئاسة أو بقاءه فيها، فإن الجدل الذي يخلّفه الرجل سيبقى لعقود قادمة، لينضم في ذلك إلى لائحة رؤساء اقترنت أسماؤهم بالفضائح.
حين يحضر في الإعلام اسم الرئيس الأميركي ريشارد نيكسون، تبقى فضيحة "ووترغايت" هي الغالبة. ومثله الرئيس الأسبق، بيل كلينتون، رغم كل ما جرى من مشاريع "اتفاقيات سلام" ("أوسلو" وكامب دافيد وواي ريفر ووادي عربة) بقيت فضيحته مع مونيكا لوينكسي تذكر برئيس كاذب. ولو عدنا إلى الثمانينيات من القرن الماضي واستُحضر اسم الرئيس رونالد ريغان، فرغم اقتران اسمه بمواجهة السوفييت وتحطيم جدار برلين، تبقى فضيحة "إيران كونترا" تذكر برئيس أميركي هوليوودي. على النسق نفسه يسير دونالد ترامب، جامعاً بين رئيس عاش فضائح متوالية و"حقق ما لم يحققه" رئيس سابق، في نقل سفارة بلده إلى القدس المحتلة وجر أموال سعودية بمئات مليارات الدولارات لبلده، ودول عربية نحو التطبيع مع دولة الاحتلال، وحماية ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، من عواقب قتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده قبل أكثر من عامين.
وسواء بقي أو غادر ترامب الرئاسة، فإن 48 شهراً من حكمه كانت حافلة بما سيكتب عنه. فرغم عدم ثبوت "الصلات الروسية" بين ترامب ورجالات الكرملين، وعلاقته بمتحرش ومعتد على أطفال مثل جورج نادر، وفضيحته مع ممثلة البورنو ستورمي دنيالز، فإن هذه العناوين ستظل مع غيرها شكوكاً تلاحق اسم دونالد ترامب، والحكم على سيره وسط خيط رفيع بين العنصرية ودعم النازيين الجدد، الذين وصفهم بـ"أناس طيبين". ولا يبدو أن لطخات فضائحه وفلتات لسانه ستترك إرثا سياسيا يهيمن على سيرته. فاسمه سيظل مرتبطا بنعته دولا أفريقية بما لا يليق، وظهور ميله نحو التطرف اليميني منذ مواجهات "شارلوتسفيل"، بين النازيين الجدد والمناوئين لهم في أغسطس/آب 2017 ، حيث كشف ترامب عما تحت القناع عن "طيبة" المتطرفين الذين يعتبرونه مثلهم الأعلى.
جلبة للتغطية على الفضائح
قد يتناسى البعض في سياق الجلبة الدائمة التي يحدثها ترامب، أنه حاول جاهدا وبالضغط على مكتب التحقيقات الفيدرالي، إف بي آي، وقف التحقيق في طريقة عمل حملته الانتخابية في 2016، وإبعاد السجال عنه، بدخوله حقبة مثيرة للضوضاء عن زعيم كوريا الشمالية، كيم جونع أون، الذي سبق له أن وصفه بـ"رجل الصواريخ" Rocket Man، وصولاً إلى اعتباره "الصديق الحميم"، بعد مسلسل تبادل الشتائم بينهما. على ذات المنوال أجاد ترامب تجنيب نفسه التعرض للأضواء المستمرة على فضائحه، بما فيها تهربه الضريبي، والتي عادت مجددا في سبتمبر/أيلول 2020، بنشر تقرير لـ"نيويورك تايمز" عن القضية ذاتها، وبوثائق تثبت أنه لم يدفع ضرائب فيدرالية خلال 15 سنة ماضية. كان الأمر جد خطير، لكنه أثار جلبة أخرى بإشغال الرأي العام، بعيدا عن الفضيحة، بخبر إصابته بكورونا. وبعد شهر من فتح الصحيفة الأميركية، ومنافسه الديمقراطي جو بايدن، لقضية التهرب الضريبي، عادت الأجواء لتركز على عناوين أخرى.
25 ألف كذبة وتضليل
أشار الموقع الأميركي "ماكسوين آيز" يوم 23 أكتوبر/تشرين الأول، إلى مئات قضايا التضليل أثناء فترة حكم ترامب. وتحت عنوان "دعونا لا ننسى"، عدّد الموقع 940 قضية أطلقها ترامب، ومن بينها ما سماه صحافيو الموقع "سوء السلوك الجنسي والتحرش والتسلط، التفوق الأبيض، العنصرية، رهاب المثلية، كراهية الأجانب، التواطؤ مع روسيا وعرقلة سير العدالة، طاقم إدارة ترامب، تعاملات شركة ترامب العائلية". في التصرفات والتصريحات المثيرة للضوضاء، كان ترامب يخوض حربا ضد الحقيقة بإطلاق النار على وسائل الإعلام واتهامها بأنها "تنشر أخبارا زائفة". عملياً، استطاع هذا الرئيس الأميركي، في ادعائه خوض "الحرب من أجل الحقيقة"، أن يقدم آلاف الأكاذيب لجمهوره. ووفقا لإحصاء "واشنطن بوست" فقد جرى توثيق 25 ألف كذبة وتضليل مارسها ترامب. ومن بينها ما رصدته الصحيفة خلال الأيام الماضية (يوم 22 أكتوبر/تشرين الأول الحالي) إطلاقه 50 كذبة وخدعة إضافية، في حملته الحالية، ليتجاوز وفقا للصحيفة الأميركية الـ25 ألف كذبة.
