أبيات أحمد فؤاد نجم بصوت الشيخ إمام عن عودة "التلامذة يا عمّ حمزة للجدّ تاني" تحتاج إلى تدقيق، لأنّه من غير الممكن مقاربة الحياة الطالبية الجامعية المصرية وتحركاتها بمعزل عن الحركة السياسية في البلاد وجملة التغيّرات التي تشهدها أمّ الدنيا. يصحّ ذلك على البدايات التي ارتبطت بالنضال من أجل الاستقلال وقيام الملكية الدستورية والتخلص من الحكم الإنكليزي، مروراً بثورة 23 يونيو عام 1952 وحتى يومنا. بالتأكيد التاريخ لا يكرر نفسه، فالقوى تتغيّر ومعها الشعارات ومنظومات الأفكار، خصوصاً ونحن نقارب تغيّرات حاسمة حصلت في حياة المصريين منذ انطلاقة حراكهم في مواجهة حكم الرئيس حسني مبارك وإسقاطه، مروراً إلى حكم الرئيس محمد مرسي، وانتهاءً بالعهد الحالي للرئيس عبد الفتاح السيسي.
الحصيلة التي يمكن الخروج بها هي أنّ الحركة الطالبية المصرية تعاني الآن من مآزق متداخلة تجعل من حراكها مجرّد عمليات احتجاج عارضة تثير بعض الصخب، لكنّها لا تؤسس لتغيير حقيقي في المجتمع المصري نظراً إلى عزلتها عن سائر الفئات التي يمكن أن تضيف وزنها إلى وزن هذه الشريحة، بما تتضمّنه من عمّال وفلاحين وفئات وسطى وقطاعات مدنية وغير مدنية، ما يفتح أمامها آفاق التأثير الحاسم في حياة البلاد.
ويجب أن نتنبه إلى أنّ الصورة اختلفت بين ما هي عليه الجامعات المصرية اليوم وما كانت عليه بالأمس، فدخول القطاع الخاص بقوّة في مجال التعليم العالي ترك بصماته على الطلاب وميولهم وانتسابهم إلى منوّعات المجتمع المصري. وعليه، يختلف الحراك الذي تعيشه الجامعات الرسمية عن ذلك الذي تعرفه الجامعات الخاصة التي تتمثل فيها شرائح واسعة من الطبقات الوسطى ويحتلّ فيها التيار الإسلامي موقعاً وازناً، ما يقود إلى نوع من التناقض بين نخبوية طبقية وفكر ديني شعبوي يعاني من جرّاء وطأة المتغيّرات من دون توفّر ثقافة سياسية تدرك ملياً طابع التحوّلات التي يعيشها المجتمع المصري بالعلاقة مع ما يجري في العالم على صعيد العولمة والتجارب الطالبية. لا يغيِّر في مثل هذه الصورة استخدام وسائل التواصل الحديثة، إذ الموضوع أكثر تعقيداً من مجرّد الإفادة من هذه الأدوات.
مع ذلك، فإنّ شكل الحراك في الجامعات الخاصة بعد عام 2013 يؤشّر إلى محاولة اعتماد أشكال عمل تنظيمي أكثر تطوّراً، على سبيل المثال تكوين لجان خاصة بهم تختلف عن تلك التي تضمّها الجامعات الحكومية، والتركيز على البعد الحقوقي والإنساني لحراكهم والعمل على تشبيك نضالاتهم، وطلب الدعم من بعضهم البعض لمضاعفة أعدادهم في التظاهرات كي يزداد وزنهم في الشارع، وإنشائهم صفحة إعلامية واحدة توثق الفعاليات التي ينظمونها. هذا التنسيق قد يحدث بالتوازي مع حراك في الجامعات الحكومية التي تظلّ مركز الثقل الطالبي نظراً إلى الأعداد الكبرى التي تنتظم في صفوفها وتنوّع كلياتها وانتشارها في القاهرة والمدن الكبرى واتّساع القاعدة الاجتماعية لطلابها، خصوصاً إذا ما أدركنا أنّ نسبة كبرى ممّن يرتادون الجامعات الخاصة هم من الذين لم يحصلوا على معدلات عالية في الثانوية العامة تخوّلهم الانتساب إلى الأولى.
*باحث وأكاديمي