تباطأت الحكومة السودانية في إيجاد حلول للأزمات المعيشية المتفاقمة فسارع الشارع بالتحرك عبر مظاهرات حاشدة بالعديد من المدن احتجاجاً على الغلاء الفاحش لمختلف السلع، وصل إلى رغيف الخبز، إضافة إلى نقص المحروقات، وشح في السيولة النقدية، وتدهور مستوى الخدمات.
ورغم التحركات الحكومية التي تسعى لامتصاص السخط الشعبي توسعت الاحتجاجات وسط مطالبات بحلول جذرية للمشاكل التي تواجه المواطنين يومياً. وساهم تهاوي سعر الجنيه أمام الدولار بالسوق السوداء في زيادة أسعار السلع والخدمات، الأمر الذي أدى إلى تفاقم الأوضاع المعيشية للمواطنين.
وحسب بيانات رسمية، واصلت أسعار السلع والخدمات انفلاتها، إذ قال الجهاز المركزي للإحصاء، في بيان له منذ أيام، إن معدلات التضخم بلغت 68.93% الشهر الماضي، مقابل 68.44% على أساس سنوي في أكتوبر/ تشرين الأول، مشيرا إلى أن أكثر السلع التي أثرت على التضخم كانت اللحوم والبصل والزيوت والألبان.
وأعلنت السلطات السودانية حالة الطوارئ أمس بمدينة عطبرة بعدما احتج مئات الأشخاص على ارتفاع الأسعار، وأضرموا النار في مقر الحزب الحاكم بالمدينة أمس. ونُظمت مسيرات في مدن أخرى، وقال مسؤولون إن الاحتجاجات اندلعت بسبب زيادة سعر الخبز إلى 3 جنيهات من جنيه واحد لنقص دقيق الخبز المدعوم.
رغيف الخبز
وكان ارتفاع سعر رغيف الخبز وعدم توفره أحد أبرز العناوين المعيشية التي دفعت نحو توسع الاحتجاجات الشعبية.
ووقف السودانيون في طوابير طويلة وحاشدة أمام المخابز في العديد من الولايات في محاولة لاقتناص عدة أرغفة وسط استمرار أزمة نقص حاد في الدقيق التي تراوح مكانها، ما أثّر سلباً على إمداد المخابز بالدقيق، التي تبلغ في ولاية الخرطوم وحدها نحو 3438 فرناً.
ويبلغ حجم استهلاك دقيق الخبز اليومي في الخرطوم وفقاً للإحصائيات الرسمية ما بين 45 إلى 50 ألف شوال زنة 50 كيلوغراماً، ما يعادل نصف استهلاك ولايات السودان كافة والبالغ 102 ألف شوال يومياً. كما ارتفع سعر الخبز في عدد من الولايات، ما أجج الاحتجاجات والاعتراض من قبل المواطنين.
وقالت مصادر لصيقة بملف الدقيق لـ"العربي الجديد" إن كافة الشركات دخلت في نظام بيع الدقيق التجاري للولايات وزن 25 كيلو لأن الدقيق المدعوم لا يكفي ولاية الخرطوم، مما اضطر الجهات الرسمية لطرح الدقيق التجاري للولايات.
من جانبه، قال وكيل توزيع لإحدى شركات المطاحن الكبرى، رفض ذكر اسمه، لـ"العربي الجديد"، إن إنتاج شركات المطاحن كاف لتغطية استهلاك الخبز، إلا أن تسرب الدقيق لاستخدامات أخرى مثل تصنيع المواد النشوية والمكرونة والباسطة وغيرها ما يحدث تراجعا في المعروض من الخبز والتسبب في التظاهرات الشعبية، كما يحدث بنهر النيل حالياً. وأشار إلى انتظام وانسياب توزيع الدقيق المدعوم لكافة الولايات خاصة ولاية الخرطوم لارتفاع عدد سكانها مقارنة بباقي الولايات الأخرى.
ولفت المدير العام لشركة مطاحن الحمامة لإنتاج الدقيق بالخرطوم ياسر عبد الهادي لـ"العربي الجديد" إلى أن شركات المطاحن توزع دقيقا تجاريا ومدعوما في نفس الوقت، مشيرا إلى أن توزيع المدعوم للولايات يتم عبر المنافذ الرسمية تحت إشراف الأمن.
