كيف يعمل الإعلام اللبناني وسط أزمة المحروقات؟

بيروت
ريتا الجمّال (العربي الجديد)
ريتا الجمّال
صحافية لبنانية. مراسلة العربي الجديد في بيروت.
20 اغسطس 2021
لبنانيون يروون معاناتهم
+ الخط -

يعيش لبنان أوضاعاً خانقة تهدّد بانقطاعه عن العالم، إثر انقطاع الكهرباء والمحروقات، ما يؤثر على قدرة المولّدات على العمل، وبالتالي شركات الاتصالات والإنترنت، ما قد يدفع وسائل إعلاميّة إلى التوقف عن العمل، أو يجبر صحافيين على المغادرة، وقد تكون له آثار أسوأ، بينها غياب التغطية الخبرية عن مناطق مهمّشة ومحتاجة أو منكوبة، أو حتى تأثيرات أكثر قسوة على عمل الصحافيين ووظائفهم. وبينما غابت الاتصالات والإنترنت عن مناطق في شمال لبنان وضواحي بيروت، هذا الأسبوع، بسبب انقطاع الكهرباء وعدم قدرة الشركات على تأمين البديل، يتخوّف المواطنون والمقيمون في البلاد من "تعتيم أكبر" قد يلحق بالعتمة، بسبب الأثر المباشر على عمل الصحافيين والمصورين، وحتى على قدرة الناشطين على الوصول للعالم، وإيصال الصورة من البلاد. 

ودفعت أزمة المحروقات الحادّة في لبنان المؤسسات الإعلامية إلى اتخاذ إجراءات استثنائية تفاوتت تبعاً للإمكانات والاحتياطات وتوحدت حول الاستمرارية والصمود في شتّى الوسائل لإبقاء تغطياتها قائمة لوقائع كوارث اقتصادية ومعيشية غير مسبوقة في تاريخ البلاد.

فيروس كورونا وأزمة المحروقات ينهكان الصحافيين في لبنان

يقول مدير الأخبار والبرامج السياسية في قناة "أم تي في" غياث يزبك لـ"العربي الجديد" إنّ "إدارة المؤسسة أخذت بعين الاعتبار أن البلاد ذاهبة باتجاه أزمة هي لوجستية متحركة، واتبعت تدابير احتياطية سواء على صعيد تأمين المازوت للمولدات الخاصة بالمؤسسة أو المحروقات للعاملين في المحطة بالحدّ الأدنى، وحتى الساعة الخطة المتبعة ساهمت في استمرار نشاطنا من دون أن تتقلّص وتيرة العمل وإن بطريقةٍ تختلف عن المعتاد نظراً للظروف الاستثنائية التي تمرّ بها البلاد".

ويلفت يزبك إلى أن "الطاقم العامل في القناة ترك الحرية للعاملين في الموقع الإلكتروني التابع للقناة بالحضور إلى المؤسسة أو العمل من المنزل كل حسب طبيعة عمله، لكن ذلك للتخفيف عليه من التنقلات والتخفيف من الاكتظاظ تبعاً للتدابير الصحية المتخذة لمواجهة فيروس كورونا". ويؤكد يزبك أن "المخاوف تبقى موجودة في حال الانقطاع التام للمازوت وعدم قدرتنا على تأمين المادة، بيد أننا قادرون على الصمود الآن، لا سيما بفعل اللجوء إلى الطاقة الشمسية وتجهيز كميات من الألواح الشمسية في مواقف السيارات لتعويض جزءٍ من الإنتاج، وذلك بعد دراسات أجريت في هذا الإطار، بهدف تخفيف العبء البيئي والتشغيلي في الوقت نفسه على المؤسسة، وسنتبع كل الطرق التي من شأنها تحقيق الاستمرارية وإبقاء هوائنا مفتوحاً ولا سيما لتغطية الوقائع والأحداث من دون توقف".

