وهو الدور الذي فرضته حماية صناعة النفط الصخري الأميركية من أزمة تهدّد قسما منها بالإفلاس، ما دفع واشنطن ولأول مرة إلى الخروج عن سياستها المعروفة والقبول بالحدّ من إنتاجها لتحقيق الإجماع على ضرورة تقليص، إن لم يكن تجفيف، الفائض النفطي في الأسواق.
وإذا كان تاريخ اتفاقات الخفض النفطي حافل بضعف الالتزام والفشل، إلا أن حظ التوافق هذه المرة قد يكون أفضل بحيث يصمد لفترة ما بين سنة وسنتين، فالمشاركة الواسعة فيه تعزز تماسكه، كما أن استمرار هبوط الطلب المتوقع على الطاقة وانخفاض الأسعار، من شأنه تحفيز المنتجين على الالتزام بالحد الأدنى للإنتاج تحاشياً لانهيارات أكبر في الأسعار، على الأقل لغاية تجاوز تداعيات الوباء وما أحدثه من تخريب في الاقتصاد العالمي، وهو مدى يصعب الآن التكهن بشأنه. ولكن مع ذلك لا ضمانة لاستمراره بدون انتكاسات، فملابساته وظروفه جعلت منه تسوية إجبارية، قد يتحين بعض أطرافه الفرصة المناسبة للإفلات منه أو ربط استمرارهم فيه بشروط يرون أن اللحظة باتت ملائمة لتحقيقها.
وما تردد وتسرب عنه يعزز مثل هذه الاحتمالات التي تنطوي عليها ضبابية صياغته، خاصة في ما يتعلق بحدود الخفض، فالرئيس ترامب ذكر أن "خفض الإنتاج سوف يصل إلى 20 مليون برميل في اليوم بموجب الاتفاق التاريخي"، كما وصفه، شاكراً الرئيس بوتين والسعودية والمكسيك على التعاون "والمرونة" لإنجازه.
المعلن رسميا بعد اجتماع مجموعة أوبك+ أن الخفض تحدد بحوالي 9.7 ملايين برميل في اليوم، وحسب مصادر أخرى، فإن الاتفاق جرى لخفض 7.7 ملايين برميل بين يوليو/تموز وديسمبر/كانون الأول القادمين، على أن يصبح 5.8 ملايين برميل بين يناير/كانون الثاني 2021 وإبريل/نيسان 2022.
وهذه الأرقام عدا عن تباينها، مشكوك بفعاليتها حتى لو صمدت، لأنها جاءت دون الخفض المطلوب الذي كان يجب أن لا يقل عن 15 مليون برميل يومياً بالحد الأدنى، حسب التقديرات، فأزمة الفائض الراهن غير مسبوقة، لا بظروفها ولا بحجمها.
وفي الآونة الأخيرة، بلغت الزيادة في المعروض نحو 28 مليون برميل يوميا، وهي باقية لفترة بعد الاتفاق، ما يجعل الاتفاق محاولة شبه يائسة لتلافي انهيار الأسعار.
وتردد أن المكسيك ارتضت بحصتها على مضض، بعدما تعهد ترامب بزيادة 300 ألف برميل من حصة أميركا في الخفض للتعويض عن الخفض المكسيكي. وثمة اعتقاد بأن بوتين ربما يكون قد ارتضى "تسليف" ترامب الموافقة على التراجع عن حرب الأسعار مقابل وعود بتخفيف العقوبات الأميركية في الوقت المناسب.
وبوتين في كل الأحوال أكثرهم قدرة على تحمل تقليص الإنتاج في ضوء "وضع روسيا المالي الجيد، والتي تملك احتياطيا من النقد الأجنبي يصل إلى 550 مليار دولار".
هذا الاتفاق كشف، من جملة ما كشف، أنه ليس صحيحاً الزعم أن واشنطن لم تعد بحاجة إلى بقية المنتجين ونفطهم، باعتبار أنها صارت المنتج الأول في العالم، كما كان يردد الرئيس ترامب.
لم يضمن هذا التفوق الكمي لصاحبه الاحتفاظ بهذا الموقع، فهناك تقديرات بأن الإنتاج الأميركي من النفط الصخري قد يهبط بمقدار 2 مليون برميل يومياً مع أواخر العام الجاري، وأكثر من 3 ملايين في العام المقبل، بسبب هبوط الأسعار بالرغم من الاتفاق.
لم يعد هناك رابح عدا الصين والهند لملء مخزونيهما الاحتياطيين بأسعار رخيصة، لكنه ربح قصير المدى، فتواطؤ كورونا مع فائض النفط والركود الاقتصادي عمّم وعمّق الأزمة وفرض العمل الجماعي الدولي ولو بالحد الأدنى، على الأقل لتقليل الخسائر في المدى القريب.