وقال إن مطحنه ينتج 15 ألف جوال من دقيق القمح في اليوم في طاقته القصوى، غير أنهم يجابهون آنيا إشكالا في انسياب القمح المستورد من روسيا وأوكرانيا من ميناء بورتسودان للخرطوم لضعف النقل بسبب ندرة الوقود التي أشار إلى عجز الحكومة عن حلها، ما يؤثر على إنتاج الكميات الكافية من الدقيق لصناعة الخبز، مشيرا إلى أن الدقيق الذي ينتجه المطحن معظمه مدعوم.
وأشار رئيس الحكومة معتز موسى في بيان سابق بالمجلس الوطني البرلمان إلى تحمل الحكومة عبء فرق الأسعار العالمية والمحلية المدعومة للقمح لضمان توفير وانسياب الخبز لمنع تجاوز سعر رغيف الخبز جنيها. وقال إن استحقاقات الدقيق حتى سبتمبر/أيلول الماضي بلغت 11.5% من إجمالي الاعتمادات المدرجة للسلع الاستراتيجية لمقابلة فروقات أسعار الصرف ومستحقات الشركات الموردة للقمح لصالح المخزون الاستراتيجي.
الموازنة والغلاء
ورغم أن موازنة العام المالي الجديد 2019 التي أعلنت منذ أيام أقرت زيادة المبالغ المخصصة للدعم ورفع الأجور إلا أنها لم تكن كافية لحل الأزمات المعيشية المتفاقمة للموطنين.
بدوره، قال رئيس الوزراء معتز موسى إن ميزانية 2019 "مبنية علي موارد حقيقية وصرف متزن وتقشف في الإنفاق"، مضيفا أن أولويات الميزانية "تتمثل في زيادة إنتاج النفط والقمح والسكر والحكومة الإلكترونية والتحول الرقمي".
وقال مجلس الوزراء في بيان الثلاثاء الماضي، إن الميزانية تتوقع نموا اقتصاديا عند 5.1% في 2019، ارتفاعا من أربعة بالمئة في توقعات هذا العام، وزيادة الصادرات 30%. غير أنه لم يتطرق إلى الكيفية التي ستتحقق بها هذه الأهداف.
وفي المقابل، يرى الخبير الاقتصادي ميرغني إبنعوف، في حديثه لـ"العربي الجديد" أن اقتصاد البلاد تأثر بعدم استقرار السياسات، مقلّلاً من حديث الحكومة عن قدرتها على ضبط الأداء الاقتصادي. وقال الخبير الاقتصادي إن المطلوب أن تظهر الموازنة تطبيقا فعّالا علي الأرض.
وأكد الخبير الاقتصادي بابكر محمد لوجوب لـ"العربي الجديد" أنه إذا لم تتخذ الموازنة المقبلة تدابير عملية لمحاصرة غلاء المعيشة وتخفيف الأعباء لن تجدي نفعا، مضيفاً: يجب أن تكون هناك إجراءات واضحة لضبط الأسواق والقضاء على المضاربات والسلوكيات التجارية الملتوية.
وفي نفس السياق، قال الخبير الاقتصادي عبد الله الرمادي، إن الموازنة لم تأتي بجديد، موضحاً أن ارتفاع أسعار الدولار ومعدلات التضخم إفرازات لسياسات السنوات السابقة تسببت في رفع الإنفاق الجاري.
وكان السودان قد خفض عملته بقوة في أكتوبر/تشرين الأول من 29 جنيها للدولار إلى 47.5 جنيها، بعد أن حددت هيئة من البنوك ومؤسسات الصرافة سعر الصرف. وأدت هذه الخطوة إلى مزيد من الارتفاع في الأسعار وأزمة في السيولة، بينما استمرت الفجوة بين سعر الصرف الرسمي والسوق السوداء في الاتساع. وتدنت قيمة الجنيه السوداني لأدنى مستوى له مقابل الدولار، إذ وصل لحدود السبعين جنيهاً قبل أن يتراجع مرة أخرى إلى حدود 60 جنيهاً.
الوقود والسيولة
بدأ الرئيس السوداني عمر البشير يلمح إلى إنهاء دعم الوقود، حيث قال إنه لا يمكن أن يكون هناك "إصلاح اقتصادي حقيقي" دون رفع الدعم. وأضاف البشير أن السودان "ظل متماسكاً ومحافظاً على استقراره ويتمتع باقتصاد راكز".
اقــرأ أيضاً
وتضرر السودان بشدة حينما انفصل الجنوب في عام 2011، وهو ما أدى إلى فقدانه 3 أرباع إنتاجه النفطي، المصدر المهم للنقد الأجنبي.
