خيمة كرة القدم الأنثروبولوجية
حين تثير كرة القدم الجنون والخيال. .. أعلنت قطر عن إقامة ألف خيمة لاستضافة مشجّعي كأس العالم 2022. يضيف هذا إلى المونديال اهتماماتٍ أخرى، في صميم النهج الأنثروبولوجي الذي يسعى إلى لإظهار عوالم الصحراء، وجعلها تحت الصورة والضوء، وفي متناول السيّاح.
تنطلق كرة القدم التي تستضيفها الدوحة في 21 نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، وتقام المباراة النهائية في 17 ديسمبر/ كانون الأول. وقد نقلت وكالة رويترز عن المدير التنفيذي لإدارة الإسكان واللجنة العليا للمشاريع، عمر الجابر، قوله إن "قطر تخطط لإقامة ألف خيمة لمشجّعي كأس العالم، مع سعي البلاد لجذب 1.2 مليون زائر لحضور البطولة". وستقام الخيام لتطلّ على المشاهد الصحراوية المحيطة بالدوحة، ما يقدّم للزائرين فرصة اكتشاف الصحراء، مع وجود مائتي خيمة على درجة عالية من الفخامة. وقال الجابر إن هناك خططا لإقامة قرى مسبقة التجهيز للمسجلين في مساحات خالية. أكثر من مائة ألف غرفة قروية، وما زالت أمام قطر خيارات جديدة، عندما يصل عدد الزوار إلى أعلى مستوياته في البطولات النهائية. أمرٌ مثيرٌ للغاية خلال متابعة دور مجموعات البطولة، يتّخذ من موضوع الصحراء لغة حياة، وأفكارا، وتجهيز فنون، بعيدا عن الأبراج الفندقية. مناطق إنسانية مكتشفة داخل نطاق حضارة كرة القدم العالمية. هذا تخصيصٌ في الأنشطة، والوظائف الاجتماعية للكرة، وعودة إلى ما يوصف بالحياة "البسيطة"، وممارسة فهم أنماط الحياة الصحراوية غير المعقدة.
تشكّل استضافة كأس العالم في قطر رهانا بالغ الأهمية، لا سيما بعد أزمة كورونا، وفي بيئة نزوح عالمي عن مسار الحرب في أوكرانيا وتناقضاتها العالمية
ستشكّل الخيمة نقطة تلاقٍ وتقاطع، فكيف ستنهض بساكنيها، وبتراثهم الثقافي. ستجتمع في ملكيّات نفسية وانفعالية. لغة الزوار. دراستهم في تنوعاتهم. تراصف طبقات الساكنين. كيفية ارتباط بعضهم ببعض. تصرّفاتهم. مبادلاتهم الرمزية. أبسط خفايا سلوكياتهم. وكما يقول ليفي شتراوس في إحدى تعبيراته "خطوة لا تخطر على البال". و"ستثبت الأوتدة على الأرض". تشكّل رياضة كرة القدم دوما مساحة للإثارة، لا سيما في سياق إثبات الذات، عندما تلتقي المشاعر الرياضية بالمشاعر المرتبطة بالهوية، فتسعى الدول إلى بناء صورةٍ مثاليةٍ في ترويج السياحة الرياضية وتوسعة المساحات المخصة لها. قطر تبحث عن هذه التوسعة، عبر البناء على مستوى دور كرة القدم وأثرها في تعزيز علاقاتها الدولية. ثم على مستوى التقريب بين شعوب العالم. فكرة أن كرة القدم تشكّل رهانا سياسيا بالغة الأهمية. لذا تقوم قطر بابتكارات، واجتراح حضور، في كل ما يعزّز صورة جميلة تسعى إلى بنائها. ونتيجة لبحثها عن تأمين إقامة 1.6 مليون زائر، عبر المسكن اللائق. هذا المسكن وجدته في الصحراء بموجب مسارٍ ليس بعيدا عن المدينة/ الدوحة، بل بهدف عدم حجب أنظار الزوار عن جماليات الصحراء العربية، والمساهمة لاحقا في إعادة تشييدها بظروف حقيقية أخرى. التوجه نحو الصحراء مثل التوجه نحو النشيد الوطني. هذا يعبر عن استخدامات وإشباعات لغة، وصورة الهوية الوطنية، سواء من حيث تاريخها، وكما هي من حيث تركيبتها، وبإضافة تعدّدية إلى جذرها التاريخي. هذا ما يسمح به اللقاء بين السيّاح، ويسهل الفهم والتسامح بين المتشاركين، كذلك الاتصال شرط مسبق لكل مجموعة قبل العمل، أو التفكّر مع الآخرين، تحت خيمة الترابطات المتعدّدة للمجتمع الشامل.
