عن بسمة قضماني
ليس من حقّ أي كاتب سوري، إذا كان منتمياً إلى الثورة السورية، أن يقول رأياً موضوعياً في سوري آخر له آراء ومواقف لا تتطابق مع الخط الثوري الذي أصبح سائداً، ومستقرّاً، ومحاطاً بنوع من القداسة. ويمكن أن يذهب الأمر، عند بعضهم، إلى أبعد من ذلك، فيقولون إن شعر أدونيس كله تافه، وكذلك مؤلفاته الفكرية، لأنه انتقد خروج الثورة من المساجد، واتُّهِمَ بأنه قال لبشار الأسد "أنت رئيس منتخب"، مع أنه لم يقل شيئاً بهذه الصيغة القائمة على التزلّف. وقالوا ما معناه إن شعر نزيه أبو عفش غير ذي قيمة فكرية، أو جمالية، لأنه رحّب، أواخر 2015، بالتدخل العسكري الروسي. والكلام نفسه قيل عن أدب وليد معماري، ووليد إخلاصي، فكل منهما كان قد أشاد ببشار الأسد... وأما فن يوسف عبدلكي، فهو، عندهم، سخيف، لأنه أقام معرضاً في دمشق، تضمّن لوحات عري، خلال حرب الأسد الإجرامية على الشعب السوري... وفي الوقت نفسه، لا يستطيع المرء أن ينتقد شخصيةً حصلت على حصانة ثورية استثنائية؛ مثل عبد الباسط الساروت.
مشكلة بسمة قضماني رقم واحد أنها امرأة اقتربت من محيطٍ يغلب عليه جانب التسلط الذكوري... وإن لم تكن تلك الذكورية ذات نبرة عالية في البدايات، ولكنها تطوّرت، بعد سنة 2014، فأصبحت لدينا، في الشمال "المحرّر" شرطة نسائية تفرض لباساً متزمّتاً على النساء المحليات، وأي امرأة قادمة من أواسط سورية إلى تركيا، في طريقها إلى أوروبا، كانت تضطرّ لارتداء الحجاب عندما تعبر مناطق الشمال، حتى ولو كانت مسيحية... وما جرى مع بسمة قضماني في المجلس الوطني السوري أنها رفعت من سويّة التحدّي للسلطة الذكورية المشار إليها، بأن رشّحت نفسها لرئاسة المجلس الذي كان يرأسه برهان غليون. وبحسب ما كتب وائل ميرزا في رثائها، وقف معظم أعضاء المجلس ضدها. كتب: قبل نهاية الولاية الرئاسية الأولى للصديق برهان غليون، بدأتُ، بصفتي الأمين العام، حملةً داخل المجلس لانتخاب بسمة قضماني رئيساً في الفترة التالية. لكنني، ومن معي من الزملاء، واجهنا صراعاً شرساً من الإخوان، بشكل واضح صريح، ومعهم آخرون لا علاقة لهم بإخوان ولا بإسلام.
الذين امتدحوا قضماني، في رحيلها، كثيرون، على أنّ المديح لا يستدعي ردّاً، أو مناقشة. ولكن ثلاث تهم رئيسية وجّهت إليها: أولُها، وهذه أثيرت سابقاً؛ أنها شاركت في برنامج تلفزيوني يناقش قضية التعايش بين العرب والإسرائيليين، وتَزَيَّدَ بعضهم فقال إن أعضاء المجلس الوطني، وهي منهم، راحوا يمرّرون رسائل غزل إلى إسرائيل، إذ شعروا بأن نظام الأسد موشكٌ على السقوط، وأن لإسرائيل كلمة في توزيع المناصب!
ولعل من حسن حظ مَن يتوخّى الإنصافَ، أن البرنامج الذي شاركت فيه السيدة موجود على "يوتيوب"، وقد ترجمه ثائر الثائر، وكان بمناسبة معرض الكتاب في باريس 2008، بمشاركة مثقفين كتّاب عرب وإسرائيليين، وهي لم تغازل الإسرائيليين، بل قالت رأيها. ونحن معتادون على مهاجمة مَن يقول رأياً لا يتّفق مع عامّتنا بشأن إسرائيل، ففي سنة 1995، هوجم أدونيس وهشام الدجاني، وفُصلا من اتحاد الكتاب العرب لهذا السبب. صدرت التهمة الثانية عن ليبراليين وعلمانيين انتقدوها لأنّها غطّت شعرها في أثناء زيارتها منطقة في "المحرّر"، فقالوا إن مسايرتها الذين يفرضون غطاء الرأس سلوك انتهازي. وكان حرياّ بهم، لو كانوا منصفين، أن ينتقدوا مَن يفرض لباساً معيّناً على الآخرين. وأدلى بالتهمة الثالثة أحد أعضاء الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، في برنامج تلفزيوني، قبل ثلاث سنوات، فقال إن بسمة قضماني ليست سورية، فقد هاجرت إلى فرنسا، وهي في التاسعة، وأصبحت فرنسية. وفي البرنامج نفسه، ألصقت بها تهم كثيرة، أقلها العمالة للنظام، وللمخابرات الفرنسية!