جبهة لبنان… حسابات "ضبط النفس"
في موازاة العدوان المتواصل على قطاع غزّة، والحديث عن اجتياح رفح من عدمه، تشهد الجبهة الجنوبية اللبنانية تصعيداً، يصل في أيام إلى مراحل غير مسبوقة، كان من شأنه، في أوقاتٍ كثيرةٍ سابقة، أن يصل إلى حرب واسعة بين إسرائيل ولبنان، غير أن معطياتٍ كثيرة تدفع الأمور إلى البقاء في الحدود المضبوطة، من دون الوصول إلى مواجهة أكبر، يتسّع فيها مدى الاستهداف الإسرائيلي في الداخل اللبناني. وفي المقابل، تصل صواريخ حزب الله إلى مواقع أبعد من المستهدفة حالياً.
فرغم كل ما شهده قطاع غزّة من تصعيد، ومعه الاعتداءات الإسرائيلية على جنوب لبنان، من الواضح أن لا تغيير في موقف حزب الله من الدخول بشكل أكبر في الحرب ضد إسرائيل، فالعمليات التي ينفذها الحزب في الداخل الإسرائيلي تقتصر على الأهداف العسكرية للاحتلال، بحيث لا تستدرج ردّ فعل إسرائيلياً أوسع، رغم أن الرد الإسرائيلي في كثير من الأحيان كان يتسّع ليطاول مدنيين ويسقط منهم شهداء. كذلك بالنسبة إلى الاغتيالات الكثيرة التي نالت من قيادات في حزب الله، والتي قال وزير الأمن الإسرائيلي، يوآف غالانت، إنها قضت على نصف قيادات حزب الله، فإنها أبقت على حدود رد حزب الله في إطار المقبول إسرائيلياً وأميركياً.
ردود حزب الله هذه لا شك تثير غيظاً لدى مجموعة من القيادات العسكرية والسياسية الإسرائيلية، وفي مقدّمتها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وغالانت نفسه. فإذا كان الأول يرغب في توسيع الحرب لتخفيف الضغط عنه وإطالة أمد المواجهات العسكرية، يرى الثاني أنه لا بد في يوم من فتح المواجهة على مصراعيها مع حزب الله لضمان "أمن إسرائيل"، وأن الوقت الحالي هو الأكثر مناسبة لهذا، مع استغلال الدعم الغربي لإسرائيل، وإن تراجع قليلاً في الوقت الحالي. لكن هذا الدعم حالياً لا يسمح لإسرائيل بفتح جبهة جديدة، في وقت يضغط فيه الغرب باتجاه إغلاق الجبهة الحالية المفتوحة، إضافة إلى بدء تصاعد الضغط الداخلي الإسرائيلي على القيادات العسكرية والأمنية لإطلاق الأسرى والمتحجزين، والذي تجلى في المواجهات التي شهدتها القدس المحتلة خلال الأيام الماضية ضد الحكومة الإسرائيلية.
في المقابل، ما يمكن تسميته "ضبط النفس" من جانب حزب الله مرتبط بعوامل كثيرة. الأول هو الخارجي والمتعلق بما يسمّى "وحدة الجبهات"، إذ لا قرار حالياً، ولا يبدو أنه سيكون مستقبلاً، حول عملية فتح الجبهات على إسرائيل، وهو ما يمكن قراءته في الردّ الإيراني على الاستهداف الإسرائيلي للقنصلية الإيرانية في دمشق، إذ حمل رسالة واضحة أن لا نية لتصعيد أكبر ضد دولة الاحتلال، وأن الأمر سيقتصر على رد فعلٍ مقابل كل فعل تُقدم عليه إسرائيل. وعلى هذا الأساس، كان الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، ولا يزال، يصرّ على أن جبهة لبنان هي "جبة إسناد لقطاع غزّة". وبالتالي، لا نية لتحويلها إلى جبهة مفتوحة بحد ذاتها. كذلك يلتفت حزب الله إلى الجبهة الداخلية اللبنانية ويدرك عدم جهوزيّتها لحربٍ كبيرة تطاول عموم الأراضي اللبنانية، خصوصاً في ظل الانقسام المتصاعد الذي تشهده الساحة اللبنانية سياسياً واقتصادياً واجتماعياً.
غير أن كل هذه المعطيات، والتي تؤشّر إلى بقاء الوضع العسكري على ما هو عليه على جبهة لبنان، لا تنفع في ضبط القلق الداخلي اليومي في لبنان. ومع الأخبار الآتية بشكل دوري من الجنوب والقصف المتصاعد على القرى وعلى أهداف حزب الله، تبقى المخاوف قائمة دائماً من انفلات الوضع نتيجة أيٍّ من الحسابات، وربما الضربات الخاطئة، والتي يمكن أن يقوم بها هذا الطرف أو ذاك.