الطريق إلى الرئاسة التركية
لا يمكن فصل الإعلان التركي عن عملية عسكرية مرتقبة في الشمال السوري لإنشاء ما تسمّى "منطقة آمنة" عن المعركة الرئاسية التي يخوضها الرئيس رجب طيب أردوغان ضد المعارضة قبل موعد التصويت في 2023. فالرئيس التركي لا يعيش حالياً أفضل أيامه مع تصاعد الأصوات المعارضة في الداخل في ظل التدهور الاقتصادي المتسارع وانهيار سعر صرف الليرة التركية، وما يرافق ذلك من حملات عنصرية تستهدف اللاجئين السوريين تحديداً، وتحمّلهم مسؤولية البطالة التي يعاني منها جزء كبير من المواطنين الأتراك. ومع أن هذه الحملات ليست جديدة، إلا أنها أخذت في الآونة الأخيرة طابعاً عنفياً تجلى في اعتداءات استهدفت عدداً من تجمعات اللاجئين السوريين أو مصالح سورية في غير مدينة تركية. والجديد اليوم هو الانضمام الضمني لحزب العدالة والتنمية الحاكم إلى هذه الحملات، عبر الترويج لعمليات "عودة طوعية" لأكثر من مليون لاجئ إلى الداخل السوري. هذا إضافة إلى عمليات الترحيل اليومية لعشرات السوريين التي تجري من دون حملات إعلامية. فخلال الأشهر القليلة الماضية رُصد ترحيل أكثر من ألفي سوري إلى ما تُسمى "المناطق المحررة" في الداخل، وذلك بذريعة ارتكاب انتهاكات في الداخل التركي.
ويبدو أن أردوغان في الحملة الانتخابية الحالية يسعى إلى ملاقاة هذا التصاعد في العداء للسوريين عند منتصف الطريق عبر مشروع "العودة الطوعية"، والتي لا تزال غامضة، خصوصاً أن مئات السوريين المشمولين ضمناً بهذه الخطة غير راغبين في العودة ولا يرون إنهم سيكونون في مأمن في الداخل السوري، وهو ما تم التعبير عنه في مقابلات كثيرين مع سوريين أفصحوا عن رغبتهم في البقاء في تركيا أو التوجه إلى أوروبا بدل الداخل السوري إذا كان لا بد من المغادرة. أردوغان عمل بداية على الترويج لـ"العودة الطوعية" عبر مشاريع المدن في الشمال السوري، والتي تستهدف بالأساس استيعاب ما بين مليون ومليون ونصف المليون لاجئ من تركيا، من أصل نحو 3.7 ملايين لاجئ، بحسب الإحصاء الرسمي، يعيشون في المدن التركية المختلفة. إلا أن هذه المدن ليست جاهزة بعد، ويشكو السوريون الموجودون في الداخل من سوء عمليات البناء وعدم متانة المباني، وبالتالي أهليتها للعيش.
يترافق مشروع "العودة الطوعية" اليوم مع العملية العسكرية المتوقعة لتشكيل "المنطقة الآمنة"، والتي من المفترض أن تستوعب اللاجئين العائدين. ومع أن العملية الجديدة مرتبطة بالأمن القومي التركي، لجهة إبعاد القوات الكردية 30 كيلومتراً عن مناطق السيطرة التركية، إلا أنه من غير المرجح أن تحقق الأمان المشتق من اسمها للاجئين، وخصوصاً أن القوى الغربية، وتحديداً الولايات المتحدة الراعية لقوات سورية الديمقراطية (قسد)، لم تعط الضوء الأخضر للقوات التركية للدخول في العملية. ومن ثَمّ فإنّ هذه المناطق ستبقى هدفاً للقوات الكردية لمحاولة استعادة السيطرة على الأراضي التي من المفترض أن العملية التركية ستبعدهم عنها. ومن غير المستبعد أيضاً أن تؤدي العملية التركية الجديدة إلى موجات نزوح داخلي إضافية إلى المناطق التي تُخصص اليوم لاستيعاب "العائدين الطوعيين" إلى الداخل السوري.
لكن هذه الافتراضات كلها، ووضوح الرفض السوري لـ"العودة الطوعية"، لن تثني أردوغان عن المضي قدماً في مشروعه، خصوصاً أنه بات يرى فيه واحداً من الفرص الأساسية للفوز في المعركة الانتخابية التي أصبحت تدور بشكل كبير حول الوجود السوري في تركيا، وهو ما لا يمكن لأردوغان التغاضي عنه. الرئيس التركي يرى اليوم في مشروع إعادة اللاجئين أحد الطرق للمضي في مرحلته الرئاسية إلى خواتيمها السعيدة، خصوصاً أن هذه الولاية الرئاسية ستكون الأخيرة له.