09 نوفمبر 2024
القدس والزمن العربي الرديء
بشير البكر
بشير البكر كاتب وشاعر سوري من أسرة "العربي الجديد" ورئيس تحرير سابق
أدمن الرئيس الفلسطيني الراحل، ياسر عرفات، ترديد مقولة "الزمن العربي الرديء" بعد خروج منظمة التحرير الفلسطينية من بيروت عام 1982، وتشتت قوتها العسكرية والسياسية في عدة بلدان عربية، بعيدة عن حدود فلسطين. وكان الغرض من بعثرة الشتات الفلسطيني وقف الاشتباك مع العدو الإسرائيلي الذي وفره لبنان للفلسطينيين بكل رحابة صدر، شعبيا ورسميا.
كان عرفات يتحدث عن زمنٍ آخر، ارتفع سقف الرداءة فيه إلى حدّه الأقصى، عندما اضطر إلى قبول اتفاق أوسلو الهزيل عام 1993، وهو يعرف أنه مجحفٌ جدا، ولن يفضي إلى قيام دولة فلسطينية مستقلة، وكان يؤمن بأن الاتفاق غير العادل الذي لا يليق بأن يكون محصلةً لمسيرة التضحيات والصمود التي مشاها شعب فلسطين، ليس أكثر من محطةٍ مؤقتةٍ على طريق النضال الفلسطيني، ولابد أن يأتي زمنٌ أفضل تنقلب فيه المعادلة.
راهن عرفات على حتمية حصول تغييراتٍ في الوضعين العربي والدولي لصالح الحقوق الفلسطينية المشروعة التي أقرّتها الأمم المتحدة منذ قرار تقسيم فلسطين. ولذلك رفض أن يوقع في يوليو/ تموز عام 2000 في كامب ديفيد، بحضور الرئيس الأميركي، بيل كلينتون، ورئيس الوزراء الإسرائيلي، إيهود باراك، على صيغة الحل النهائي الذي ينهي الصراع الفلسطيني الاسرائيلي.
لم يكن عرفات يعتقد أن قعر الرداءة سيكون عميقا إلى الحد الذي وصلنا إليه اليوم، حيث صارت الوطنية والنضال من أجل الحقوق ومقاومة الاحتلال وقضية فلسطين برمتها بضاعةً عتيقة، لا مكان لها في السوق الجديد الذي يعدنا به بعض العرب ممن هم حديثو العهد بالسياسة وبالحكم، ويتعاملون مع مستقبل الشعوب بميزان الصفقات.
من نكد الدنيا أنه صار للتفاهة والانبطاحية والسطحية روادٌ يعتلون منابر إعلامية، تعمل مدار الساعة من أجل تنظيف صورة العدو، والحطّ من قيمة كل ما هو حق، ومبعث اعتزاز نضالي وتاريخ كفاحي، وما يمت ويتصل بتاريخ الشعب الفلسطيني الذي قدّم كثيرا من أجل الدفاع عن هويته الوطنية وثقافته وتاريخه وأرضه ومقدساته.
صار أمرا عاديا أن يظهر جنرالاتٌ من السعودية والإمارات في وسائل الإعلام الإسرائيلية كي يروجوا السلام مع إسرائيل، وهم لم يسبق لهم أن خاضوا حربا في تاريخهم، ويلهجون بالدعاء لنشر ثقافة التسامح مع الصهاينة، في حين يعزّ عيهم أن يحطموا حاجزا صغيرا مع مواطنين من بلدهم يختلفون عنهم في الطائفة والقبيلة.
أن يصبح التطبيع مع إسرائيل في صلب مهمات الفريق الذي يروج ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، وولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، فذلك أمر لم يكن يظن أحدٌ أنه سوف يقع أبدا. وعلى الرغم من أن شخصيات سعودية وإماراتية فتحت خطوطا في السابق مع شخصياتٍ وأوساط صهيونية، فإن ما يحصل اليوم نوعٌ من الانبطاحية المشينة التي تصل إلى حد التباهي بالعلاقة مع العدو الذي يحتل أرضا عربية في فلسطين وسورية ولبنان. وفي هذه الحالة، من العار تقديم تنازلات من طرف من لا يملك لمن لا يستحق.
فوق هذا، تطفو على السطح نغمة غريبة، هي أن هؤلاء تعبوا من العداء العبثي لإسرائيل، وجاء وقتٌ اهتدوا فيه إلى الطريق الصحيح، وهو طريق التسامح والسلام. قبل هؤلاء، سار آخرون على هذا الطريق. قبل "كامب ديفيد" وبعده، لكنهم لم يغيروا في المجرى العام، وظل ما ينفع الناس يمكث في الأرض، بينما ذهب الزبد جفاء.