من جهته، يشير رئيس مجلس إدارة قناة "إل بي سي آي" بيار الضاهر لـ"العربي الجديد" إلى أن "لا تغييرات حدثت في العمل داخل المؤسسة خصوصاً أننا كنا ندرك المرحلة التي سنصل إليها وطبيعة الأزمة، واتخذنا تبعاً لذلك احتياطاتنا على هذا الأساس، لتفادي أي قرار قد يكون موجعاً أو يؤثر على مستوى العمل والتغطيات على مدار النهار". ويؤكد الضاهر أن "الأزمة التي يمرّ بها لبنان تستدعي بقاء الإعلام متأهباً وفي مواكبةٍ دائمة لنقل المشهد والوقائع إلى الناس من دون توقف، وسنقوم بكل ما يلزم لاستكمال عملنا كالمعتاد". ويردف أن "تجربة جائحة كورونا والتدابير الوقائية التي اتخذت خصوصاً على صعيد العمل من المنزل للذين تسمح طبيعة عملهم بذلك كانت مفيدة وساعدت العاملين في قسم التحرير بشكلٍ خاص في تأدية عملهم من البيوت باستثناء من هم على تماس مع الأجهزة التي من الصعب تشغيلها إلا في المؤسسة".

مخاوف من تعتيم أكبر وانقطاع الاتصال بالعالم بعد العتمة، إثر توقف الاتصالات والإنترنت جراء انقطاع الكهرباء الناجم عن نفاد الوقود

في المقابل، يعمد عددٌ من المحطات التلفزيونية منذ فترة تزامنت مع بدء تفاقم الأزمة الاقتصادية واشتدت في ظل انقطاع المازوت إلى وقف البث باكراً ولا سيما بعد نشرة أخبار منتصف الليل، إضافةً إلى عدم تغطيتها جميع الأحداث التي تحصل في الشارع اللبناني للأسباب المذكورة أعلاه، لا سيما في المناطق البعيدة عن بيروت، نظراً أيضاً للنقص الحاد في مادة البنزين وتوقف معظم شركات الأجرة عن تلبية الزبائن وإضراب قسم كبير من السائقين العموميين غير القادرين على تحمّل ارتفاع أسعار المحروقات حتى ولو توفّرت.

وبدأت إدارات بعض المحطات والمؤسسات الإعلامية المرئية والمكتوبة بالاعتماد على مندوبين مستقلين غير ثابتين لتغطية أحداث عاجلة في مناطق الأطراف، مع تعذر توجه مراسلي العاصمة إلى مكان الحدث.

من جهة أخرى، تأثرت مواقع إلكترونية وإذاعات وصحف من أزمة المحروقات، بشكل دفعها إلى الطلب من الموظفين العمل من المنازل ولإقفال مكاتبها أو تقليص دوامات العمل واتخاذ إجراءات تعتمد على التقنين داخل المؤسسة للحفاظ قدر الإمكان على المخزون المتوفر لديها وعدم الوصول إلى مرحلة الإقفال التام، وكان بينها مؤسسات عالمية وليس فقط محليّة. وتعمل من لبنان العديد من المؤسسات الإعلاميّة العالمية والدولية التي تغطّي الأحداث في المنطقة، خصوصاً في البلدان الخطرة، وبينها سورية.

من جانبه، مكتب "العربي الجديد" في بيروت اضطر لتقنين الطاقة، واعتماد ساعات قليلة فقط في اليوم، نظراً لفقدان مادة المازوت في الأسواق. وعلمت "العربي الجديد" أن "إدارات عددٍ من المواقع الإلكترونية عملت على تأمين أكثر من حاسوب للموظفين للعمل عليها في ظل الانقطاع المستمرّ للكهرباء كما وأجهزة "يو بي إس" للشحن، نظراً لتخطي ساعات التقنين في التيار الكهربائي الـ18 ساعة يومياً، كما اعتمدت إجراءات تقنين، منها حصر الموظفين في مكتب واحد وإطفاء باقي الإضاءة والتكييف عن باقي المكاتب وغيرها من التدابير الموجعة التي من شأنها أن تؤثر على نشاط الجسم العامل والإنتاجية.

