بانتظار الردّ وترقّب تداعياته
تسود حالة من الترقب في الشرق الأوسط بانتظار تنفيذ تهديد إيران وحزب الله بالرد على اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية، في طهران، والقيادي في حزب الله، فؤاد شكر، في قصف الضاحية الجنوبية لبيروت. كثير من التكهنات تدور حالياً حول طبيعة هذا الرد وما إذا كان سيؤدي إلى توسع الحرب في المنطقة، سواء نحو لبنان أو بشكل مباشر مع إيران. وكثير من التحليلات أيضاً تتحدث عن إمكان احتواء تداعيات الضربات المرتقبة عبر مسارات دبلوماسية ومقترحات سياسية، خصوصاً في ظل القناعة أن معظم الأطراف، طبعاً باستثناء رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، غير راغبين في حرب شاملة لا يمكن التنبؤ إلى أين ستؤدي.
غير أنه لا يمكن الركون إلى أي من التحليلات والتوقعات قبل حصول الرد وتقدير طبيعته وكيفية تعامل دولة الاحتلال معه. لا مجال للشك هذه المرّة أن الضربات المتوقعة من إيران وحزب الله لن تكون شكلية، بحسب ما أكد الأمين العام للحزب، حسن نصرالله، في خطابه الأخير، والذي يؤشر بشكل غير مباشر إلى أن سرب الصواريخ والمسيرات الذي أطلقته إيران في ردها على قصف قنصليتها في دمشق كان منسقاً ومقصوداً أن يكون بالشكل الذي ظهر فيه. هذا الأمر لن يتكرر في الرد الحالي، وبالتالي فالمتوقع إصابة أهداف إسرائيلية بشكل مباشر، سواء من إيران وحزب الله.
ولا شك أن طبيعة هذه الأهداف الإسرائيلية ومكانها سيكونان عاملين حاسمين في تحديد كيفية رد الاحتلال ومكانه. الحديث اليوم عن ثلاثة سيناريوهات أساسية للضربة المرتقبة، ولكل منها مسار مختلف في تحديد التعاطي الإسرائيلي معه. السيناريو الأول قائم على استهداف قواعد عسكرية في عمق دولة الاحتلال، وأن هذا الرد عملياً لا يتخطى قواعد الاشتباك المعمول بها منذ بداية العدوان على قطاع غزة، إلا أن حصيلته ستكون أساسية في تحديد طريقة التعامل معه، خصوصاً إذا أدى مثل هذا الاستهداف إلى سقوط عدد كبير من العسكريين الإسرائيليين. السيناريو الثاني هو تنفيذ عملية ضد أهداف إسرائيلية في الخارج، وهو ما سبق أن حصل في أكثر من مناسبة ولم يؤد إلى تصعيد كبير في ذلك الحين. لكن طبيعة رد الفعل الإسرائيلي ستتوقف، أيضاً، على رمزية المكان المستهدف والنتائج التي ستتأتى عن الضربة. السيناريو الثالث يتمحور حول استهداف منشآت حيوية في داخل إسرائيل، على غرار شركات الغاز والماء والكهرباء أو المرافئ، خصوصاً أن حزب الله سبق أن نشر فيديوهات لهذه المواقع التقطتها طائرات مسيّرة أرسلها إلى الداخل الإسرائيلي. ويبدو أن دولة الاحتلال تقدم هذا السيناريو على غيره، وبالفعل طلبت من الإسرائيليين الاستعداد لمواجهة العتمة أو نقص المياه. عمق هذا الاستهداف جغرافياً سيؤدي دوراً أساسياً في تحديد التعامل الإسرائيلي، فالضرب في حيفا أو تل أبيب سيكون له رد مختلف عن القصف في نتانيا أو عكا أو أي من المنشآت في الشمال.
مقابل هذه الفرضيات، تأتي تحليلات المبادرات السياسية، والتي لا يتوقّع أحد لها النجاح، لا سيّما أن دبلوماسيين غربيين كثيرين أبدوا تشاؤماً تجاه إمكان تجنب رد إيران وحزب الله، اللذين يبدوان مصرين على معاقبة إسرائيل لضربها طهران والضاحية الجنوبية لبيروت. إضافة إلى ذلك، فحتى لو أن إيران تراجعت عن تنفيذ تهديداتها مقابل تسوية ما، فإن تجارب الأشهر السابقة أظهرت العجز الغربي عموماً، والأميركي خصوصاً، في الضغط على نتنياهو لوقف العدوان على قطاع غزة أو القبول حتى بتهدئة طويلة المدى، والأمر سيكون أكثر تعقيداً في دفعه لقبول تسوية تشمل إيران وحزب الله.
من الواضح أن حبس الأنفاس سيستمر لأيام، أو ربما ساعات، قبل أن ترسو المنطقة على الواقع الجديد الذي سينجم عن الردود المرتقبة، والتداعيات التي ستؤدي إليها.