هل هي أرقام أردنية صادمة؟
يسارع المشككون والرافضون، على السواء، التطويرات الجديدة في المنظومة السياسية الأردنية، من قوانين الأحزاب والانتخاب والسياسات الأخرى، إلى التقاط أيّ أرقام وبيانات تعزّز نظريتهم التي ترى أنّ الأمور لن تتغير إلى الأفضل، ومن ذلك النتائج التي خرج بها، أخيراً، استطلاع مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية، أنّ 87% من الأردنيين لا يعرفون عن قانون الأحزاب الجديد، الذي أقرّه البرلمان في مارس/ آذار الماضي، ويهدف إلى تعزيز الحياة الحزبية وإدماج الشباب والنساء في العمل الحزبي.
وفقاً للاستطلاع، يرغب 2% فقط من الأردنيين بالانضمام إلى الأحزاب السياسية، وقال 94% إنّهم لا يتابعون أي أنشطة وفعاليات للأحزاب. وهذه نتائج مغرية فعلاً لخصوم هذا المسار بالاحتفال بما يعتبرونه تأكيداً لفرضياتهم المسبقة، سواء كانوا من صنف الرافضين أصلاً الإصلاح الديمقراطي، من يرونه لا يصلح للأردن، أو من يشكّكون ويشكون بكلّ نيات الدولة ويرفضون الانخراط بأي جهد منقوص، فإمّا نتائج كاملة منذ البداية أو لا شيء!
لعلّ الاستطلاع مناسبة مهمة للوقوف على ملاحظاتٍ من الضروري تفكير الجميع فيها، من يؤيد المسار الحالي ومن يرفضه أو يشكّك فيه. أولاها أنّ المسار الحالي لم يأت نتيجة ضغوط شعبية واحتجاجات ملأت الشوارع وصفقة سياسية بين النظام والمعارضة؛ بل جاء بوصفه خياراً استراتيجياً لدى الملك نفسه، بعد قراءة دقيقة ومتأنية للوضع السياسي، وقناعة بدأت تترسخ في أنّ الإصلاح مصلحة بل ضرورة للنظام السياسي نفسه.
الملاحظة الثانية أنّ الشعوب عموماً ليست معنية بالقوانين الناظمة للعمل السياسي، وليس مطلوباً منها ذلك، بل ستبقى القضايا الاقتصادية والخدماتية والضغوط اليومية بمثابة الأولويات والشغل الشاغل دوماً وعادةً لكلّ الشعوب في الأرض، ما يعنيها سياسياً تحقيق مصالحها الرئيسية؛ الأمن، الاقتصاد، الكرامة، الحرية وتوفير الحياة الكريمة. وهنا يأتي دور الأحزاب في العمل على إقناع الشارع والقواعد الاجتماعية المختلفة أنّها ببرامجها وخطابها وما تتبناه تمثّل هذه الشرائح، ويحدُث التنافس بين الأحزاب على صناديق الاقتراع لتحقيق ذلك، أما المواطن العادي فهو يفاضل بين الخطابات والأحزاب إن اقتنع في بعضها، صوّت على هذا الأساس.
ولعلّ ما سبق يسوق إلى بيت القصيد؛ فالمقصود من التشريعات الحالية تحقيق جملة من الأهداف التي طالما كانت مطلباً شعبياً رئيسياً، منها أن تكون هنالك روافع في داخل اللعبة السياسية قادرة على استقطاب جيل الشباب وإدماجه، وتصعيد قيادات منهم ومن النساء، وأن تكون العملية السياسية قادرة على احتواء الهويات الفرعية وتغليب المصلحة والهوية الوطنية، من خلال اندماج الناس في برامج ومصالح مشتركة وفقاً للعمل الحزبي، وليس على قواعد عصبية اجتماعية. وأن يكون نادي الوزراء والمسؤولين مرتبطاً بالماكينة السياسية الحزبية، فلا يأتي وزير أو مسؤول ويذهب من دون أن يكون هنالك تفسير واضح لماذا اختير ولماذا انتهى دوره. وهكذا، يكون التنافس العادل السليم بين المواطنين جميعاً في مجال العملين، السياسي والحزبي، متساوياً، وتكون هنالك فرصة لتقديم بدائل وخيارات مختلفة ومتنوعة أمام الجمهور العام، وليست وجبةً واحدةً تقدّمها كل الحكومات مهما تغير الرؤساء والمسؤولون، وحتى لو لم يتغير شيء، يكون لدى الشارع سلطة تغيير الحكومات في كلّ انتخابات، ما يرسّخ مبادئ الحريات والاختيار الحرّ والمساءلة والتمثيل الأفضل للمجتمع في العملية السياسية.
بالضرورة، هنالك عوائق وتحدّيات كبيرة أمام هذا الخطّ السياسي العام؛ سواء جاءت تلك الديناميكيات من داخل "السيستم"، مع الرؤوس الحامية التي ترى دوماً في التغيير خطراً، ولا تريد خسارة مكاسب سلطوية تشكلت بصورة خاطئة خلال العقود الأخيرة، أو من خلال المجتمع الذي تكيّف مع المرحلة السابقة، ويحتاج مساحة من الزمن والجهود للاقتناع بأنّ الأمور تتغير، أو حتى من الأحزاب نفسها التي كانت في مرحلة تجميد قسري مدة طويلة.
بالرغم من ذلك كلّه؛ إذا كانت هنالك خيارات أفضل وواقعية وتشكل بديلاً حقيقياً عن هذا الخطّ، فلنرحب بها، بشرط أن تستبطن الواقعية السياسية وتعدد اللاعبين واختلاف المصالح ومنطق الحلول الوسطى وحالة الشارع، ومن كان يصرّ على الوضع الحالي، فالنتائج أمامه، وإذا لم ينجح هذا الخط القائم، فعلى الأقل هنالك أجر الاجتهاد والمحاولة الصادقة!