كرة القدم زادت ووسّعت من أمكنة اللقاء، وبوتائر متسارعة في كل مدن العالم. سكان المجتمع الكروي الشامل هم، في الوقت نفسه، من هنا ومن هناك، ومن أمكنةٍ أخرى. لم تعد هوياتهم ثابتة. لم تعد منجزة من إخفاء، أو حالة وهمية. لقد جعلت الكرة من الهوية مرنة، دينامية قابلة للتعديل بحسب الرغبة. نحن باستمرار نصنع لأنفسنا هوية جديدة، لنصنع ما نعتقد أننا نريد أن نكون. هذا هو جنون اللعبة، على المدرّجات، كما على الملاعب، وتثير جنون المشجّعين والرياضيين والسياسيين في بحثهم عن حدودهم، وتفرض المشاركة الانفعالية معها عالما من التجانس، والجنون، والتحيز الرياضي والمبالغة في تقدير النتائج في الربح والخسارة. الأهم هو التبادلية من حيث الفضاءات التي تجيزها في مجتمع الاستهلاك والصورة والتواصل. وعلى الرغم من احتدام المنافسات، أحيانا تثير خصوماتٍ أكثر عمقا، من شأنها أن تشكّل هوية محرّكيها من إعلاميين وسياسيين يحتشدون وراء رموز رياضية. قطر تبني فكرة موجّهة في كرة القدم لإثبات الهوية الوطنية، وتسعى إلى بناء صورة مثالية على مستوى العالم الخارجي.
تجهيز فني معاصر يجري تشييده حول كبرى التظاهرات الرياضية، وينطلق منها لصياغة مشروع وبناء مجتمع قومي خيالي، أو قوميات رياضية
تشكّل استضافة كأس العالم رهانا بالغ الأهمية، لا سيما بعد أزمة كورونا، وفي بيئة نزوح عالمي عن مسار الحرب في أوكرانيا وتناقضاتها العالمية. إرساء للعبة أكثر انتشارا ومتعة، عقد اجتماعي كروي عالمي سيكون بمثابة موجة جديدة، حين تعلو رياح الجنون في المباريات من حزن، وغضب، وفرح، ما سيدفع السياح في الصحراء، حول مشروع كروي قومي، أو خيالي، أو جمالي بلغة الصحراء. صحيحٌ تتكرّر الرياضة على فترات منتظمة وللتسلية، ولكن من خلال الرياضة تبرز لعبة الهوية الجماعية والعلاقات الدولية في لعبة الذات والآخرين. يقوم التجهيز الفني القطري على التماهي مع فكرة إثبات الذات، والصورة الجميلة التي تسعى إلى بنائها بفضل الرياضة.
خطوة سياحية تساهم في برامج التنمية. أنثروبولوجيا طبيعية، خارج إطار الثقافة الصناعية المدينية. وتشكل من الفكرة الاجتماعية نموذجا مغريا لعشاق الكرة. يقوم التجهيز المعلن عنه على أنماط حياة تستمر فترة المباريات من أشكال العيش والأكل والملبس والتسلية والتلاقي والسهر. هي النزعة التجريبية عند رواد الأنثروبولوجية، راكليف براون، أو مالينو فسكي، وتقوم انطلاقا من عمل يتطلب لإقامةٍ طويلةٍ في الحقل (الصحراوي هذه المرّة). ليس وراء بحر المانش البريطاني العريق أي تجربة يمكن مقارنتها مع عقلانية الفكر الفرنسي ومثاليته. تبرز المسألة في قطر بطريقة عفوية. ولكن بشكل متجانس مع معطيات حضارة الصحراء وقيمها، وشخصيتها الحضارية، إلى أشكالها النفسية والإعلامية. تمكن 3.6 مليارات مشاهد ومشاهدة من مشاهدة الألعاب الأولمبية في سيدني العام 2000. قرى كروية حسب ما توقع مارشال ماكلوهان. أكثر من ملياري مشاهد من محبّي كرة القدم أصبح بإمكانهم متابعة كأس العالم من مختلف عواصم العالم. شبكات البث التلفزيوني القطرية "بي إن سبورت" ستجاور تلك الخيمة. تجاور فكرة تحويل تقنية/ فنية/ إسكانية ستكتسب بالتأكيد فن التسويق السياحي والاستثماري. تجهيز فني معاصر يجري تشييده حول كبرى التظاهرات الرياضية، وينطلق منها لصياغة مشروع وبناء مجتمع قومي خيالي، أو قوميات رياضية، أو الديمقراطيات الاجتماعية.