قبيل ساعات من انطلاق عملية التصويت في مختلف مناطق المملكة المتحدة، وجّه زعماء الأحزاب السياسية نداءً للناخبين بضرورة المشاركة والإدلاء بأصواتهم، بعدما عبّر مراقبون عن قلقهم من إقبال ضعيف لأنّ معظم الناخبين يعتبرون انتخابات السلطات المحلية "أقل أهمية" من الانتخابات العامة. ويرى مراقبون أن الانتخابات المحلية لهذه السنة تختلف تماماً عن أي من سابقاتها، إذ إنها تشكل اختباراً صعباً لشعبية حزب العمال، وزعيمه جيرمي كوربين، وما يمثله الأخير داخل الحزب، لا سيما بعد الحملة الدعائية القاسية التي اتهمت الحزب بتبني خطاب معادٍ للسامية.
ويرى هؤلاء المتابعون أن كوربين أمام اختبار هو الأهم منذ فوزه بزعامة حزب العمال في سبتمبر/ أيلول الماضي، وأنّ أي فشل قد يعني الإطاحة به من زعامة الحزب، لا سيما أن الكثيرين من خصومه المشكّكين في قدراته القيادية يتربصون للانقضاض عليه إذا ما خسر الحزب، كما يتوقع مراقبون ما بين 100 إلى 150 من المقاعد البلدية. وقد يزداد وضع كوربين صعوبة إذا ما تحققت التوقعات باكتساح الحزب القومي الإسكتلندي لانتخابات البرلمان المحلي، على حساب حزب العمال، طبقاً لاستطلاعات الرأي الأخيرة.
وإزاء هذا التحدي، يؤكد الزعيم العمالي وحلفاؤه داخل الحزب أنّ حزبهم تخطى حملة "معاداة السامية" التي شنها عليه خصومه السياسيون بالتزامن مع الانتخابات المحلية بهدف التأثير على مرشحي الحزب لا سيما في البلديات الهامة، خصوصاً في الانتخابات الخاصة بمنصب "عمدة لندن". ويتحدث كوربين بلهجة متفائلة أن حزبه لن يخسر أيا من المقاعد، بل على العكس سيضيف مقاعد جديدة في المجالس المحلية، متهماً وسائل الإعلام اليمينية بأنها "مهووسة" بقضية زعامته للحزب.
وتشكل لندن الساحة الأكثر سخونة في انتخابات اليوم، إذ ينافس النائب المسلم عن حزب العمال المعارض، صادق خان النائب اليهودي الثري عن حزب المحافظين الحاكم، المرشح زاك غولدسميث. واتسمت الحملة الانتخابية التي قادها غولدسميث بمشاركة رئيس الوزراء البريطاني شخصياً، ديفيد كاميرون، ووزير دفاعه مايكل فالون الذي وصف خان بـ"الراديكالي" و"الانقسامي"، بالتركيز على ديانة خان الإسلامية وخلفيته الاجتماعية، ما أثار غضب شريحة واسعة من اللندنيين المؤيدين للمرشح خان.
في المقابل، ركّز صادق خان في حملته الانتخابية على سيرة حياته، كابن أسرة متوسطة الحال، يعمل والده سائق حافلة، تمكّن بالعمل الجاد والإصرار من تقلد مناصب حكومية رفيعة المستوى، مع التعهد بعدم رفع أجور المواصلات العامة لمدة أربع سنوات، ومعالجة مشكلة انخفاض الرواتب لدى العديد من القطاعات، وتوفير برامج تدريبية جديدة لزيادة فرص العمل. كما يعطي المرشح خان أولوية لقضايا العدالة الاجتماعية، وإرساء قواعد لسياسة عادلة على الصعيدَين الداخلي والخارجي، بما في ذلك مناصرة القضية الفلسطينية، ومناهضة الإسلاموفوبيا وكافة أشكال التمييز.
وعلى الرغم مما تشير إليه استطلاعات الرأي من تقدّم خان، وانتقاده لتصريحات كل من النائبة ناز شاه، وعضو "العمال" عمدة لندن السابق، كين ليفينغستون، ودعمه تجميد عضويتهما في الحزب، وإدانته للعنصرية بكل أشكالها بما في ذلك "معاداة السامية"، ومحاولته النأي بنفسه عن أي موقف قد يربطه بالتشدد أو معاداة طائفة أو فصيل في المجتمع البريطاني، بل ومحاولته التقرب من الجالية اليهودية، لا يستبعد مراقبون تراجع فرص فوزه على غولدسميث. ويعتبر هؤلاء أنّ الجالية اليهودية المؤثرة في لندن، ومجتمع المال والأعمال النافذ في العاصمة السياسية والاقتصادية للمملكة المتحدة، ومعهما الصحافة اليمينية، حشدوا خلال الأسابيع الماضية ودفعوا بكل ثقلهم لخسارة خان، مقابل دعم تفوّق المرشح غولدسميث المنحدر من أسرة يهودية ثرية.
وتشير أحدث استطلاعات الرأي إلى تقدم المرشح العمالي البريطاني من أصول باكستانية، صادق خان على خصمه زاك غولدسميث بـ12 نقطة. ويكشف استطلاع أجرته مؤسسة "كوم ريس" لصالح إذاعة "أل بي سي" وتلفزيون "أي تي في"، أنّ 56 في المائة ممن شاركوا في الاستطلاع سيصوتون لصالح خان مقابل 44 لصالح غولدسميث. وهذا يعني تقدم المرشح العمالي على الرغم من الهجمات الإعلامية الشرسة التي استهدفته شخصياً، بتركيزها على هويته الإسلامية، وانحداره من عائلة فقيرة، كما استهدفت حزب العمال الذي ينتمي إليه.