09 نوفمبر 2024
تهافت التطبيع مع النظام السوري
بشير البكر
بشير البكر كاتب وشاعر سوري من أسرة "العربي الجديد" ورئيس تحرير سابق
لو أن نظاماً عربياً واحداً من الأنظمة التي تستعد للتطبيع مع نظام بشار الأسد ناصر قضية عربية واحدة بنزاهة، ومن منطلق المصالح الوطنية والقومية، لما كان هناك أي شك حول حملة ترويج إعادة العلاقات مع النظام السوري، وفتح الباب له ليعود إلى جامعة الدول العربية. ومن هذا المنطلق، يبدو التلطي وراء أهداف قومية ووطنية أمراً مفضوحاً، ولا يخفى على السوريين تحديداً أن هذه الأنظمة تعمل وفق أجندات خاصة، وحسابات ضيقةٍ لا علاقة لها في ما يخص سورية وأهلها.
تحاول أنظمة مصر والسعودية والإمارات أن تقنع الرأي العام بأنها، من منطلق غيرتها على سورية وشعبها ووحدة أراضيها، تتحرّك الآن للتطبيع مع النظام، وتنسى أنها لم تتصرف على أساس ما يمليه عليها الواجب القومي والأخلاقي تجاه هذا البلد وأهله طوال سنوات النزيف الثماني. لم يكن هؤلاء يتفرجون على التراجيديا السورية فحسب، بل كانوا يرمون الحطب في النار لتزيد اشتعالاً. وأكثر من ذلك لو أنهم كانوا حريصين على سورية لما سمحوا لدولةٍ مثل إيران أن تتدخل في الشأن السوري، وكان في وسعهم أن يوقفوا ذلك عن طريق تحريك الأمم المتحدة والولايات المتحدة وأوروبا. ترك هؤلاء إيران تلعب في البيت السوري، حتى انهارت أركانه، وكانوا يرمون من وراء ذلك إلى استنزافها عسكرياً واقتصادياً على حساب سورية وشعبها. ويريدون الآن أن يواصلوا اللعب في مواجهة تركيا على الأرض السورية، وليس إيران كما يروّجون، والدليل أن السعودية والإمارات تمولان، منذ فترة طويلة، قوات سورية الديموقراطية ذات الأغلبية الكردية، ليس حباً بالأكراد، بل لاستخدامهم ورقة في وجه تركيا، يلوحون بها تهديداً للأمن الحدودي التركي، بعد أن عجزوا عن اختراق تركيا من الداخل، منذ دعم محاولة انقلاب 2016، واغتيال الصحافي جمال خاشقجي.
من مصلحة الشعب السوري أن يصبح الحل في سورية عربياً، تضع أسسه جامعة الدول العربية، وتشرف على تنفيذه، ولكن شرط نجاح ذلك وضع مشروع وبرنامج واضحين، على أساس الحفاظ على سيادة سورية ووحدتها، وخروج كل القوات الأجنبية من أراضيها، وحل المسألة السورية ضمن تسويةٍ سياسيةٍ تشارك فيها الأمم المتحدة، وتضمنها الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن وفق بيان جنيف 1. هذا هو الطريق الممكن للحل، لا التسويات والصفقات التي تتم بالقطعة، وفي الكواليس، وبالرشوات على طريقة ولي عهد السعودية، محمد بن سلمان، الذي يهمه اليوم تببيض ملفه الأسود بعد جريمة قتل خاشقجي التي وجهت ضربةً كبيرةً لمستقبله السياسي. لا يريد الشعب السوري أن تحشر هذه الدول نفسها في الشأن السوري، وجل ما يطلبه منها أن تتركه وشأنه، يعالج مشكلاته مع نظام الأسد الذي بات يمثل الاحتلالين، الإيراني والروسي.
وعلى الدول المستعجلة لإعادة النظام السوري إلى الجامعة العربية أن تعرف أن الدول المتضرّرة أكثر من الوضع في سورية هي دول الجوار، العراق، لبنان، الأردن، تركيا، وهي التي دفعت فواتير كبيرة من جرّاء الأزمة السورية. وكان يمكن أن نتفهم مواقفها لو أنها تحرّكت من أجل تأهيل النظام، بحجة أن ذلك يفتح الباب لعودة المهجّرين على الأقل، ولكن هذه البلدان التي اكتوت بنار المأساة السورية تريثت، لأنها باتت تدرك أن المتاجرة بسورية والسوريين وصلت إلى أعلى السقف، ولم يعد ينطلي على أحدٍ هذا التذاكي المكشوف.