في المقابل، يرفض خبراء اقتصاد ونواب في البرلمان خطوة تحرير سعر الوقود بإعتباره مقدمة لرفع الدولة يدها كليا عن دعم المواطن البسيط.
وترى خبيرة الاقتصاد إيناس إبراهيم في حديثها لـ"العربي الجديد" أن تحرير سوق المنتجات النفطية أمر محفوف بالمخاطر في نظر المواطن. ونوهت إلى عجز الإنتاج المحلي عن تغطية حاجة البلاد من الاستهلاك، مؤكدة على أهمية الحاجة لتسريع وتيرة العمل في المربعات النفطية المستكشفة تمهيدا لإدخالها في دائرة الإنتاج لسد العجز المحلي، والإسهام في توفير غاز الطهو بأسعار أرخص من الحالية والتي وصفتها بالمرتفعة.
وتفاقمت أزمة السيولة، الأمر الذي ساهم في مزيد من الإرهاق للمواطنين. وقال رئيس الوزراء، أمس، إن أزمة السيولة وفشل عملاء البنوك والموظفين في الحصول على ودائعهم ومرتباتهم، من المشاكل الحقيقية، وإنها غير معهودة في اقتصاد الدول.
ويبلغ حجم استهلاك دقيق الخبز اليومي في الخرطوم وفقاً للإحصائيات الرسمية ما بين 45 إلى 50 ألف شوال زنة 50 كيلوغراماً، ما يعادل نصف استهلاك ولايات السودان كافة والبالغ 102 ألف شوال يومياً. كما ارتفع سعر الخبز في عدد من الولايات، ما أجج الاحتجاجات والاعتراض من قبل المواطنين.
وقالت مصادر لصيقة بملف الدقيق لـ"العربي الجديد" إن كافة الشركات دخلت في نظام بيع الدقيق التجاري للولايات وزن 25 كيلو لأن الدقيق المدعوم لا يكفي ولاية الخرطوم، مما اضطر الجهات الرسمية لطرح الدقيق التجاري للولايات.
من جانبه، قال وكيل توزيع لإحدى شركات المطاحن الكبرى، رفض ذكر اسمه، لـ"العربي الجديد"، إن إنتاج شركات المطاحن كاف لتغطية استهلاك الخبز، إلا أن تسرب الدقيق لاستخدامات أخرى مثل تصنيع المواد النشوية والمكرونة والباسطة وغيرها ما يحدث تراجعا في المعروض من الخبز والتسبب في التظاهرات الشعبية، كما يحدث بنهر النيل حالياً. وأشار إلى انتظام وانسياب توزيع الدقيق المدعوم لكافة الولايات خاصة ولاية الخرطوم لارتفاع عدد سكانها مقارنة بباقي الولايات الأخرى.
ولفت المدير العام لشركة مطاحن الحمامة لإنتاج الدقيق بالخرطوم ياسر عبد الهادي لـ"العربي الجديد" إلى أن شركات المطاحن توزع دقيقا تجاريا ومدعوما في نفس الوقت، مشيرا إلى أن توزيع المدعوم للولايات يتم عبر المنافذ الرسمية تحت إشراف الأمن.
وقال إن مطحنه ينتج 15 ألف جوال من دقيق القمح في اليوم في طاقته القصوى، غير أنهم يجابهون آنيا إشكالا في انسياب القمح المستورد من روسيا وأوكرانيا من ميناء بورتسودان للخرطوم لضعف النقل بسبب ندرة الوقود التي أشار إلى عجز الحكومة عن حلها، ما يؤثر على إنتاج الكميات الكافية من الدقيق لصناعة الخبز، مشيرا إلى أن الدقيق الذي ينتجه المطحن معظمه مدعوم.
وأشار رئيس الحكومة معتز موسى في بيان سابق بالمجلس الوطني البرلمان إلى تحمل الحكومة عبء فرق الأسعار العالمية والمحلية المدعومة للقمح لضمان توفير وانسياب الخبز لمنع تجاوز سعر رغيف الخبز جنيها. وقال إن استحقاقات الدقيق حتى سبتمبر/أيلول الماضي بلغت 11.5% من إجمالي الاعتمادات المدرجة للسلع الاستراتيجية لمقابلة فروقات أسعار الصرف ومستحقات الشركات الموردة للقمح لصالح المخزون الاستراتيجي.
الموازنة والغلاء
ورغم أن موازنة العام المالي الجديد 2019 التي أعلنت منذ أيام أقرت زيادة المبالغ المخصصة للدعم ورفع الأجور إلا أنها لم تكن كافية لحل الأزمات المعيشية المتفاقمة للموطنين.
