إيران تجمِّد مسار التقارب التركي السوري

20 يناير 2023
+ الخط -

اقتحمت طهران، قسراً، مسار التقارب التركي السوري، الذي ترعاه موسكو، بهدف تعطيله، وإرسال رسائل إلى الروس والأتراك بأنه لا يمكن تجاهل حجم وجودها العسكري في سورية، وثقل تغلغلها في دوائر صناعة القرار في دمشق. واستجاب النظام السوري لهذا التعطيل، بعد أن كان يلازم الصمت تجاه مطلب أنقرة إعادة العلاقات، وبعد أن وافق الروسَ مجبراً على حضور اجتماع موسكو لوزيري الدفاع التركي والسوري وبرعاية روسية. فقد وضع رئيس النظام، بشار الأسد، شرطين تعجيزيين لأنقرة، إنهاء الاحتلال التركي ووقف دعم الإرهابيين، وكرّرهما وزير خارجيته، فيصل المقداد، في مؤتمر صحافي عُقِد خلال زيارة نظيره الإيراني، أمير عبد اللهيان، دمشق، السبت الفائت، التي ستليها زيارة للرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، وسبقتها زيارة "هيئة الصداقة السورية الإيرانية"، التي اتفقت على عودة توريد النفط والغاز وتوقيع اتفاقاتٍ مع وزارة الاتصالات السورية على افتتاح شركة هواتف نقالة وتجميع هذه الهواتف وتوريدها، ومع المصرف الزراعي ووزارة الأشغال والإسكان ووزارة الاقتصاد لتوريد ما تحتاجه سورية من سلع. تأتي تلك العقود ضمن توافق على تجديد "وثيقة التعاون الاستراتيجي" طويل الأمد بين البلدين، وإعادة توريد مشتقّات الطاقة وفق الخط الائتماني أو خارجه؛ بعد قطيعة لأشهر بسبب غضب طهران من دمشق، لأسبابٍ منها التقارب مع أنقرة ومع الإمارات. ولتأنيب دمشق بعد حادثة تفجير سيارة ضابط إيراني بالقرب من دمشق، التي تتهم فيها إيران إسرائيل بتدبير الحادثة.

كان التطبيع الذي روّجه الأتراك في الأسابيع الماضية مقترحاً روسياً، واعتقدت موسكو أنه سيكون نتيجة طبيعية للمسارات التي اختارتها بديلاً من مسار جنيف، أي مسار أستانا في 2017، وتفاهمات سوتشي في 2018، ومسار اللجنة الدستورية، وكلها حصلت بموافقة أميركية وأممية، فيما قبلت المعارضة السورية المدعومة من أنقرة، السياسية منها والعسكرية، بتلك المسارات، وما نجم عنها من تفاهمات، وسلّمت مناطق واسعة للنظام، على مراحل، مقابل سيطرة الفصائل العسكرية بدعم تركي على أجزاء من الشريط الحدودي مع تركيا. لكن روسيا تجاهلت أن إيران كانت مشاركة في تلك المسارات، وراضية عنها، ومليشياتها قاتلت إلى جانب جيش النظام في معظم معاركه، ودفعت أموالاً بسخاء، على عكس الروس، من أجل توسيع نفوذها في سورية، ونجحت في ربط مصير النظام باستمرار وجودها في سورية، وهي من تقدِّم لاقتصاده جرعات الإنعاش في اللحظات الحرجة، وقد حصلت على عقود واستثمارات طويلة الأمد. وبالتالي، هي الأكثر قرباً ودعماً لدوائر القرار في دمشق من روسيا، في وقتٍ تخوض الأخيرة حرباً ضروساً في أوكرانيا، وتتلقى الضربات الأوكرانية بسلاح حلف الناتو، ما اضطرّها إلى سحب بعض مليشياتها، مثل فاغنر، وتخفيض حجم وجودها العسكري في سورية.

