برهان غليون

كان حرياً بنا نحن السوريين أن نعمل على تحويل الانتفاضة إلى ثورة، فنضع لها شعاراتٍ وأهدافاً واضحة، ذات قيمة، كأنْ نحدّد اسم الدولة التي نريدها، وطبيعة النظام الذي نسعى لتأسيسه، ونؤكّد أنّ نظامنا يضمن التداول السلمي للسلطة، والمساواة بين المواطنين.

ظلت المعارضة السورية بسمة قضماني حتى الرمق الأخير مدافعة عن قضية شعبها، مؤمنةً بأن سورية لن تصبح موحّدة شعباً وأرضاً مع بقاء سلطة بشار الأسد. رحلت عن الدنيا، ولكن اسمها سيظلّ متألقاً في ذاكرة السوريين، رغم كل حملات التجنّي الظالمة التي تعرّضت لها.

كانت مشكلة المعارضة السورية الراحلة أخيرا، بسمة قضماني، أولا أنها امرأة اقتربت من محيطٍ يغلب عليه التسلط الذكوري، وإن لم تكن ذكورية ذات نبرة عالية في بدايات الثورة السورية، وقد رفعت من سوية تحدّي السلطة الذكورية بأن رشّحت نفسها لرئاسة المجلس الوطني.

لم يعد للسوريين اليوم أي دور في تقرير مصير ثورتهم وبلدهم. ومع ذلك، لا تزال الشخصيات المستهلكة والفاشلة، تبيع السوريين أوهاما، في حين أن وظيفتها الأساسية تنفيذ أجندات الدول صاحبة المصلحة في تحويل سورية إلى مناطق نفوذ إقليمية ودولية.

النقاش في الطائفية لن يتوقف، يتعلق بالسياسة وليس بوجود الطوائف، والمناخ مؤاتٍ، فهناك هزيمة الثورة، غياب الهوية المشتركة للسوريين، وعوامل كثيرة. الطائفية السياسية تستقي قوتها من غياب الديمقراطية والحريات والنظام الممثل للكل الاجتماعي والظلم "الطائفي".

أخفقت المعارضة السورية في القبالة السياسية في أثناء مخاض الوطنية السورية من رحم الثورة، لأنها كانت، ولا تزال، تعاني من العمى الاجتماعي الذي يمنعها من رؤية السوريين العاديين، والعمى التاريخي الناتج من الكسل واختزال السياسة في لحظة واحدة.

في كتابها "تنوير عشية الثورة: النقاشات المصرية السورية" والصادر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، تعالج الكاتبة إليزابيث سوزان كساب النقاشات التي جرت بشأن التنوير خلال العقدين اللذين سبقا الثورة (2011) في كل من سورية ومصر.

البدء بالذاكرة الحضارية للظاهرة الاستبدادية والوقوف عندها يعدّ مدخلا مهما لدراسة الظاهرة الاستبدادية ضمن رؤية نقديةٍ واسعةٍ، تحاول أن تقف على التصوّرات المعاصرة فيها، والتعامل معها تشريحا وتشخيصا وتفكيكا ومواجهة.