08 نوفمبر 2024
عن أماني الانتفاضة
كثيرون يراقبون باهتمام ما يجري على الساحة الفلسطينية في الأيام الحالية، وفي قلبهم حنين إلى زمن تعود فيه فلسطين القضية المحورية على الساحة العربية، ولا سيما من باب الانتفاضة، أو الهبة الشعبية، كما كان الحال في الانتفاضتين الأولى والثانية. أماني كثيرة بأن يأخذ الحراك في الشارع بعداً أوسع مما هو عليه اليوم، وتختلط فيه السياسة بالنضال الشعبي للخروج من النفق المسدود الذي دخلت فيه القضية الفلسطينية منذ أعوام، ليتم وضع خيارات على الطاولة، تمثل بدائل عن الحالة شبه الانهزامية التي تتعاطى فيها القيادة الفلسطينية مع دولة الاحتلال.
هي أماني إلى الآن، خصوصاً أن اعتبارات كثيرة لا تزال تحول دون تحوّل الحراك الشعبي الفلسطيني إلى انتفاضة واسعة. قد يكون أولها القرار السياسي، والذي كان مساهماً أساسياً في اندلاع الانتفاضتين السابقتين في عهد الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات (أبو عمار) الذي كان أفضل من استخدم ورقة الشارع، ليس في وجه سلطات الاحتلال فحسب، بل في تعاطيه مع المجتمع الدولي بشكل عام، وخصوصاً الرعاة الرسميين لما يسمى عملية السلام.
لا وجود اليوم لمثل هذا القرار السياسي، ولا لشخصية تاريخية مثل أبو عمار. بل ربما على العكس، إذ إن القيادة الفلسطينية الحالية اليوم أبعد ما تكون عن ذهنية عامي 1987 و2000. حتى إن رئيس السلطة، محمود عباس، لا يتوانى عن الإعلان عن رفض تصعيد المواجهة، ويوجه أجهزته الأمنية للقيام بذلك. كما أنه يدعو إلى "وقف العنف"، وكأنه خبير اسكندنافي يراقب ما يحدث في أراضٍ تبعد عنه آلاف الكيلومترات، أو كأن المواجهات لا تتم في فناء بيته. لا يمكن استغراب ما يقوله عباس، باعتباره متصالحاً مع نفسه، فهو لم يكن يوماً غير ذلك، منذ ما قبل توليه رئاسة السلطة، وهو يرفع لواء الحل السياسي فقط لا غير، من دون أي هوامش. حتى مساعيه إلى "إجراءات تصعيدية" في وجه سلطات الاحتلال كانت تمر عبر "المسار السياسي"، ومنها "القنابل" التي يلوح فيها بين حين وآخر، ويجنّد لها الإعلام الداخلي والمسؤولين، قبل أن يتضح في النهاية أنها ليست إلا قنابل صوتية لا تأثير لها.
وفي الطرف الفلسطيني الآخر، لا يبدو الحماس لدى "حماس" كبيراً للدخول في المواجهة الشعبية، أو المساهمة في تصعيدها عسكرياً من قطاع غزة. الحركة الإسلامية، وإن دعت إلى "تعميق الانتفاضة"، كما ذكر بيانها أمس، إلا أنها تبقي دعمها معنوياً إلى الآن، ولها عذر الفصل الجغرافي القائم بين قطاع غزة والضفة الغربية، حيث تدور الأحداث. لكن أيضاً غياب القرار السياسي لدى الحركة، ولأكثر من اعتبار، يمنعها من الدفع لتحويل الهبّة إلى انتفاضة أوسع تشمل كل الأراضي الفلسطينية، بما فيها قطاع غزة.
غير أن القرار السياسي ليس وحده ما يعيق توسع الهبة الشعبية، وتحولها إلى انتفاضة، فحتى المزاج الشعبي الفلسطيني، أو في معظمه، ليس في هذا الوارد، بعدما تم إدخال جزء كبير منه في الدوامة المؤسساتية للسلطة الفلسطينية، وخصوصاً عبر الوظائف والتلزيمات والانتفاعات المباشرة وغير المباشرة، والتي جعلت الفلسطينيين أسرى الدورة الاقتصادية بأشكالها كافة.
إضافة إلى ذلك، لا يمكن إغفال الوضع العربي المحيط، والذي يشكل كابحاً لأي توجّه فلسطيني للتصعيد، خصوصاً في ظل غياب أي نوع من التفاعل العربي مع ما يحدث في الضفة الغربية والقدس المحتلة، سواء على الصعيد الرسمي أو الشعبي، على عكس ما كان عليه الوضع سابقاً، حين كانت فلسطين القضية المحورية للغالبية العربية، حتى وإن اختلفوا على كيفية التعاطي معها. أما اليوم، وفي ظل "وفرة القضايا"، من سورية إلى اليمن مروراً بالعراق وليبيا، وما خلفته من انقسام عربي أفقي وعمودي، لم تعد لفلسطين أولوية في المتابعة والتفاعل.
