تُجري صحيفة وموقع "العربي الجديد" تحقيقاً عن حالة لاعب كرة القدم اللبناني الصعبة الذي يعيش في ظروف اقتصادية واجتماعية قاهرة. يعيش تحت رحمة الأندية بدون عقود احتراف بل بعقود أشبه بـ"العبودية". تحقيق على سبعة أجزاء يكشف حقيقة لاعب يُقاتل على أرض الملعب من أجل الكرامة، يستعرض الجزء الأول تفاصيل هذا التحقيق...
لاعبون يعملون صباحاً يتدربون مساءً. يشحذون الأموال من الأندية التي لا ترحمهم. نجوم تعيش في بيوت على وشك السقوط والانهيار. أساطير لبنانية تعيش في الشوارع باحثة عن مصدر رزق. فلتكن ثورة لأن لاعب كرة القدم اللبناني يبحث عن ذرة كرامة في الملعب.
في عام 2016، وفي لبنان تحديداً، هناك لاعبو كرة قدم يعيشون تحت رحمة العبودية وبدون إنسانية. هناك لاعبو كرة بدون عقود احتراف. لاعبون تحت ديون تغرقهم وتدمر عائلاتهم. نجوم منتخب لبنان لا يملكون وسيلة نقل تقلهم نحو ملعب التدريب. الكرامة في كرة القدم أمر لا مفر منه، لأن الرياضي وُلد لكي يكون طليقا حُرا يركض في الملعب كما يشاء لأنه يعشق الرياضة. أن تشهد كرة القدم اللبنانية لاعبين مسلوبين من هذه الكرامة فالأمر يعني أنه يلعب بدون حرية.
الملعب جحيم؟
"إذا قرر لاعب كرة القدم أن يتكئ على هذه الرياضة فقط، لن يكون له مستقبل، ولا يمكن أن تُعيله مدى العمر حتى أنها قد لا تُعيله لأسبوع واحد فقط. راتب اللاعب اللبناني كارثي ولا يمكن مقارنته بالدول العربية أو الأوروبية، راتب اللاعب اللبناني لا يتخطى الـ 900 دولار شهرياً، ومن يعتقد أن هذا المبلغ سيُعيل عائلة ويمنحها حياة كريمة فهو واهم، خصوصاً مع تكاليف المواصلات (الذهاب إلى الملعب)"، يقول حسن ملاح لاعب كرة قدم لبناني.
عندما يأتي الشارع الرياضي اللبناني بأسره وينتقد اللاعبين الذين خانوا منتخب لبنان في عام 2014، طبعاً من دون إعطاء أي مُبرر لما فعله لأن خيانة الوطن خطأ قاتل. لكن قبل أي شيء هل ذهب الناس ودخلوا منزل هؤلاء اللاعبين في منطقة "الزينكو" داخل الأحياء الفقيرة في الأوزاعي؟ هل درس أحد منطقة سكن اللاعب غير الصالحة للسكن؟ هل تعرف المسؤولين إلى البيئة التي ينام ويأكل فيها قبل خوضه حصة تدريبية أو مباراة؟ قبل أن يُحاسب هذا الخائن فلنبحث عن السبب الذي جعله يخفض رأسه أمام المال.
بعض الأندية في لبنان لا تدفع الرواتب في يومها المُحدد، وأحياناً يتم تأجيلها لفترة تصل إلى منتصف الشهر، وكأن اللاعب اللبناني ليس لديه عائلة يُعيلها، فلنتخيل سوياً لاعبا لا يعمل عملا ثانيا إلى جانب كرة القدم، ماذا سيكون وضعه وكيف ستكون حالته في أول كل شهر، هل يذهب ويشحذ المال من أجل إطعام ابنه الجائع أو يتركه بدون أكل؟
وبالنسبة للاعب اللبناني عمر عويضة فهو لا يعتبر كرة القدم مصدر رزق للمستقبل، وهو ينتظر فرصة عمل بمواصفات جيدة لكي يهجر كرة القدم نهائياً. ويُشدد عويضة على الوضع الصعب والمرير من خلال التنويه بأن نجوما تاريخيين لم ينالوا حقوقهم في هذه اللعبة، فهل ينتظر اللاعب الشاب حالياً تحصيل حقوقه، هذا أمر مستحيل في كرة القدم اللبنانية.
عبودية وصمت
عقود عبودية ليست عقودا قديمة العهد، بل هي موجودة في أدراج أندية كرة القدم اللبنانية والاتحاد في عام 2016. يوقع اللاعب اللبناني مدى الحياة مع فريق كرة القدم ويصبح "عبداً" بيد هذا الفريق الذي يتحكم بحياته من الألف إلى الياء. أين عقود الاحتراف التي تُحول اللعبة الشعبية الأولى في لبنان من هواية إلى احتراف؟ وما زال الجميع يسأل لماذا لا تتطور كرة القدم بغرابة شديدة.
يقول الصحافي الرياضي محمد كركي: "أول من يرفض عقود الاحتراف هي الأندية اللبنانية، التي يظهر رؤساؤها عبر وسائل الإعلام، ويظهرون مواقفهم المناصرة لقضايا اللاعبين، لكن من تحت الطاولة كما يحصل في لبنان في كل المجالات، تختلف الأمور ويصبح الأمر مجرد كلام في الهواء لا يُقدم ولا يؤخر".
وينتقد الصحافي رواد مزهر اللاعب اللبناني الذي تقع عليه مسؤولية كبيرة لحل هذه المشكلة والوقوف من أجل المطالبة بحقوقه، فهو لا يتكلم ولا يشكو وكأن الحياة تسير بألف خير ولا يلجأ إلى العصيان لكي يحصل على حقوقه، فمعظم اللاعبين في لبنان لا يملكون الجرأة لعصيان الأندية رغم أن حقوقهم مهدورة وكرامتهم غير مُصانة.
في المقابل، يعتقد رئيس جريدة "سوبر 1" الرياضية إبراهيم دسوقي، أن الاعب اللبناني لا يملك الحافز على أرض الملعب، ولا يُفكر في تطوير مستواه الفني والاهتمام بالنظام الغذائي والصحي غائب تماماً، وكل هذا بسبب غياب نظام العقود والاحتراف الذي يجعل اللاعب بدون حوافز لتقديم مستوى مُتميز على أرض الملعب.
لكن الأمر الذي يثير الجدل هو الصمت الرهيب من اللاعبين والصحافيين الرياضيين الذي يعملون في كرة القدم اللبنانية، وهم على يقين أن اللعبة ليست بخير، وهناك مشاكل يجب معالجتها. وفي هذا الإطار، يُشير الصحافي الرياضي شربل كريم إلى أن دور الصحافة الرياضية في لبنان مهم جداً، لأنه يجب الإضاءة على السلبيات من دون خوف أو مساومة ويجب عرض الحقائق بمهنية من دون تشويش للواقع وتغييره لإظهار أن اللعبة بأفضل أحوالها وليس هناك أي مشكلة، بل على العكس يجب الإضاءة على الأخطاء لتطوير اللعبة وتنبه المعنيين بأن الثغرات موجودة ويجيب حلها فوراً.