سيناريوهات تهجير متعدّدة
انتهت الهدنة في قطاع غزّة، واستؤنف العدوان الإسرائيلي، ومعه انطلق مجدّداً الحديث عن سيناريوهات اليوم التالي، وأساسها تهجير أهل القطاع، سواء داخله أم خارجه. فمع بدء الغارات الإسرائيلية على مناطق متفرّقة من قطاع غزّة، نشر جيش الاحتلال خريطة معقّدة قال إنها توضح "طريقة تنقل السكّان في غزّة خلال المرحلة المقبلة من الحرب". وقسّمت الخريطة القطاع إلى مربّعات مرقّمة تُظهر ما ادّعى الاحتلال أنها أرقام مناطق الإخلاء شمالي وجنوبي القطاع، مع نداء إلى السكان للعثور على "المربّع" ذي الصلة بمكان سكنهم والتصرف في حال طلب منهم الانتقال منه.
لم تُخف إسرائيل، منذ بدء العدوان، وحتى قبله، رغبتها في إفراغ قطاع غزّة من سكّانه. والتهجير إلى سيناء كان واحداً من الخيارات التي لا تزال دولة الاحتلال تعتبرها ممكنة التطبيق، معوّلة على ضغط غربي على القاهرة، والتي تتمسّك حتى الآن برفض هذا المخطط. الخريطة التي نشرها الاحتلال تخدم هدف التهجير إلى مصر، ولا سيما أن نسختها الأولى، والتي تم تعديلها على موقع الجيش كانت تتضمّن إشارة إلى المنطقة العازلة بين قطاع غزّة وسيناء، والتي اعتبرت ضمناً أنها الوجهة التي يريد الاحتلال دفع أهل غزّة إليها، وهو ما أثار قلقاً مصرياً.
ورغم أن إسرائيل لم تفقد الأمل بعد من "سيناريو سيناء"، فإنها بدأت تعمل على صيغ أخرى للتهجير، آخرها ما اصطلح على تسميته "المنطقة العازلة" في قطاع غزّة بعد الحرب. إذ نقلت وكالة رويترز عن مستشار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن إسرائيل تعدّ خطة تفصيلية لإقامة منطقة عازلة في قطاع غزّة. وقالت إن الخطة مكونة من ثلاثة مستويات، وهي تختصّ بمرحلة ما بعد حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، وإن مستويات الخطّة تشمل "تدمير حماس ونزع السلاح من غزة وإنهاء التطرّف". وتطبيق خطة كهذه سيتطلب بالضرورة تهجير مجموعات من السكان الموجودين في هذه الكيلومترات التي تنوي إسرائيل مصادرتها، تماماً كما حدث في الضفة الغربية مع إنشاء الجدار العازل. ورغم المعارضة الأميركية لخطة كهذه، من باب رفض تقليص مساحة قطاع غزة، إلا أن إسرائيل لن تتوانى عن تنفيذها، موقنة من التسليم الأميركي لاحقاً بـ"الأمر الواقع الإسرائيلي" هذا التسليم ظهر خلال الأيام الأخيرة السابقة للهدنة الأخيرة، إذ فشل الرئيس الأميركي جو بايدن في إجبار نتنياهو على وقف إطلاق النار أربع ساعات في اليوم، في إطار المساهمة في الكشف عن أماكن الرهائن المدنيين. كذلك الأمر في آخر مفاوضات لتمديد الهدنة، والتي رفضتها إسرائيل، رغم دفع وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، بقوة لتمديدها باعتبارها "مصلحة لإسرائيل".
سيناريوهات أخرى راجت لشكلٍ آخر من أشكال التهجير تحت عنوان "العمل"، وهو ما ورد في مباحثاتٍ غربية مع مسؤولين عربٍ لاستقبال دفعاتٍ من أهالي غزّة للعمل، سواء في دول عربية أو غربية، وهو ما يبدو أنه بدأ يأخُذ شيئاً من الجدّية في التطبيق، فكان لافتاً قبل أيام إعلان حكومة الشيشان عن استقبال دفعة أولى من "اللاجئين من قطاع غزّة"، رغم عدم خروج أي مواطنين من غزّة لا يحملون جنسيات أجنبية. واتضح أن هذه الدفعة هي لمواطنين من غزّة فعلاً، يحملون الجنسيّة الروسية، لكنهم منقطعون عن روسيا منذ فترة طويلة، وعادوا للسكن في القطاع. وبحكم هذا الانقطاع، باتوا في تصنيف موسكو لاجئين وتم توزيعهم على الجمهوريات الروسية.
سيناريوهات كثيرة وهدف واحد، إفراغ قطاع غزّة من سكانه، أو على الأقل التخفيف منهم ما أمكن، قتلاً أو تهجيراً، تمهيداً لمرحلة ما بعد الحرب، والتي يبدو الطريق للوصول إليها لا يزال طويلاً وشائكاً.