بدوره، قال رئيس الوزراء معتز موسى إن ميزانية 2019 "مبنية علي موارد حقيقية وصرف متزن وتقشف في الإنفاق"، مضيفا أن أولويات الميزانية "تتمثل في زيادة إنتاج النفط والقمح والسكر والحكومة الإلكترونية والتحول الرقمي".
وقال مجلس الوزراء في بيان الثلاثاء الماضي، إن الميزانية تتوقع نموا اقتصاديا عند 5.1% في 2019، ارتفاعا من أربعة بالمئة في توقعات هذا العام، وزيادة الصادرات 30%. غير أنه لم يتطرق إلى الكيفية التي ستتحقق بها هذه الأهداف.
وفي المقابل، يرى الخبير الاقتصادي ميرغني إبنعوف، في حديثه لـ"العربي الجديد" أن اقتصاد البلاد تأثر بعدم استقرار السياسات، مقلّلاً من حديث الحكومة عن قدرتها على ضبط الأداء الاقتصادي. وقال الخبير الاقتصادي إن المطلوب أن تظهر الموازنة تطبيقا فعّالا علي الأرض.
وأكد الخبير الاقتصادي بابكر محمد لوجوب لـ"العربي الجديد" أنه إذا لم تتخذ الموازنة المقبلة تدابير عملية لمحاصرة غلاء المعيشة وتخفيف الأعباء لن تجدي نفعا، مضيفاً: يجب أن تكون هناك إجراءات واضحة لضبط الأسواق والقضاء على المضاربات والسلوكيات التجارية الملتوية.
وفي نفس السياق، قال الخبير الاقتصادي عبد الله الرمادي، إن الموازنة لم تأتي بجديد، موضحاً أن ارتفاع أسعار الدولار ومعدلات التضخم إفرازات لسياسات السنوات السابقة تسببت في رفع الإنفاق الجاري.
وكان السودان قد خفض عملته بقوة في أكتوبر/تشرين الأول من 29 جنيها للدولار إلى 47.5 جنيها، بعد أن حددت هيئة من البنوك ومؤسسات الصرافة سعر الصرف. وأدت هذه الخطوة إلى مزيد من الارتفاع في الأسعار وأزمة في السيولة، بينما استمرت الفجوة بين سعر الصرف الرسمي والسوق السوداء في الاتساع. وتدنت قيمة الجنيه السوداني لأدنى مستوى له مقابل الدولار، إذ وصل لحدود السبعين جنيهاً قبل أن يتراجع مرة أخرى إلى حدود 60 جنيهاً.
الوقود والسيولة
بدأ الرئيس السوداني عمر البشير يلمح إلى إنهاء دعم الوقود، حيث قال إنه لا يمكن أن يكون هناك "إصلاح اقتصادي حقيقي" دون رفع الدعم. وأضاف البشير أن السودان "ظل متماسكاً ومحافظاً على استقراره ويتمتع باقتصاد راكز".
وتضرر السودان بشدة حينما انفصل الجنوب في عام 2011، وهو ما أدى إلى فقدانه 3 أرباع إنتاجه النفطي، المصدر المهم للنقد الأجنبي.
في المقابل، يرفض خبراء اقتصاد ونواب في البرلمان خطوة تحرير سعر الوقود بإعتباره مقدمة لرفع الدولة يدها كليا عن دعم المواطن البسيط.
وترى خبيرة الاقتصاد إيناس إبراهيم في حديثها لـ"العربي الجديد" أن تحرير سوق المنتجات النفطية أمر محفوف بالمخاطر في نظر المواطن. ونوهت إلى عجز الإنتاج المحلي عن تغطية حاجة البلاد من الاستهلاك، مؤكدة على أهمية الحاجة لتسريع وتيرة العمل في المربعات النفطية المستكشفة تمهيدا لإدخالها في دائرة الإنتاج لسد العجز المحلي، والإسهام في توفير غاز الطهو بأسعار أرخص من الحالية والتي وصفتها بالمرتفعة.
وتفاقمت أزمة السيولة، الأمر الذي ساهم في مزيد من الإرهاق للمواطنين. وقال رئيس الوزراء، أمس، إن أزمة السيولة وفشل عملاء البنوك والموظفين في الحصول على ودائعهم ومرتباتهم، من المشاكل الحقيقية، وإنها غير معهودة في اقتصاد الدول.