بين 2006 و2021
مع انتهاء العدوان على لبنان في عام 2006، كانت معادلات كثيرة واضحة للعيان، سواء بالنسبة إلى قدرة المقاومة حينها على الصمود في وجه الغزو الإسرائيلي، والذي أخذ طابعاً برّياً في بعض الأحيان، أو الالتفاف العربي حول فكرة مواجهة إسرائيل، وهي الفكرة الجامعة التي تجعل الشعوب العربية تضع كل خلافاتها جانباً. لكن الأهم، والذي اتّضح بعد هذا العدوان أن التفاهم أو الاتفاق الذي حصل بعده جعل احتمال تكراره مستبعداً جداً، وهو ما أظهرته السنوات الخمس عشرة التالية، والتي لم تشهد أي صدام حقيقي بين حزب الله وإسرائيل، باستثناء بعض المناكفات المضبوطة، والتي كان الهدف منها أساساً، بالنسبة إلى حزب الله، إعطاء شرعية لوجوده مع سلاحه في الداخل اللبناني، على الرغم من أن أدواره تخطّت حدود هذا البلد إلى الجار السوري والبعيد اليمني.
هناك تقاطعاتٌ كثيرة بين عدوان 2006 على لبنان وعدوان 2021 على قطاع غزة، بالشكل وبالمضمون. أهمها ما أظهرته الفصائل الفلسطينية من قدرة على الصمود في وجه الآلة الحربية الإسرائيلية، رغم الدمار الكثير الذي خلفته الأخيرة في القطاع، سواء لجهة المساكن أو البنى التحتية. كذلك الأمر الالتفاف العربي الكبير حول فعل المقاومة الفلسطيني، وهو التفافٌ وضع كل المواقف والخلافات مع سلوك الفصائل التي تقاوم جانباً، وجعل من فعل المقاومة أساساً جامعاً. الأمر الذي يمكن أن يحدُث، وسيحدُث لاحقاً، في حال اندلعت مواجهةٌ بين إسرائيل وحزب الله، إذ ستتم تنحية كل الانتهاكات التي قام بها هذا الحزب بحق الشعوب العربية جانباً، وسيكون النظر إليه، على الأقل في فترة المواجهة، من باب فعل الوقوف في وجه إسرائيل، وهو الأمر الذي لا خلاف عليه.
لكن ما بعد انتهاء العدوانين، لا بدّ من النظر إلى الفعل اللاحق، بداية في لبنان حيث تعاظم نفوذ حزب الله الداخلي، واستثمر ما سمّاه "النصر الإلهي" في الهيمنة السياسية الداخلية، إضافة إلى مراكمة القوة العسكرية، والتي ما عاد لها استخدام في مواجهة إسرائيل، بل تم استثمارها في ساحاتٍ أخرى معلومة. قد تكون "حماس" اليوم تسير على خطى حزب الله، مع فوارق نابعة من المكانة الجغرافية للحركة والمعطيات السياسية والاستراتيجية التي ستعيق تعاظم النفوذ، ليكون مماثلاً لنظيرها اللبناني. مع ذلك، من المؤكد أن توابع عدوان 2021 سياسياً ستعمل "حماس" على استثمارها، فرئيس المكتب السياسي للحركة، إسماعيل هنية، استخدم تعبير "النصر الإلهي" نفسه في وصفه ما قامت به فصائل المقاومة خلال العدوان، وها هي قيادات الحركة في الداخل والخارج تترقب الاتصالات العربية والدولية التي ستعترف بـ"حماس" شريكاً على الساحة الفلسطينية، وهو الأمر الذي لم يحدث منذ 2006، حين تسبب فوز الحركة في الانتخابات بمقاطعة عربية ودولية وفلسطينية لقطاع غزة.
مفاوضات تثبيت التهدئة القائمة حالياً، برعاية مصرية مباشرة وبرغبة أميركية صريحة، ستشهد محاولات "حماس" تطبيق هذا الاستثمار السياسي محلياً وعربياً ودولياً، تمهيداً للوصول إلى ما يشبه الاتفاق الضمني الذي أرسى الهدوء بعد 2006 على الحدود الشمالية لفلسطين المحتلة مع لبنان. وليس خافياً أن "حماس" تحتاج إلى مثل هذا الاتفاق بعد فترة حكم في قطاع غزة، كانت حافلة بالإخفاقات بفعل الحصار الذي فرض عليها، وأدّى إلى تراجع شعبيتها داخل القطاع وخارجه. لكن الأمر يختلف الآن بعد عدوان 2021، وخصوصاً مع تمدّد شعبية الحركة إلى الضفة الغربية، وهو أمر ترى الحركة أن من الواجب استثماره قريباً. ومن غير المستبعد أن تشمل المفاوضات، والمتوقع أن تكون مروحتها واسعة، اتفاقاً على تسهيل تصويت المقدسيين، والذي كان سبباً معلناً لتأجيل السلطة الانتخابات.