قبل أشهر قليلة من انتهاء ولايته الثانية والأخيرة في البيت الأبيض، يواجه الرئيس الأميركي باراك أوباما، حملة انتقادات ضده من السعودية إلى بريطانيا. بدأ كل شيء، حين استبق زيارته إلى السعودية واجتماعه مع قادة دول مجلس التعاون الخليجي، هذا الأسبوع، بحديث أدلى به لمجلة "ذي أتلانتيك"، منتصف شهر مارس/ آذار الماضي، وقال فيه إن "السعودية تُغرّد خارج السرب في ما يتعلق بالسياسة الخارجية الأميركية". كما انتقد أوباما ما سماه "تمويل السعودية للتعصب الديني ورفضها التوصل إلى التعايش مع إيران"، واتهمها بـ"الاستفادة المجانية من العلاقات الجيدة مع الولايات المتحدة"، أو ما سمّاه بـ"الركوب المجاني".
ويمكن القول إن الجولة الخارجية، ربما الأخيرة، للرئيس الأميركي، لم تكن مُوفّقة أو هادئة في كلتا المحطتين، الخليجية والبريطانية. وقد بدت ملامح الامتعاض السعودي من سياسات أوباما، وربما حتى من شخصه، في بروتوكول الاستقبال الرسمي، إذ لم يستقبله العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز في المطار، بل اكتفى بإيفاد أمير منطقة الرياض، فيصل بن بندر بن عبدالعزيز، بينما كان الملك سلمان قد استقبل في المطار، وفي اليوم نفسه، قادة دول الخليج الذين توافدوا لحضور القمة الخليجية ـ الأميركية.
وفي هذا السياق، ذكرت شبكة "سي أن أن"، أن "عدم استقبال العاهل السعودي للرئيس الأميركي، في مطار الرياض، أثار موجة من الجدل على مواقع التواصل الاجتماعي، إذ اعتبر مغردون سعوديون أن الملك عامل أوباما بازدراء، في ظل برودة العلاقات بين الحليفين بسبب التوتر في المنطقة، خصوصاً موقف الولايات المتحدة من إيران". وفي ذلك "الازدراء" البروتوكولي إشارة سياسية لا يُمكن تجاهلها في علاقة البلدين. ويبدو أن "الأيام الخوالي" قد انتهت فعلاً، كما قال الأمير تركي الفيصل، وأن العلاقات الاستراتيجية بين واشنطن وحلفائها الخليجيين دخلت مرحلة جديدة، تتقابل فيها "عقيدة الرئيس أوباما المرتكزة على عدم التدخل في الشرق الأوسط"، باستراتيجية خليجية جديدة لا تؤيد واشنطن.
ولا يخفي الجانب السعودي تحفظاته على "سياسات الحليف الأميركي" التي عززت النفوذ الإيراني بالمنطقة بتوقيع الاتفاق النووي، والسماح غير المعلن لإيران بدعم الحوثيين في اليمن، وتضارب التصريحات حول موقف واشنطن من مصير نظام الرئيس السوري بشار الأسد.
وقد تجلى ذلك في التهديدات التي أطلقها وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، كما ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأسبوع الماضي، بأن بلاده ستقوم ببيع نحو 750 مليار دولار من سندات الخزانة الأميركية، بالتزامن مع بدء مناقشة الكونغرس الأميركي لمشروع قانون يُحمّل السعودية مسؤولية اعتداءات 11 سبتمبر/ أيلول 2001، وهو ما يتيح لعائلات ضحايا تلك الاعتداءات بأن تلاحق الحكومة السعودية أمام القضاء الأميركي لمطالبتها بتعويضات.
وهو ما حدا أوباما لإعلان امتعاضه من "نشاطات إيران ودعمها للإرهاب"، على حدّ قوله، عبر وكلائها، ووعد بالعمل مع دول الخليج لكبح جماح طهران، مؤكداً أنه "يتفهّم قلق دول الخليج من التدخلات الإيرانية في المنطقة"، وفي الوقت ذاته تعهّد باستخدام حق النقض حال إقرار الكونغرس لقانون مقاضاة الحكومة السعودية.
وأضاف جونسون أن "الرئيس نصف الكيني، يكنّ كراهية للامبراطورية البريطانية"، كما ندد رئيس حزب "الاستقلال" نايجل فاراج بـ"تدخل في غير محله من قبل الرئيس الأميركي الأكثر معاداة لبريطانيا في التاريخ". واعتبر أنه "من حسن الحظ أن أوباما سيغادر منصبه قريباً". كما وجّه أكثر من مائة نائب في مجلس العموم، من بينهم عدد كبير من المحافظين، رسالة إلى سفير الولايات المتحدة في لندن، ماثيو بارزن، للاحتجاج على "تدخل" الرئيس الأميركي.
الانتقادات التي رافقت زيارة الرئيس الأميركي إلى كل من السعودية وبريطانيا، تشير بوضوح إلى أن الإدارة الأميركية العتيدة ستجد نفسها أمام عالم "غير تقليدي" لم يعد يقبل بتقديم المصالح الأميركية على حساب المصالح الوطنية أو الإقليمية، وقد سمع الرئيس أوباما هذه النبرة ولمسها في الرياض ولندن، على حد سواء.