لماذا يتقدم "داعش"؟
يتقدم "داعش" لسبب وحيد، هو أنه بات يحظى بحاضنة شعبية واضحة، تتسع وتكبر في سورية والعراق حتى الآن، وهذه هي الحقيقة، والمعادلة التي يدركها كل المعنيين في الأمر، ولا يريدون مواجهتها مباشرة، بل يحاولون الالتفاف عليها بطرق ملتوية.
من نافل القول إن تعاظم قوة "داعش" هو حصيلة لاهتراء الوضعين السوري والعراقي، من جراء سياسات رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي، وإجرام الرئيس السوري بشار الأسد، ومن خلفهما سياسة الأطماع والانتهازية الإيرانية التي تعمل، منذ انتصار الثورة، على تمرير مشاريعها وأجنداتها الخاصة، على حساب العرب بزعم دعم المقاومة بوجه إسرائيل.
جرّب الأميركيون، على مدى شهر، تكوين تحالف من الأطراف السنية في العراق وسورية لمحاربة "داعش"، لأنهم يعرفون، فعلياً، أن هذه هي بداية الطريق لقطع الحبل السري لهذا الوحش، لكنهم لم ينجحوا.
والسبب يعود إلى عدم تجاوب السنة مع هذا المسعى. ومن دون مواربةٍ، لا مصلحة، حتى الآن، للسني العراقي والسوري في محاربة "داعش". العراقي يحس، اليوم، أن "داعش" هي القوة الوحيدة القادرة على مواجهة ميليشيات الموت الشيعية في العراق، ويعلم أن نهاية "داعش" تعني بقاء هذه الميليشيات على ما هي عليه، وطالما أن الأميركيين لم ينجحوا في تفكيك هذه الميليشيات السيئة الصيت، فلن يجدوا الوسط السني يقاتل إلى جانبهم بحماسة كبيرة، وهم جربوا قبل ذلك "الصحوات"، ونجحوا، لأنهم بنوها على قاعدة توازن المكونات العراقية، وما دام الميزان مختل لصالح الميليشيات الطائفية التي ترعاها إيران، فلن ينخرط السنة كجماعة في حرب ضد "داعش".
وهذا ما يفسر اليوم تقدم "داعش" في مدينة الأنبار التي بات "داعش" يسيطر على 80 في المائة من مساحتها، ويستعد لاقتحام بغداد، والسبب الرئيسي لذلك عدم نجاح المساعي الأميركية في تفكيك التركة الطائفية التي خلفها نوري المالكي وراءه، وعلى أساس ذلك، يمكن إقناع السنة العراقيين بأن محاربة "داعش" مكسب وطني.
أما غالبية السوريين فهي غير معنية بمحاربة "داعش"، لأن مشكلتها الرئيسية هي نظام بشار الأسد الذي شردها ودمر البلد، ولا يزال يواصل عمليات القتل، ولا يجد من يحاسبه. ويمكن ملاحظة ذلك في مقدار الخيبة التي أصابت السوريين، عندما لم يضع التحالف الدولي إرهاب بشار الأسد و "داعش" في ميزان واحد. ولو حصلت هذه الالتفاتة، لكان السوريون في طليعة من يحارب "داعش" اليوم.
والقناعة السائدة لدى قطاعات واسعة من السوريين أن محاربة "داعش" سوف تصب في مصلحة بشار الأسد، وهذا الرأي يتبناه الأتراك إلى حد كبير، وهو المبرر الذي ساقوه لعدم مشاركتهم في التحالف الدولي بالفاعلية المرجوة، وقد تحدث المسؤولون الأتراك صراحة عن هذه المسألة، وترجموها في رفض نجدة الأكراد في عين العرب، عندما رفض زعيم حزب الاتحاد الديموقراطي الكردي، صالح مسلم، فك تحالفه مع بشار الأسد، شرطاً لمساندة تركيا له بوجه "داعش".
ومن ناحية ثانية، ثمة سؤال جوهري، يجري طرحه على الجانب السوري، هو لماذا يقاتل السوريون "داعش"، ويقفون إلى جانب قوات الحماية الكردية الحليفة لبشار الأسد من جهة، ومن جهة ثانية، فإن قوات الحماية لا تخفي مشروعها في إقامة كانتون كردي في سورية، فهل يعقل أن يقف عرب الحسكة ضد "داعش" التي ترفع لواء القتال لتفكيك هذا الكانتون؟
قد يبدو لبعضهم أن تقديم الوضع بهذه الصورة يحتمل مبالغةً، بالنظر إلى خطر "داعش" على الجميع. ولكن، من يتابع النقاشات في مراكز الأبحاث وأوساط الخبراء الغربيين، يقف عند استنتاج واحد، هو أن الأكراد هم الحليف المستقبلي للغرب.