سجل الجمعة الأول من مارس/آذار 2019، تاريخاً جديداً في مسيرة الجزائر والمنطقة، فالمشهد في شوارع الجزائر التي غصت بعشرات آلاف المحتجين، لا سيما في العاصمة، الرافضين لترشح الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة لولاية خامسة، أعاد التذكير بالحشود الهائلة التي شهدتها احتجاجات الربيع العربي عام 2011، ليوجّه رسالة واضحة للسلطة بأن زمن الخوف من الإجراءات القمعية قد ولّى، وأن لا تراجع عن مطلب رفض ترشح بوتفليقة. هذا الخوف الذي خيّم على الشارع الجزائري لسنوات، انتقل هذه المرة إلى الضفة الأخرى، إلى أحزاب الموالاة الداعمة لترشح بوتفليقة، والتي دخلت في ما تبدو مرحلة انهيار داخلي بسبب موجة استقالات ونزيف في كوادرها، إثر خلافات على ترشح الرئيس من جديد.
وكان المشهد اليوم عبارة عن بركان شعبي، لم تشهده العاصمة والمدن الجزائرية منذ استقلال البلاد عام 1962، ليقلب الموازين والحسابات، عقب خروج عشرات آلاف الجزائريين للتظاهر في شوارع العاصمة التي خلت بيوتها من سكانها أو تكاد، كما مدن أخرى في شرق وغرب الجزائر، أبرزها وهران وسطيف وتيزي وزو والبويرة وقسنطينة، مع ترديد هتاف "الشعب يريد إسقاط النظام" وهو من هتافات الربيع العربي.
وعلى هامش التظاهرات، أصيب عشرة أشخاص على الأقل في العاصمة، في المواجهات بين شرطيين ومجموعات من الشبان.
وأصيب العديد من الجرحى في رؤوسهم جراء التصدي لهم بهراوات أو رشقهم بحجارة من جانب عناصر الشرطة. وعمدت الشرطة إلى إطلاق الغاز المسيل للدموع في شكل كثيف في محاولة لتفريق مجموعة من نحو مئتي متظاهر على بعد حوالى 1,5 كيلومتر من القصر الرئاسي.
وعبّرت الحشود عن إحباطها من اعتزام بوتفليقة خوض الانتخابات التي ستُجرى في إبريل/نيسان المقبل بغية البقاء في الحكم بعد أن أمضى 20 عاماً في السلطة. وقال المتظاهر خالد عمراني لوكالة "رويترز": "أوصلنا رسالة مفادها رفض استمرار بوتفليقة". فيما قال حمدان سالم وهو موظف في القطاع العام للوكالة "انظروا للشباب الجزائري... كل ما يطالبون به هو رئيس قادر على أداء مهامه ويمكنه أن يتحدث إلى الشعب". وقالت خديجة التي شاركت في الاحتجاجات مع زوجها وأطفالها "عشرون عاماً كافية".
وكانت قيادات حراك 22 فبراير في الجزائر تقدّر أن الشارع وحده لن يكون كافياً لحسم الموقف، وتوجّهت إلى قائد أركان الجيش، أحمد قايد صالح، لدعوته إلى سحب دعمه المباشر لمشروع ترشح الرئيس بوتفليقة لولاية رئاسية خامسة في انتخابات إبريل/نيسان المقبل. وفسر القيادي في الحراك، عبد الوكيل بلام، في تصريح لـ"العربي الجديد"، ضرورات دعوة قائد الجيش لتغيير موقفه "لكونه في الوقت الحالي الرجل القوي في الجيش الذي يمكن بموقفه إنقاذ الجزائر وإعادة الهدوء إلى الشارع"، مضيفاً أن "قائد الأركان أمام مسؤولية أخلاقية وتاريخية بشكل كبير وعليه أن يتحمّل ذلك".
وكان 100 من القيادات البارزة في "جبهة التحرير الوطني"، بينهم مصطفى معزوزي ورشيد عساس، قد دعوا الأربعاء إلى إعادة الشرعية للحزب وإلى المناضلين وعدم الاعتراف بالمنسق العام للحزب حالياً معاذ بوشارب، الذي عُيّن بطريقة غامضة بعد إقالة غامضة أيضاً للأمين العام السابق جمال ولد عباس. كذلك، أعلنت مجموعة من كوادر حزب "الحركة الشعبية" التي يقودها عمارة بن يونس، في منطقة تيزي وزو، عن استقالتها من الحزب بسبب تمسك قيادة الحزب بدعم بوتفليقة. وفي السياق، أعلن أحمين العمري، عضو المكتب الوطني لحزب "تجمع أمل الجزائر" الذي يقوده وزير النقل السابق عمار غول، استقالته من الحزب. وقال لـ"العربي الجديد" إن "قرار الحزب دعم ترشيح بوتفليقة هو جزء من الدوافع التي حثته على الاستقالة"، مشيراً إلى إجراء مشاورات مع مجموعة من الكوادر في الحزب "باتجاه الإعلان عن موقف تقدمي يصحح الأوضاع".
ويتوقع أن تتجه التطورات داخل الحزب الحاكم باتجاه المطالبة بعقد اجتماع عاجل للجنة المركزية لإعادة الشرعية لمؤسسات الحزب، بعد قرار مفاجئ من المنسق العام للحزب ورئيس البرلمان معاذ بوشارب بحل اللجنة والمكتب السياسي والانفراد بالقرار في الحزب، بدعم من محيط بوتفليقة. ومع انتهاء معركة الشارع لصالح الرافضين لترشح بوتفليقة، تبدأ معركة في الكواليس وسط ترقب لما ستؤول إليه الأوضاع وما سيقرره بوتفليقة، فيما بعض التسريبات تشير إلى إمكانية لافتة للعدول عن ترشحه.