لو أن النظام السوري قدم تنازلاً واحداً، مثل التساهل في عودة اللاجئين، لكان من الممكن أن تعتبر هذه الدول أن محاولاتها للتطبيع معه قد تلقى قبولاً من السوريين. وأما أن النظام مستمر في سياسات القتل والإقصاء، فإن عملية تأهيله ستكون بمثابة مكافأة للقاتل، وتواطؤاً ضد الضحايا الذين تركهم العالم فريسة للمجرمين.
تحاول أنظمة مصر والسعودية والإمارات أن تقنع الرأي العام بأنها، من منطلق غيرتها على سورية وشعبها ووحدة أراضيها، تتحرّك الآن للتطبيع مع النظام، وتنسى أنها لم تتصرف على أساس ما يمليه عليها الواجب القومي والأخلاقي تجاه هذا البلد وأهله طوال سنوات النزيف الثماني. لم يكن هؤلاء يتفرجون على التراجيديا السورية فحسب، بل كانوا يرمون الحطب في النار لتزيد اشتعالاً. وأكثر من ذلك لو أنهم كانوا حريصين على سورية لما سمحوا لدولةٍ مثل إيران أن تتدخل في الشأن السوري، وكان في وسعهم أن يوقفوا ذلك عن طريق تحريك الأمم المتحدة والولايات المتحدة وأوروبا. ترك هؤلاء إيران تلعب في البيت السوري، حتى انهارت أركانه، وكانوا يرمون من وراء ذلك إلى استنزافها عسكرياً واقتصادياً على حساب سورية وشعبها. ويريدون الآن أن يواصلوا اللعب في مواجهة تركيا على الأرض السورية، وليس إيران كما يروّجون، والدليل أن السعودية والإمارات تمولان، منذ فترة طويلة، قوات سورية الديموقراطية ذات الأغلبية الكردية، ليس حباً بالأكراد، بل لاستخدامهم ورقة في وجه تركيا، يلوحون بها تهديداً للأمن الحدودي التركي، بعد أن عجزوا عن اختراق تركيا من الداخل، منذ دعم محاولة انقلاب 2016، واغتيال الصحافي جمال خاشقجي.
من مصلحة الشعب السوري أن يصبح الحل في سورية عربياً، تضع أسسه جامعة الدول العربية، وتشرف على تنفيذه، ولكن شرط نجاح ذلك وضع مشروع وبرنامج واضحين، على أساس الحفاظ على سيادة سورية ووحدتها، وخروج كل القوات الأجنبية من أراضيها، وحل المسألة السورية ضمن تسويةٍ سياسيةٍ تشارك فيها الأمم المتحدة، وتضمنها الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن وفق بيان جنيف 1. هذا هو الطريق الممكن للحل، لا التسويات والصفقات التي تتم بالقطعة، وفي الكواليس، وبالرشوات على طريقة ولي عهد السعودية، محمد بن سلمان، الذي يهمه اليوم تببيض ملفه الأسود بعد جريمة قتل خاشقجي التي وجهت ضربةً كبيرةً لمستقبله السياسي. لا يريد الشعب السوري أن تحشر هذه الدول نفسها في الشأن السوري، وجل ما يطلبه منها أن تتركه وشأنه، يعالج مشكلاته مع نظام الأسد الذي بات يمثل الاحتلالين، الإيراني والروسي.
وعلى الدول المستعجلة لإعادة النظام السوري إلى الجامعة العربية أن تعرف أن الدول المتضرّرة أكثر من الوضع في سورية هي دول الجوار، العراق، لبنان، الأردن، تركيا، وهي التي دفعت فواتير كبيرة من جرّاء الأزمة السورية. وكان يمكن أن نتفهم مواقفها لو أنها تحرّكت من أجل تأهيل النظام، بحجة أن ذلك يفتح الباب لعودة المهجّرين على الأقل، ولكن هذه البلدان التي اكتوت بنار المأساة السورية تريثت، لأنها باتت تدرك أن المتاجرة بسورية والسوريين وصلت إلى أعلى السقف، ولم يعد ينطلي على أحدٍ هذا التذاكي المكشوف.
لو أن النظام السوري قدم تنازلاً واحداً، مثل التساهل في عودة اللاجئين، لكان من الممكن أن تعتبر هذه الدول أن محاولاتها للتطبيع معه قد تلقى قبولاً من السوريين. وأما أن النظام مستمر في سياسات القتل والإقصاء، فإن عملية تأهيله ستكون بمثابة مكافأة للقاتل، وتواطؤاً ضد الضحايا الذين تركهم العالم فريسة للمجرمين.
بشير البكر
بشير البكر كاتب وشاعر سوري من أسرة "العربي الجديد" ورئيس تحرير سابق
بشير البكر
مقالات أخرى
02 نوفمبر 2024
26 أكتوبر 2024
19 أكتوبر 2024