كان التطبيع مع النظام السوري الذي روّجه الأتراك في الأسابيع الماضية مقترحاً روسياً

كانت التصريحات التركية في الأسابيع الأخيرة تروج بكثافة خطوات عملية للقاء الرئيسين، أردوغان والأسد، تلك المصافحة الثمينة لأردوغان سترفع رصيد حزب العدالة والتنمية التركي في الانتخابات المصيرية منتصف الصيف المقبل، لأنها ستعني تراجعاً تركياً عن سياسة دعم المعارضة السورية، وتترافق مع وعود بإعادة جزء من اللاجئين السوريين إلى سورية بالاتفاق مع نظام الأسد. وبوتين أيضاً مهتم ببقاء أردوغان وحزبه في السلطة، ويخشى من ذهاب تركيا، من بعده (أردوغان)، إلى أحضان الغرب و"الناتو" أكثر، وخسارة الدور الذي تقدّمه إلى روسيا للتغلب على العقوبات الاقتصادية، خصوصاً ما يتعلق بالخدمات المصرفية، وتمرير النفط والغاز الروسيين والمنتجات الزراعية، والدور الذي تلعبه بصفتها وسيطاً في المفاوضات بين روسيا من جهة وأوكرانيا والغرب من جهة أخرى. ولذلك، تريد موسكو إنجاز لقاء الرئيسين خدمة لأردوغان، وتريد نقاش إمكانية العودة إلى اتفاق أنقرة معدَّلاً، يسمح لتركيا بالتوغل 30 كم في الأراضي السورية. لا يريد النظام السوري تقديم خدمة "المصافحة" مجاناً لأردوغان، ولا يرغب في إعادة اللاجئين إلى مناطق سيطرته، خصوصاً أنه يعاني من أزمة اقتصادية خانقة. لذلك، وافق الروسَ على حضور الاجتماع العسكري في موسكو، وتشكيل لجنة ميدانية من العسكريين من الطرفين، التركي والسوري، لمتابعة مسار التطبيع، لكنه، في اللحظة الحرجة، أقحم الإيرانيين في هذا المسار، ليعينوه على وضع العراقيل في وجه عمل هذه اللجنة.

عرّج الوزير الإيراني عبد اللهيان على أنقرة، والتقى نظيره التركي، جاووش أوغلو، قبل سفر الأخير إلى واشنطن، ليوضح للأتراك ضرورة التوافق مع إيران بشأن أي اتفاقٍ ممكن مع نظام الأسد؛ في وقتٍ يريد أوغلو إصلاح العلاقات المتوترة مع البيت الأبيض، كإجراء ضروري ضمن الأجندة الانتخابية لأردوغان. وأعلنت واشنطن رفضها التطبيع التركي مع نظام الأسد، ولكنها لن تعرقل حصول المصافحة التركية مع الأسد، إن جرى التوصل إليها، بما أنها لن تؤدّي إلى دعم ملموس للنظام السوري، يخترق قانون قيصر وقانون محاربة المخدّرات (الكبتاغون) في سورية. تعمل الولايات المتحدة على جذب تركيا أكثر إلى معسكرها الغربي في معركته في أوكرانيا ضد روسيا، وقد يوافق الكونغرس على بيعها طائرات إف - 16، وتحاول ترتيب الوضع شرق الفرات، بما يطمئن أنقرة، بزيادة وزن المكوّن العربي ضمن قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، على حساب الأكراد، وهو ما تفعله في الرقة؛ وتعزّز، في الوقت نفسه، وجودها العسكري في المنطقة، سواء بزيادة الدعم العسكري لـ"قسد"، أو ببناء قواعد جديدة لها، في الحسكة أخيراً، لشلّ قدرات قوات النظام السوري في المربع الأمني هناك، وذلك استعداداً لمواجهة أي عمل عسكري تركي محتمل، حيث عادت أنقرة إلى التهديد به، بعد فشل التقارب مع دمشق.