بدأت مسيرته الرئاسية مع الكذب حول حفل تنصيبه (يناير2017)، حيث اعتبره "الأكثر حضورا في التاريخ"، فيما الصحافة ووسائل الإعلام أظهرت أن نصف المساحات المخصصة لجمهور الاحتفال كانت فارغة. واعتبرت المستشارة الصحافية لترامب، المستقيلة حديثا، كيليان كونواي، أن ما قاله ترامب جاء في سياق "الحقائق البديلة"، وهو تعبير سيتواصل استخدامه من ترامب ومعسكره، وستشهد الصحافة الأميركية تعاملا فظا من قبل كونواي بنفسها مع وسائل الإعلام والمراسلين، باعتبار أن وسائل الإعلام التقليدية "لا تذكر الحقيقة"، لذا الكذب والتضليل مبرر لديهم باعتباره "حقائق بديلة".
أكاذيبه ونظريات المؤامرة
رصدت وسائل إعلام وصحافة أميركية الكثير عن الرئيس الكاذب، ومن أهمها تلك التي انطلقت بعد فوزه بأنه "حصل على أصوات أكثر من المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون". فبعيدا عن النظام الانتخابي الرئاسي في أميركا، وتعقيدات المجمعات الانتخابية، وفوزه بالرئاسة، رغم حصول كلينتون على نحو 3 ملايين صوت أكثر منه، فإن الرجل كذب وضلل حين ذكر في تغريداته في شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2016، أنه حصل على أغلبية أصوات الناخبين "إذا ما نحينا جانبا ملايين المصوتين غير القانونيين"، وهو ما رصدته "سي بي اس نيوز".
ادعاءات ترامب تلك جرى دحضها في تقرير لجنة تقصي حقائق رسمية عن "مؤامرة ضد رئاسة ترامب". ونظرية المؤامرة لم تفارق خيال ترامب في رمي الاتهامات على غيره. ومن بين أهم الأضاليل والأكاذيب التي مارسها ترامب، يبرز اتهامه في أكتوبر/تشرين الأول 2018 للديمقراطيين باعتبارهم "اشتراكيون راديكاليون، يرغبون بتشكيل الاقتصاد الأميركي كما في فنزويلا"، وهو ما نشرته "الغارديان" في تقرير عن تضليل الرجل، والذي تناول بكثير من الضوضاء النائبة (الصومالية الأصل) إلهان عمر معتبرا إياها "فخورة بتنظيم القاعدة وغالبا ما تستخدم عبارة اليهود الأشرار".
في مايو /أيار الماضي، غرد ترامب بما وصفه البعض "تغريد جنوني"، تحت مسمى "أوباما غايت" OBAMAGATE باعتبارها "اكبر فضيحة سياسية في التاريخ الأميركي". لم يذكر الرئيس ماهية "مؤامرة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما". وحين ضُغط عليه ليوضح ما يعنيه بـ"أوباما غيت"، رمى الرجل كلاما عن أن أوباما ضغط على مكتب التحقيقات الفيدرالي، إف بي آي، لكشف هوية مستشاره السابق مايكل فلين الذي جرى التحقيق معه. واعتبار الأمر بمثابة "فضيحة تاريخية" واحدة من تضخيمات ترامب بهدف التلاعب بمشاعر مؤيديه من المؤمنين بنظرية المؤامرة.
وفي سياق التضخيم والإثارة، وصل ترامب إلى مقارنة نفسه بالرئيس الأميركي الراحل أبراهام لينكولن، في يونيو/حزيران الماضي، أمام تجمع انتخابي في أوهايو حين اعتبر نفسه "أعظم رئيس لأميركا باستثناء فترة رئاسة لينكولن"، وهو ما أثارته "ذي هيل" حول محاولات ترامب الحثيثة لمقارنة نفسه برؤساء أميركيين ذوي مكانة في التاريخ الأميركي، ومن بينهم فرانكلين روزفلت، لناحية أن ترامب صاحب أضخم سجل تشريعي منذ عهد روزفلت.