تقول مديرة موقع "الكتائب" نادين منيّر لـ"العربي الجديد" أنّ "انقطاع مادة المازوت جعل من الصعب جداً العمل داخل المكتب نظراً للتقنين الحاد في التيار الكهربائي، عدا عن النقص الحاد في البنزين وإقفال غالبية محطات الوقود أو تعذر الوصول إليها بالسرعة المطلوبة مع انتظار ساعات في الطوابير لتعبئة خزانات السيارات، الأمر الذي صعّب كذلك وصول العاملين إلى المكاتب ما دفعنا إلى اتخاذ قرار بالعمل من المنازل". وتضيف: "مركزنا داخل مبنى إذاعة (صوت لبنان) التي تعاني بدورها من التقنين الكهربائي الحاد، وقد تأثرنا حكماً بذلك، ولكننا في جميع الأحوال مستمرون في العمل، بغض النظر عن المكان، للوقوف إلى جانب الناس في ظل هذه الأوقات العصيبة التي تتطلب تغطية إعلامية تضيء على الأزمة ومرتكبيها".

ومن الإجراءات الاستثنائية التي اتخذتها إدارة الموقع "توزيع الأعمال على الموظفين والصحافيين وتقسيم الدوامات بحسب جدول تقنين الكهرباء في البيوت، وهو أمرٌ يتطلب تعاون الجميع للصمود في هذه الظروف الاستثنائية وإجراءات نعلم صعوبتها لكننا مجبرون على اتخاذها لضمان استمرارية المواكبة وتغطية الأحداث"، تقول منيّر. وتلفت إلى أنّ "ما تعيشه وسائل الإعلام ينطبق على جميع القطاعات والمؤسسات في البلاد، بما فيها المستشفيات التي تعاني من نقص حاد في المازوت وعتمة شبه شاملة، يضع حياة المرضى أمام واقع صحي خطير، ومع ذلك لم تتحرك السلطات أقلّه لمساعدتها فكيف بها أن تقف إلى جانب المؤسسات الإعلامية".

وعلى الصعيد نفسه، تعتمد إذاعة "صوت لبنان (100.5)" تدابير تقوم على ترشيد البث بهدف الصمود والاستمرارية إلى حين انفراج الأزمة. وكانت إذاعات في لبنان أجبرت على الإغلاق بسبب الأزمة الاقتصادية، ما يجعل عدد الموسسات العاملة حالياً، والتي تغطي الساحة اللبنانية خبرياً، ضئيلاً.

ذات صلة

الصورة
دبابة إسرائيلية على حدود لبنان من جهة الناقورة، 13 أكتوبر 2024 (Getty)

سياسة

اشتدت حدة المواجهات البرية بين حزب الله وجيش الاحتلال الإسرائيلي في جنوب لبنان مع دخول المعارك شهرها الأول من دون أن تتمكن إسرائيل من إحكام السيطرة.
الصورة
قصف إسرائيلي في محيط قلعة بعلبك الأثرية، 21 أكتوبر 2024 (نضال صلح/فرانس برس)

سياسة

انضمّت مدينة بعلبك إلى الأهداف الإسرائيلية الجديدة في العدوان الموسَّع على لبنان تنفيذاً لسياسة الأرض المحروقة ومخطّط التدمير والتهجير الممنهج.
الصورة
أنشطة ترفيهية للأطفال النازحين إلى طرابلس (العربي الجديد)

مجتمع

أطلقت منظمات وجمعيات أهلية في مدينة طرابلس اللبنانية مبادرات للتعاطي مع تبعات موجة النزوح الكبيرة التي شهدتها المدينة خلال الفترة الأخيرة.
الصورة
دمار جراء غارات إسرائيلية على بعلبك، 25 أكتوبر 2024 (Getty)

سياسة

شنّ جيش الاحتلال الإسرائيلي سلسلة غارات دموية على مناطق عدّة في محافظة بعلبك الهرمل اللبنانية أدت إلى سقوط عدد كبيرٍ من الشهداء والجرحى وتسجيل دمار كبير
المساهمون