يشتكي قاسم صمد من قلة مرتبه الشهري، الذي لا يكفيه ولا يسدّ احتياجاته، بل إنه ينضب حتى يختفي بعد عبور منتصف الشهر، فهو يعمل في العاصمة بغداد بصفة عامل خدمات بإحدى المؤسسات الإعلامية المحلية، الأمر الذي يقوده إلى الاقتراض من زملائه، أو يضطر إلى سحب نسبة من مرتبه للشهر المقبل.
ويقول إن "الأمل بترتيب أحوالي المادية أمر مستحيل، فما زلت لا أستطيع شراء ملابس جيدة. أشعر أنني لم أتجاوز نقطة الصفر، بل إنني تحت مستوى الصفر".
وتعد شريحة العمال في العراق الأكثر فقراً وتهميشاً منذ عشرات السنين، فهم لا يتقاضون الأجور التي يستحقونها بالمقارنة مع ما يقومون به في أعمال غالباً ما تكون قاسية وشاقة، ولا ضمان يحميهم إذا ما تعرّض أحد منهم إلى مرض أو خطر.
والطريف في العراق أن العالم حين يحتفل بعيد هذه الشريحة الباسلة يهدي عطلة يحتفل العمال فيها ويخرجون لتهنئة بعضهم، إلا العراق، فالعامل في هذا البلد يعمل بنفس التعب في يوم الاحتفال بعيده. في حين ينعم الموظفون في القطاع الحكومي بالعطل الرسمية التي تجاوزت 150 يوماً في السنة الواحدة، بمناسبة رسمية وغير رسمية، بحسب إحصاء برلماني.
ويشير العامل صمد إلى أنه "لا يعرف معظم حقوقه التي ينص عليها قانون العمل بسبب عدم إطلاعهِ عليه"، مبيناً لـ"العربي الجديد" أن مرتبه لا يجاوز 250 دولاراً في الشهر، في حين يُنفق أكثر من نصف المرتب على أجور المواصلات التي يركبها ذهاباً وإياباً بصورة يومية لستة أيام في الأسبوع.
ويبدو أن هذا الجهل، من قبل شريحة العمال بحقوقهم، قد وفر فرصة ثمينة لرؤساء وأرباب الشركات في القطاع الخاص لاستغلال الموظفين والاستغناء عنهم من دون أسباب قانونية ومن دون تعويضات.
في هذا السياق، يؤكد الباحث والأستاذ بالقانون علي التميمي، أن "قانون العمل الذي أقره البرلمان العراقي عام 2015، والذي اعتبرته نقابات العمال في العراق طفرة نوعية ومهمة، ما يزال بحاجة إلى لمسات حقيقية وعصرية، تجعله يواكب سوق العمل الحالي، لأنه يحتوي على مضامين لا تخدم العامل بالقدر الكافي".
وبيّن لـ"العربي الجديد" أن "القانون ركز على أهمية نظام الضمان المالي بعد نهاية الخدمة، وهو ما يُعرف بالتقاعد، إلا أنه أهمل بشكل كبير الالتفات إلى تطوير القطاع الخاص، وتحسين مرتبات العمال الحاليين غير المتقاعدين".
ويضيف أن "وضع العمال في العراق سيئ، ولا توجد معامل جيدة بالأصل، فشريحة العمال تعمل في مجالات متفرقة بأمور النظافة والخدمة وبمجال البناء وغير ذلك، لأن المعامل العراقية التي كانت رائدة في الثمانينيات من القرن الماضي هجرها أصحابها خوفاً من المليشيات والعصابة التي تعبث بأمن العاصمة بغداد والمدن الأخرى، فضلاً عن تردي الخدمات مثل الكهرباء والمواد الأولية لكثير من الصناعات".
من جانبه، يؤكّد النائب في البرلمان العراقي عن "التحالف الوطني" الحاكم في البلاد، حسن سالم، أن "المحاصصة الطائفية والحزبية والنظام السياسي الرديء والانشغال بالغنائم والمناصب واللعب بأموال ومقدرات الدولة العراقية جعلت غالبية المسؤولين في الحكومة لا ينتبهون إلى شريحة العمال المهمة، التي تعمل بمرتبات قليلة وساعات طويلة".
وأشار في حديث مع "العربي الجديد" إلى أن "البرلمان العراقي والحكومة لم يقدما أي شيء يخدم مصلحة العمال العراقيين، وهو أمر مؤسف".
يشار إلى أن الحزب الشيوعي العراقي ما يزال صاحب الدور الأول والواضح في المطالبة بإنصاف العمال، نظراً إلى اتساق أفكاره ومبادئه مع عوالم هذه الطبقة، لكن في حقيقة الأمر لا يتجاوز ما يتبناه هذا الحزب حد البيانات السنوية بمناسبة الاحتفال بعيد العمال، والشعارات المكتوبة بالخط الأحمر والهتافات.
بدوره، يؤكّد رئيس الاتحاد العام العراقي لنقابات العمال وليد نعمة وجود ستة ملايين عامل غير منضمين في نقابات، غير عارفين بحقوقهم وما يجب أن يُقدّم لهم من قبل أرباب العمل والحكومة.
ويقول لـ"العربي الجديد" إن "النقابات العمالية تعمل باستمرار ومن دون توقف على دعم المتظاهرين من العمال المطالبين بتحسين ظروفهم المعيشية وأجورهم في مناطق وسط وجنوب العراق".
ويضيف أن "ما نقوم به في النقابات مقارنة بالفوضى التي تحصل بالبلد، هو إنجاز كبير يخدم العمال"، لافتاً إلى أن "جهودنا استطاعت رفع معدل الأجر الشهر للعامل العراقي من 180 ألف دينار عراقي (130 دولاراً) إلى 300 ألف دينار عراقي (270 دولاراً)، ونسعى إلى رفعه أكثر من ذلك، إلى أن نجعل مرتبه يتساوى مع رفعه القطاع العام والحكومي".
يذكر أن وزارة العمل والشؤون الاجتماعية العراقية كانت قد أعلنت في مايو/ أيار من العام الماضي بلوغ أعداد العاملين الأجانب في العراق 200 ألف شخص، من جنسيات مختلفة، عربية وغير عربية، ما أدى إلى تضييق الخناق على العامل العراقي من ناحية الأجور والتعامل مع المهن، ومن المعروف أن العمال الأجانب في العراق يعملون بأسعار تنافسية بشرط توفر السكن من قبل رئيس العمل.