من المنتظر أن يكتسح حزب الرئيس الفرنسي، ايمانويل ماكرون، "الجمهورية إلى الأمام"، نتائج الدورة الثانية للانتخابات التشريعية، الأحد المقبل، ويدخل البرلمان المقبل دخول المنتصر، متمتعًا بغالبية ساحقة من المتوقع أن تتجاوز بكثير سقف الغالبية المطلقة المحدد في 289 مقعدًا. وفي أفق هذا التحكم الكامل في الآلة التشريعية، يطرح المتابعون سؤالًا إشكاليًّا حول مستقبل المعارضة البرلمانية، وأي وجه ستظهر به، في ظل هذا المعطى الاستثنائي الذي يعتم على مبدأ التعددية السياسية البرلمانية.
وبحسب آخر التقديرات، فإن نواب حزب "الجمهورية إلى الأمام"، وحليفها الوسطي اليميني حزب "موديم"، سيحصلون على ما بين 400 إلى 455 مقعدًا، من مجموع 577 مقعدًا يتألف منها البرلمان، وهذا ما سيجعل منه الحزب السياسي الأكثر سيطرة في تاريخ البرلمان الفرنسي منذ عام 1958؛ تاريخ بدء العمل بنظام الجمهورية الخامسة.
وفي مواجهة هذه الغالبية الرئاسية، سيكون من الصعب جدًّا، بل من المستحيل، بروز معارضة قوية تتوفر على هامش لمنع إقرار أي من مشاريع القوانين التي سيقترحها المكتب الرئاسي، من خلال التصويت ضده.
وتتعزز هذه الفرضية بالنظر إلى التباينات والاختلافات الجذرية بين مكونات المعارضة المقبلة. والواقع أنه من الأصح الحديث عن معارضات؛ وليس معارضة واحدة، وهذا ما سيزيد من سهولة المهمة التشريعية للغالبية الرئاسية، وسيجعل من ماكرون رئيسًا يحكم بلا معارضة حقيقية، ما جعل بعض الشخصيات من اليمين والحزب الاشتراكي تحذر علنًا من مخاطر الانزلاق إلى نظام الحزب الواحد في فرنسا، خلال السنوات الخمس القادمة من عمر الولاية الرئاسية.
والواقع أن اليمين المحافظ، ممثلًا بتحالف حزبي "الجمهوريون" و"اتحاد الديمقراطيين والمستقلين"، هو المؤهل الوحيد للعب دور معارضة منظمة، على اعتبار أن التقديرات ترجّح فوزه بما بين 50 و110 مقعدًا في البرلمان المقبل من مجموع 577. وكيفما كان عدد المقاعد التي سيتمكن اليمين من انتزاعها بشق الأنفس؛ فلن يتمتع أبدًا بالثقل الذي كان يشكله في البرلمان السابق، حين كان يشكّل معارضة تزن 226 مقعدًا.
وما يزيد من ضعف كتلة اليمين البرلماني المقبلة، هو الخلاف المحتدم بين نوابها بخصوص طريقة التعامل مع الرئيس ماكرون؛ فهناك تيار يدعو إلى التعامل بإيجابية مع الرئيس، والمشاريع الإصلاحية التي ستطرحها حكومة رئيس الوزراء اليميني، إدوار فيليب، رئيس بلدية لوهافر، القادم من صفوف حزب "الجمهوريون". ويقود هذا التيار النائب تيري سولير. وهناك تيار آخر يدعو إلى معارضة شرسة للرئيس وحكومته، ويتزعمه النائب ايريك سيوتي. ومن غير المستبعد أن يدفع هذا الخلاف بنواب التيار الأول، المساند لماكرون، إلى تشكيل فريق نيابي مستقل؛ ما سيزيد من إضعاف اليمين ونسف مشروع بروزه كمعارضة موحدة ومنسجمة.
أما الاشتراكي، الذي كان يتوفر على الغالبية في البرلمان السابق، ويتوفر على نصف مقاعده، فسيتحول إلى أسد بدون مخالب، وهو الذي لا تمنحه التوقعات سوى ما بين 15 إلى 40 مقعدًا. وحتى إن تمكن من تشكيل فريق نيابي، وهذا ما يفترض حصوله على 15 مقعدًا على الأقل؛ فإن ما تبقى من النواب الاشتراكيين سيتعاملون بإيجابية مع الرئيس وحكومته، التي يتولى فيها عدة اشتراكيين حقائب وزارية. وهذا ما عبّر عنه العديد من المرشحين الاشتراكيين المؤهلين للدورة الثانية، الذين أعلنوا، سلفًا، أنهم يرغبون في العمل بإيجابية مع الغالبية الرئاسية.
وفي مواجهة الغالبية الرئاسية، وشبحي اليمين المحافظ والكتلة الاشتراكية، سيتوفر هامش ضيق لمعارضتين متطرفتين من اليسار واليمين، يتزعمهما جان لوك ميلانشون ومارين لوبان. ورغم أنهما لن يكون بإمكانهما التأثير على النشاط البرلماني خلال جلسات التصويت على القوانين؛ لكنهما سيتوفران، على الأقل، على منبر مهم للتعبير وممارسة حق السخط والاستنكار.
ويتعلق الأمر كذلك، بحزب "فرنسا غير الخاضعة"، الذي تمكن زعيمه ميلانشون من تحقيق حلمه بهزم "الاشتراكي"، وصار حزبهُ القوةَ اليسارية الأولى في البلاد، بعد اندحار الاشتراكي. ومن المتوقع أن يلبس ثوب الزعيم اليساري الوحيد في البرلمان المقبل، نظرًا لتوفره على حظوظ كبيرة بالفوز، الأحد المقبل، في الدورة الثانية في دائرة مارسيليا. وأكد ميلانشون، مؤخرًا، أنه يريد لعب دور "معارضة شرسة" ضد "الماكرونية وأتباعها". ولتحقيق هذا الهدف، عليه أن يتوفر على 15 مقعدًا؛ وهو شرط صار مرجح المنال، بحسب التقديرات الأخيرة التي تتوقع فوز "فرنسا غير الخاضعة" بما بين 10 إلى 23 مقعدًا مع احتساب نواب الحزب الشيوعي.
وفي صف المعارضة الأمامي، سيجد حزب ميلانشون نفسه إلى جانب منافس لا يقل شراسة؛ وهو حزب "الجبهة الوطنية" اليميني المتطرف وزعيمته لوبان، التي تتوفر على حظوظ كبيرة هي الأخرى بالفوز الأحد المقبل في دائرة هينان بومون. غير أن حزب لوبان لن يكون بمقدوره، حسب التوقعات، أن يحصل على أكثر من أربعة مقاعد، لن تمكنه من تحقيق حلم تشكيل فريق نيابي، وهو السقف الأدنى الذي كان قد رسمه الحزب بعد تصدره نتائج الدورة الأولى من الرئاسيات.