روسيا ترحّل المسألة السورية
يبدو أن روسيا عازمة على ترحيل المسألة السورية من جديد، بسبب استحقاقين أساسيين: الانتخابات الرئاسية الأميركية والانتخابات الرئاسية السورية. وبدأت الآلة الروسية العمل على هذا الأساس، حيث ظهرت، في الآونة الأخيرة، بوادر إلى وقف عملية جنيف الخاصة باللجنة الدستورية، في وقتٍ كان من المنتظر أن تبدأ العمل على مشروع الدستور بعد قرابة سنةٍ ضاعت بالمناكفات والتعطيل المدروس الذي مارسه وفد النظام السوري بتغطيةٍ روسية، وعقدت الوفود حتى الآن ثلاث جولات، كي تتفق على نقاط أساسية على جدول الأعمال للجولة التي كانت مقرّرة في الخامس من شهر أكتوبر/ تشرين الأول الحالي، ولكن موسكو تحرّكت في النصف الثاني من الشهر الماضي، وبادرت إلى إطلاق تصريحاتٍ تفيد بأن أصل العملية السياسية ليس اجتماعات اللجنة الدستورية في جنيف برعاية الأمم المتحدة، بل هو مسار أستانة الذي ترعاه كل من روسيا وتركيا وإيران، وحتى ما قبل أستانة، في إشارة إلى المؤتمر السوري الموسع الذي انعقد في سوتشي مطلع عام 2018.
وتبلغت المعارضة السورية الرسالة من أوساط دولية، قبل أن يصرّح المبعوث الأممي، غير بيدرسون، والذي تحدّث عن صعوبة عقد الجولة الجديدة من اجتماعات اللجنة الدستورية، على الرغم من أن موعد الخامس من أكتوبر/ تشرين الأول كان متفقا عليه، وكذلك الأمر بالنسبة لجدول الأعمال الذي جرى تحديده في اجتماع اللجنة أخيرا في جنيف.
والسؤال، ما هو سر تراجع روسيا عن مسار جنيف، في حين أنها بدت متحمسةً له منذ أول اجتماع للجنة الدستورية في نوفمبر/ تشرين الثاني من العام الماضي؟ يكمن السبب الأول في انتخابات الرئاسة الأميركية. وبناء على شخصية الرئيس الأميركي المقبل، سوف يحدّد الروس موقفهم من الوضع في سورية، وهذا أمر لن يتضح قبل نوفمبر المقبل، فالانتخابات مقرّرة في الثالث منه، ولكن الرئيس لن يمارس مهامه الدستورية قبل نهاية يناير/ كانون الثاني المقبل، ويحتاج عادة إلى مائة يوم للنظر في الوضع الداخلي وترتيب فريق الإدارة الجديدة وشؤونها، وبالتالي لا تبدو روسيا في عجلةٍ من أمرها، ولن تُقدم على خطوةٍ سياسيةٍ كبيرةٍ في سورية قبل أن تعرف كيف تستطيع تسويقها أميركيا، وخصوصا لجهة إطلاق مشاريع إعادة الإعمار التي تحتاج إلى تمويل أميركي أوروبي، ومن المعروف أن الأطراف كافة تربط ذلك بإطلاق عملية سياسية جادّة تسمح بالعودة الطوعية للاجئين.
أما السبب الثاني فهو الانتخابات الرئاسية السورية المقرّرة في الصيف المقبل. وحسب أوساط على معرفة بالكواليس الروسية، ليست موسكو في وارد التخلي عن الرئيس بشار الأسد. ونقل بعضهم عن وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، قوله "ليأخذوا كل شيء، وليتركوا لنا الأسد". وهنا نقطة الخلاف الرئيسية التي لا يبدو أن تجاوزها سهل، فالحل السياسي بوجود الأسد وجهازه لا يمكن أن يسير به أحد من المعارضة التي من الصعب أن تتنازل عن سقف محاكمة الأسد وأركان حكمه، وإلا فإنها لن تجد من يسير معها من السوريين، وخصوصا المتضرّرين المباشرين من المهجّرين في الخارج والداخل، والذين تجاوز عددهم عشرة ملايين نسمة. ومن غير الواضح هنا الطريقة التي سوف يصوّت بها اللاجئون في الخارج. وفي حال استمر الوضع على ما هو عليه، لن يختلف الأمر عن الدورة السابقة التي كان التصويت فيها شكليا حسب طريقة الاستفتاء المعهودة في سورية منذ عهد الأسد الأب.
بقاء الموقف في سورية على ما هو عليه قد يلائم روسيا مرحليا، ولكنه قد لايأتي في صالحها مع مرور الوقت، خصوصا أن فاتورة حضورها العسكري باتت عاليةً، من دون أن تتمكّن من استرداد بعض الأموال التي صرفتها منذ تدخلها العسكري قبل خمس سنوات.