ليست فلسطين قطعة أرض معروضة للبيع في مزاد صفقة القرن، بل هي تاريخ وحلم ومقدساتٌ، وهوية أرفع من خزعبلات المرابين الجدد.
كان عرفات يتحدث عن زمنٍ آخر، ارتفع سقف الرداءة فيه إلى حدّه الأقصى، عندما اضطر إلى قبول اتفاق أوسلو الهزيل عام 1993، وهو يعرف أنه مجحفٌ جدا، ولن يفضي إلى قيام دولة فلسطينية مستقلة، وكان يؤمن بأن الاتفاق غير العادل الذي لا يليق بأن يكون محصلةً لمسيرة التضحيات والصمود التي مشاها شعب فلسطين، ليس أكثر من محطةٍ مؤقتةٍ على طريق النضال الفلسطيني، ولابد أن يأتي زمنٌ أفضل تنقلب فيه المعادلة.
راهن عرفات على حتمية حصول تغييراتٍ في الوضعين العربي والدولي لصالح الحقوق الفلسطينية المشروعة التي أقرّتها الأمم المتحدة منذ قرار تقسيم فلسطين. ولذلك رفض أن يوقع في يوليو/ تموز عام 2000 في كامب ديفيد، بحضور الرئيس الأميركي، بيل كلينتون، ورئيس الوزراء الإسرائيلي، إيهود باراك، على صيغة الحل النهائي الذي ينهي الصراع الفلسطيني الاسرائيلي.
لم يكن عرفات يعتقد أن قعر الرداءة سيكون عميقا إلى الحد الذي وصلنا إليه اليوم، حيث صارت الوطنية والنضال من أجل الحقوق ومقاومة الاحتلال وقضية فلسطين برمتها بضاعةً عتيقة، لا مكان لها في السوق الجديد الذي يعدنا به بعض العرب ممن هم حديثو العهد بالسياسة وبالحكم، ويتعاملون مع مستقبل الشعوب بميزان الصفقات.
من نكد الدنيا أنه صار للتفاهة والانبطاحية والسطحية روادٌ يعتلون منابر إعلامية، تعمل مدار الساعة من أجل تنظيف صورة العدو، والحطّ من قيمة كل ما هو حق، ومبعث اعتزاز نضالي وتاريخ كفاحي، وما يمت ويتصل بتاريخ الشعب الفلسطيني الذي قدّم كثيرا من أجل الدفاع عن هويته الوطنية وثقافته وتاريخه وأرضه ومقدساته.
صار أمرا عاديا أن يظهر جنرالاتٌ من السعودية والإمارات في وسائل الإعلام الإسرائيلية كي يروجوا السلام مع إسرائيل، وهم لم يسبق لهم أن خاضوا حربا في تاريخهم، ويلهجون بالدعاء لنشر ثقافة التسامح مع الصهاينة، في حين يعزّ عيهم أن يحطموا حاجزا صغيرا مع مواطنين من بلدهم يختلفون عنهم في الطائفة والقبيلة.
أن يصبح التطبيع مع إسرائيل في صلب مهمات الفريق الذي يروج ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، وولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، فذلك أمر لم يكن يظن أحدٌ أنه سوف يقع أبدا. وعلى الرغم من أن شخصيات سعودية وإماراتية فتحت خطوطا في السابق مع شخصياتٍ وأوساط صهيونية، فإن ما يحصل اليوم نوعٌ من الانبطاحية المشينة التي تصل إلى حد التباهي بالعلاقة مع العدو الذي يحتل أرضا عربية في فلسطين وسورية ولبنان. وفي هذه الحالة، من العار تقديم تنازلات من طرف من لا يملك لمن لا يستحق.
فوق هذا، تطفو على السطح نغمة غريبة، هي أن هؤلاء تعبوا من العداء العبثي لإسرائيل، وجاء وقتٌ اهتدوا فيه إلى الطريق الصحيح، وهو طريق التسامح والسلام. قبل هؤلاء، سار آخرون على هذا الطريق. قبل "كامب ديفيد" وبعده، لكنهم لم يغيروا في المجرى العام، وظل ما ينفع الناس يمكث في الأرض، بينما ذهب الزبد جفاء.
ليست فلسطين قطعة أرض معروضة للبيع في مزاد صفقة القرن، بل هي تاريخ وحلم ومقدساتٌ، وهوية أرفع من خزعبلات المرابين الجدد.
بشير البكر
بشير البكر كاتب وشاعر سوري من أسرة "العربي الجديد" ورئيس تحرير سابق
بشير البكر
مقالات أخرى
02 نوفمبر 2024
26 أكتوبر 2024
19 أكتوبر 2024