لعبة اللاجئين
تحوّلت معاناة المواطنين في دول العالم الثالث، خصوصاً في الوطن العربي، إلى لعبة تستخدمها الدول الغربية لتصفية حسابات سياسية، فمشهد اللاجئين المتروكين على الحدود بين بيلاروسيا وبولندا ليس الأول من نوعه، لكنه الأحدث في لعبة الابتزاز السياسي الذي يستخدم اللاجئين أدوات فيه، فالرئيس البيلاروسي، ألكسندر لوكاشينكو، أحضر المهاجرين إلى بلاده، ثم أرسلهم إلى الحدود للانتقام من الاتحاد الأوروبي، بعدما رفض التكتل الاعتراف بالانتخابات الرئاسية في بيلاروسيا، والتي جرت العام الماضي.
ابتزاز سياسي ما لبث أن تحوّل إلى أزمة إنسانية كبيرة، وسط مخاوف من أن تستمر سنوات، في ظل رفض كثيرين من اللاجئين العالقين العودة إلى بلادهم، إذ يفضّلون البقاء في العراء، وفي درجات حرارة منخفضة جداً، على مواجهة الحروب والأزمات في أوطانهم. لوكاشينكو يدرك حالة اليأس التي يعيش فيها المواطنون في دول عربية عديدة، خصوصاً من العراق وسورية واليمن، ففتح لهم الحدود وسهّل وصولهم إلى بيلاروسيا تحت ستار السياحة. ولم يجتهد الرئيس البيلاروسي في إخفاء أهدافه، فالإعلانات المموّلة التي كانت تحثّ المواطنين في دول العالم الثالث على الذهاب إلى بيلاروسيا كانت تشير، بوضوح، إلى أن البلاد هي أسهل طريقة للوصول إلى أوروبا.
ما يفعله لوكاشينكو اليوم ليس جديداً، بل سبقه إليه الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، في فبراير/ شباط من العام الماضي، في محاولة للضغط على الاتحاد الأوروبي. عندها، أعلنت أنقرة أنها لن توقف اللاجئين الذين يحاولون عبور حدودها إلى أوروبا. وبالفعل، حينها توجّه آلاف اللاجئين، ليس فقط من داخل تركيا، بل من دول أخرى عديدة، على غرار ما هو حاصل اليوم في بيلاروسيا، إلى الحدود التركية اليونانية، ونجح 1200 شخص منهم في الوصول إلى جزر ليسبوس وخيوس وساموس، فيما رصدت منظمة الهجرة الدولية ما لا يقل عن 13 ألف شخص يتجمّعون على الحدود.
لعبة اللاجئين هذه استخدمها أيضاً الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، إنما بشكل آخر، عندما عرض على الاتحاد الأوروبي أن يتحوّل إلى شرطي البحر الأبيض المتوسط، لمنع اللاجئين من التوجه إلى السواحل الأوروبية عبر ليبيا أو مصر، وهو ما نال على أساسه رضا الدول الأوروبية التي ترى في اللاجئين أحد الأخطار التي تهدّدها، خصوصاً بعد تدفقاتهم الكبيرة بعد الحروب في سورية واليمن، واليوم عودة حركة طالبان إلى الحكم في أفغانستان. حتى أن بعض الدول اليوم لم تتوان عن محاولة إعادة بعض اللاجئين إلى بلادهم، رغم المعارضات الحقوقية.
يدرك اللاجئون أنفسهم أنهم أطراف في مثل هذه اللعبة السياسية، لكنهم بلا كثير من الخيارات. الأمر يشبه، إلى حد كبير، ما جسّده المسلسل الكوري الجنوبي "لعبة الحبّار"، حيث يخيّر اللاعبون بين العودة إلى حياتهم المزرية أو مواجهة الموت في داخل اللعبة، أو النجاح فيها والحصول على الجائزة الكبرى. الجائزة هذه اليوم بالنسبة إلى اللاجئين هي الوصول إلى أوروبا ومحاولة الحصول على فرصة العيش الكريم، أو هكذا يظنّون. لكن قبل ذلك عليهم اجتياز المخاطر داخل اللعبة، والتي هي اليوم الحدود الفاصلة بين بيلاروسيا وبولندا، حيث مات فعلاً لاجئون عديدون من البرد والجوع.
أفق نهاية اللعبة اليوم غير واضح، والتحذيرات كثيرة من أن تمتد المأساة اليوم سنوات، على غرار مخيم كاليه الذي يضم مئات اللاجئين الراغبين في عبور المانش إلى السواحل البريطانية. لكن بغضّ النظر عن كيفية انتهاء الأزمة، فإن التجارب السابقة، أو المراحل التي مرّت بها هذه اللعبة، تشير دائماً إلى أن طالبي اللجوء دائماً خاسرون، سواء عبر إعادتهم بالقوة إلى بلدانهم، أو البقاء عالقين في الأدغال الأوروبية.