لكن، على الرغم من ذلك، تبقى الأماني بأن ما تشهده الضفة الغربية والقدس المحتلة يمكن أن ينتج شيئاً يعيد إلى فلسطين مركزيتها وأولوية قضيتها.
هي أماني إلى الآن، خصوصاً أن اعتبارات كثيرة لا تزال تحول دون تحوّل الحراك الشعبي الفلسطيني إلى انتفاضة واسعة. قد يكون أولها القرار السياسي، والذي كان مساهماً أساسياً في اندلاع الانتفاضتين السابقتين في عهد الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات (أبو عمار) الذي كان أفضل من استخدم ورقة الشارع، ليس في وجه سلطات الاحتلال فحسب، بل في تعاطيه مع المجتمع الدولي بشكل عام، وخصوصاً الرعاة الرسميين لما يسمى عملية السلام.
لا وجود اليوم لمثل هذا القرار السياسي، ولا لشخصية تاريخية مثل أبو عمار. بل ربما على العكس، إذ إن القيادة الفلسطينية الحالية اليوم أبعد ما تكون عن ذهنية عامي 1987 و2000. حتى إن رئيس السلطة، محمود عباس، لا يتوانى عن الإعلان عن رفض تصعيد المواجهة، ويوجه أجهزته الأمنية للقيام بذلك. كما أنه يدعو إلى "وقف العنف"، وكأنه خبير اسكندنافي يراقب ما يحدث في أراضٍ تبعد عنه آلاف الكيلومترات، أو كأن المواجهات لا تتم في فناء بيته. لا يمكن استغراب ما يقوله عباس، باعتباره متصالحاً مع نفسه، فهو لم يكن يوماً غير ذلك، منذ ما قبل توليه رئاسة السلطة، وهو يرفع لواء الحل السياسي فقط لا غير، من دون أي هوامش. حتى مساعيه إلى "إجراءات تصعيدية" في وجه سلطات الاحتلال كانت تمر عبر "المسار السياسي"، ومنها "القنابل" التي يلوح فيها بين حين وآخر، ويجنّد لها الإعلام الداخلي والمسؤولين، قبل أن يتضح في النهاية أنها ليست إلا قنابل صوتية لا تأثير لها.
وفي الطرف الفلسطيني الآخر، لا يبدو الحماس لدى "حماس" كبيراً للدخول في المواجهة الشعبية، أو المساهمة في تصعيدها عسكرياً من قطاع غزة. الحركة الإسلامية، وإن دعت إلى "تعميق الانتفاضة"، كما ذكر بيانها أمس، إلا أنها تبقي دعمها معنوياً إلى الآن، ولها عذر الفصل الجغرافي القائم بين قطاع غزة والضفة الغربية، حيث تدور الأحداث. لكن أيضاً غياب القرار السياسي لدى الحركة، ولأكثر من اعتبار، يمنعها من الدفع لتحويل الهبّة إلى انتفاضة أوسع تشمل كل الأراضي الفلسطينية، بما فيها قطاع غزة.
غير أن القرار السياسي ليس وحده ما يعيق توسع الهبة الشعبية، وتحولها إلى انتفاضة، فحتى المزاج الشعبي الفلسطيني، أو في معظمه، ليس في هذا الوارد، بعدما تم إدخال جزء كبير منه في الدوامة المؤسساتية للسلطة الفلسطينية، وخصوصاً عبر الوظائف والتلزيمات والانتفاعات المباشرة وغير المباشرة، والتي جعلت الفلسطينيين أسرى الدورة الاقتصادية بأشكالها كافة.
إضافة إلى ذلك، لا يمكن إغفال الوضع العربي المحيط، والذي يشكل كابحاً لأي توجّه فلسطيني للتصعيد، خصوصاً في ظل غياب أي نوع من التفاعل العربي مع ما يحدث في الضفة الغربية والقدس المحتلة، سواء على الصعيد الرسمي أو الشعبي، على عكس ما كان عليه الوضع سابقاً، حين كانت فلسطين القضية المحورية للغالبية العربية، حتى وإن اختلفوا على كيفية التعاطي معها. أما اليوم، وفي ظل "وفرة القضايا"، من سورية إلى اليمن مروراً بالعراق وليبيا، وما خلفته من انقسام عربي أفقي وعمودي، لم تعد لفلسطين أولوية في المتابعة والتفاعل.
لكن، على الرغم من ذلك، تبقى الأماني بأن ما تشهده الضفة الغربية والقدس المحتلة يمكن أن ينتج شيئاً يعيد إلى فلسطين مركزيتها وأولوية قضيتها.