Déjà vu فلسطيني
تعبير (ديجا فو deja vu)، متعارف عليه في علم النفس، ويدلّ على مشاهد تمر على الإنسان، ويشعر بأنه سبق له أن رآها في مكان أو زمن ما، لكنه يكون غير قادر على تحديد أين ومتى. حالات تمر على غالبية البشر، إن لم يكن كلهم، يتعاطى بعضهم معها بمنطق علمي بحت، ويرى آخرون فيها إشارات تحذيرية. لكن، بغضّ النظر، فإن من المتعارف عليه أن هذه الحالات تصيب البشر فردياً، أما الإصابة الجماعية فهي لم ترد في أي تفسير علمي أو خرافي، وهو ما يحصل، تماماً، حالياً مع القضية الفلسطينية ومساريْها، الداخلي والخارجي، فهي تكرر مشاهد سبق لجميع الفلسطينيين، والمتابعين للقضية، أن عايشوها بتفاصيلها المملّة، وأحياناً بتكرار المواقف نفسها.
يعاني الفلسطينيون من هذه الظاهرة، منذ سنوات، لكنها بدأت، في السنوات الأخيرة، تتكرر بشكل مبالغ فيه. لنأخذ المصالحة بين حركتي حماس وفتح، على سبيل المثال، فها هو المشهد يعيد نفسه في أكثر من طريقة، ليوصل إلى النهاية نفسها التي وصلت إليها محاولات المصالحة السابقة: اتفاق ثم خلاف سريع يدمر كل ما تم التوافق حوله. لتعود الأمور إلى المربع الأول، ولتبدأ المحاولات من جديد لرأب الصدع الذي لا يبدو أنه سيلتئم قريباً، خصوصاً أن أطرافاً كثيرة باتت تلعب على خطه، سواء في الداخل أو في الخارج.
وإذا كان الفلسطينيون، بعمومهم، قد اعتادوا هذا المشهد المكرر، ولم تعد كل الاحتفالات بإنهاء الانقسام تثير اهتمامهم، فإن مشهداً مكرراً جديداً دخل على مسار قضيتهم. هو المشهد نفسه الذي عاشوه قبل أكثر من أربع سنوات، حين أعلن رئيسهم، محمود عباس، نيته التوجه إلى مجلس الأمن الدولي لنيل الاعتراف بدولة فلسطين. حينها، انتهت الأمور إلى تفاهم باهت وتأجيل للمسعى الفلسطيني، إلى حين إجراء محاولة سياسية جديدة وفق مبادرات أميركية وفرنسية.
المشهد نفسه يتكرر، ولعلّ الفلسطيني، اليوم، يقول لنفسه "سبق أن رأيت هذا الأمر بكل تفاصيله". بالفعل، سبق أن عاش الفلسطينيون هذا المشهد، وإن اختلفت التسمية، فسابقاً كان المشروع اعترافاً دولياً بالدولة الفلسطينية، وتغيير الاسم إلى "مشروع إنهاء الاحتلال" لا يغيّر من واقع أن الفكرتين تحملان المضمون نفسه. لكن الإثارة في تكرار المشهد ليست هنا فقط، بل في التفاصيل، فحين سعى عباس، في المرة الأولى، إلى تقديم المشروع إلى مجلس الأمن، جوبه بمعارضة من الولايات المتحدة التي هددت باستخدام حق النقض، قبل أن يُخرج الرئيس الفرنسي السابق، نيكولا ساركوزي، الحل السحري من جرابه. حل اقتضى تأجيل المشروع الفلسطيني، واقتراح مفاوضات بجدول زمني لعامين، تعلن بعدها الدولة الفلسطينية. وافق عباس على مقترح ساركوزي، وكما بات معلوماً، قادت الولايات المتحدة جهوداً تفاوضية، انتهت إلى مزيد من التعنّت الإسرائيلي ومزيد من الاستيطان.
اليوم، يتكرر الأمر نفسه. ذهب الفلسطينيون إلى مجلس الأمن بمشروع قرار لإنهاء الاحتلال بشكل فوري، خرج الفرنسيون بحل آخر لتأجيل إنهاء الاحتلال عامين، أي لنهاية 2016، في محاولة لتجنّب الفيتو الأميركي في المحفل الدولي، على أن تُبذل خلال هاتين السنتين جهود لحل سياسي "يرضي الطرفين".
السيناريو نفسه، حتى بأطرافه، والنهاية من المؤكد أنها ستكون نفسها أيضاً، فلا المشروع سيطرح على مجلس الأمن، ولا حل سياسياً سيظهر في أفق الحكم اليميني الإسرائيلي، الماضي في مشاريعه ومخططاته تحت أنظار ما يسمى "المجتمع الدولي". مجرد إضاعة للوقت، وملء فراغ الأفق السياسي بمشاريع وهمية، لا تسمن ولا تغني من جوع، فيما سيبقى الفلسطينيون عالقين في دوامة "سبق أن رأينا هذا" إلى وقت ليس قصيراً.