طهران .. إعدام صحافي
أثارت عملية إعدام الصحافي الإيراني، روح الله زم، ردود فعل سياسية وإعلامية دولية، لم تكن في حساب السلطات الإيرانية التي وزعت الخبر يوم السبت الماضي على نحوٍ يوحي بأن الصحافي على قدر كبير من الأهمية. وهذا واضحٌ أيضا من عملية إخراج استدراج الصحافي من فرنسا التي يقيم على أرضها لاجئا سياسيا إلى العراق بطريقة ملتوية. ومن هناك تم نقله إلى إيران لتبدأ مسرحية المحاكمة التي انتهت بالإعدام. ولافتٌ أن الحرس الثوري هو الذي أعلن في أكتوبر/ تشرين الأول 2019، استدراج زم واعتقاله، بينما ذكرت تقارير إعلامية أن عناصر موالية لطهران في المخابرات العراقية هي التي نصبت كمينا للصحافي الذي يدير قناة "آمد نيوز" الشهيرة في "تيليغرام"، والتي يتابعها قرابة مليون ونصف المليون، وساهمت بدور في احتجاجات الشارع الإيراني عامي 2017 و2018. وأوهمته المخابرات العراقية أنه سيقابل الزعيم الشيعي آية الله علي السيستاني، ولكنها سلمته من مطار بغداد إلى استخبارات الحرس الثوري الإيراني. وهناك مفارقةٌ تتمثل في أن من قام بالمحاكمة وأصدر الحكم هو "المحكمة الثورية"، وليس القضاء العادي. ووصف والده محمد علي زم، في يوليو/ تموز الماضي، حكم الإعدام الصادر بأنه "غير قانوني"، وأعلن أن ابنه حُرم من أبسط حقوقه في أثناء المحاكمة، و"لم تكن لديه سلطة الدفاع عن نفسه بشكل كامل وشامل". وفي "مقابلة" مع التلفزيون الرسمي، ظهر زم وهو يقول إنه كان يصدّق الأفكار الإصلاحية الى حين سجنه عام 2009 خلال حركة احتجاج كبرى ضد إعادة انتخاب الرئيس محمود أحمدي نجاد، لكنه نفى التحريض على العنف وجميع التهم، قائلاً إن عمله مجرد عمل صحافي.
والملاحظة الجديرة بالاهتمام أن دولة بقوة إيران تحارب على أكثر من جبهة، وصاحبة نفوذ إقليمي ودولي تخاف من صحافي ومعارض سلمي، وتُعدمه لمجرد أنه صاحب رأي مختلف. هذا دليل عدم ثقة بالنظام الحاكم، وإلا لما كان الرد على الرأي الآخر بمقصلة الإعدام. ثم إنه كان على النظام الإيراني، بعد أكثر من أربعة عقود في الحكم، أن يقدم لشعبه نموذجا مختلفا من القضاء غير "محكمة الثورة" التي لديها معايير لا تتشارك فيها مع أحد، منها تهمة "الإفساد في الأرض"، والتي يمكن تفسيرها، من خلال السياق، أنها تعني التحريض على التظاهر ضد نظام الحكم في إيران.
وهناك ملاحظة أخرى تتعلق بوضع إيران الراهن، وهي تختصّ بتهمة التجسّس لصالح فرنسا وإسرائيل التي وجهتها المحكمة للصحافي. ولنفترض فعلا أن زمّ جاسوسٌ لهاتين الدولتين، فالسؤال الذي يطرح نفسه هو ما الذي يمكن أن ينقله صحافي من أسرار في زمن التجسّس الإلكتروني الذي تطوّرت أدواته إلى حد أن تفجير مفاعل نطنز، واغتيال العالم فخري زادة في طهران، حصلا بوسائل إلكترونية، ومن بعيد.
وعلى الرغم من التنديد الدولي، فإن الموقف إزاء الجريمة غير بعيد عنه في حالة الصحافي السعودي جمال خاشقجي، والذي تعرّض لكمين، وتم قتله داخل قنصلية بلاده في إسطنبول. وكان في وسع دولةٍ مثل فرنسا، منحت الصحافي الإيراني حق الحماية، أن تفعل أكثر من التنديد، ومثلها باقي الدول الغربية التي تعمل حاليا على تسهيل العلاقات بين طهران وواشنطن، بعد أن تعقدت بسبب قرار الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، إلغاء الاتفاق النووي.
وفي حالتي زم وخاشقجي، ما دفع السلطات إلى اتخاذ موقف حاد، هو العمل الصحافي من موقع النقد والمعارضة. وفي ما يتعلق بالصحافي الايراني، فإن قناته على "تيليغرام" هي أصل القضية، لأنها قدّمت منبرا للمظاهرات الاحتجاجية. وكذلك الأمر بالنسبة إلى خاشقجي الذي أزعجت كتاباته في صحيفة واشنطن بوست ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، لأنها تناولت بالنقد الوضع الانتقالي في السعودية.