وكانت محطة "آي بي سي نيوز" قد ذكرت في استطلاع بتاريخ يوليو/تموز الماضي، أن 68 في المائة لا ينظرون إلى ترامب باعتباره نموذجا إيجابيا، ورأى 57 في المائة أنهم كلما تعرفوا عليه أكثر، كلما قل إعجابهم به. ونظر 65 في المائة إلى تصرفات ترامب على أنها مضرة بموقع الرئاسة الأميركية. وكانت "نيويورك تايمز" في 5 سبتمبر/أيلول 2018 نشرت مقال رأي لشخص ادعى أنه من دائرة ترامب، وشرح من خلاله كيف أن الرئيس الأميركي الحالي عمل منذ بداية حكمه على سياسات تتعارض وتوجهات جهاز الحكومة التي اختير لقيادتها، ومن بين المؤسسات التي ادعى صاحب المقال محاربة ترامب لها، مثل النظام القضائي والصحافة والخدمة المدنية والمهنيين.
ساهم ترامب في إرساء العنصرية والكراهية والتطرّف
لم يتوانَ ترامب عن مهاجمة الطاقة البديلة، معتبرا في تضليل إضافي عن التغيرات المناخية أن استخدام توربينات الرياح لتوليد الكهرباء "تسبب السرطان بسبب الضوضاء التي تصدرها". بالطبع لا أسانيد علمية للضوضاء التي يفتعلها ترامب في تحذير الناس من أن منازلهم ستفقد 75 في المائة من قيمتها السوقية إذا تم تركيب توربينات رياح قربها. وعن سياساته في سورية، لم يتوانَ ترامب عن التضليل في أكتوبر/تشرين الأول العام الماضي (2019) حين غرد الرجل كاذبا أنه "ليس لدينا جنود في سورية، لقد انتصرنا، هزمنا داعش بشكل كبير وحازم"، بينما فعليا كان لا يزال هناك نحو ألف جندي أميركي في سورية.
وفي السياق نفسه، جاء تصادمه مع الصحافة، حيث لم تسلم السلطة الرابعة من الهجمات والتحريض إلى حد اعتبار الصحافيين "أعداء الشعب" و"أناسا سيئين". وكثيرا ما دخل ترامب في سجالات ونزاع مع المراسلين بطريقة استعراضية وعدائية، واتهام الصحف والإعلام غير المؤيد له بـ "أصحاب الأخبار المزيفة". ومقابل ذلك بنى ترامب علاقات أفضل مع منصات اليمين المتشدد، في بريطانيا أيضاً، واقتبس منه وشارك بعض منشوراته.
رئيس البيض.. "جيناتكم جيدة"
ساهم ترامب بخطابه الشعبوي في نشوء أفكار تتعلق بلون الرئيس والشعب الذي يترأسه، وكثيراً ما أدى ذلك إلى حالة من الفرز والاصطفاف الذي شجعه، كما في اعتباره تحركات اليمين المتشدد أمراً ساراً. وأشاع الرجل خطاباً عن أن الملونين غير البيض ووصفهم بأنهم "ليسوا أميركيين حقيقيين"، وبدأ الحديث في أميركا بخطاب عن "أقليات"، في تبن واضح للتصنيف والخطاب الأوروبي اليميني، على أساس الأصل العرقي في بلد المهاجرين. ووجد ترامب في خطابه العنصري بحق شعوب ودول أخرى أمرا عاديا، بل يستغرب انتقاد من يعادون التمييز والعنصرية لخطابه، الذي يريد تطبيعه في يوميات المجتمع الأميركي. ولم يتردد في تقديم صورة نمطية وتعميمية عن "المكسيكيين الذين يحضرون إلى أميركا بالمخدرات والجرائم وهم مغتصبون، وبعضهم أعتقد أنهم جيدون"، وهو ما أطلقه ترامب في صيف 2015 أثناء إعلانه الترشح لانتخابات العام التالي، وهاجم أيضا الإسلام والمسلمين، معتبرا أنه توجد مشكلة مع المسلمين، على طريقة رئيس فرنسا إيمانويل ماكرون هذه الأيام. إلا أنّ خطاب وعوده بناء "الجدار الجميل" مع المكسيك تراجع منذ الانتخابات النصفية في 2018.
في كل الأحوال، بقي خطاب تحقير قيمة المواطنين الأميركيين غير البيض قائماً. وحتى قبل شهر مضى، (في سبتمبر/أيلول الماضي) لم يتردد ترامب في إخراج بطاقة "التفوق العرقي الأبيض" من قبعته، وذلك في تجمع انتخابي كان معظم الحاضرين فيه من البيض، وذلك في مينيسوتا، حيث قال: "لدي جينات جيدة، أنتم تعرفون ذلك، أليس كذلك؟ لديكم جينات جيدة، الكثير من الأمور تتعلق بذلك، أليس كذلك؟ أنتم في مينيسوتا لديكم جينات جيدة"، وهو ما نقله موقع "انسايدر" وعديد وسائل الإعلام الأميركية.