07 اغسطس 2024
العرب وأزمة الغرب .. وترامب
ليس فوز دونالد ترامب برئاسة أميركا أقل من إعلان دخول الغرب في أزمةٍ طاحنة، سوف تستمر سنوات، وستترك تبعات خطيرة، لا يستطيع أحد حاليا تقديرها، عبر العالم.
ليس ترامب مجرد شعبوي غاضب فاز في انتخابات برلمانية في دولة أوروبية صغيرة. فاز برئاسة أكبر دولة في العالم، بعد قيادته موجة هائلة من العنصرية والكراهية والغضب ضد الآخر، داخل أميركا وخارجها. يمثل فريق ترامب مجموعة من صقور المحافظين في الولايات المتحدة الذين لفظهم الحزب الجمهوري نفسه في سنوات سابقة، بسبب مواقفهم المتشددة.
انتصر ترامب وفريقه في مؤشرٍ على أزمة سياسية عاصفة، تضرب بالولايات المتحدة. فشلت التوجهات الجمهورية التقليدية التي كانت تحافظ على الكراهية والعنصرية، تيارات خافتة داخل أروقة الحزب الجمهوري. فشلت أيضا التيارات الليبرالية التقليدية، بقيادة هيلاري كلينتون، في توفير بديل للناخب الأميركي من خلال المزاوجة بين الصقورية الخارجية والرأسمالية الاقتصادية والأجندة الثقافية الليبرالية، ولم يعد الناخب الأميركي يقبل بالنخب التقليدية في الحزبين.
رفض الناخب الأميركي كل هؤلاء، وانتخب توجهاً عنصرياً استعمارياً، يريد استنزاف ثروات العالم وقمع الأقليات، بدعوى إعادة أمجاد الأميركي الأبيض. وللأسف، ليست هذه الأفكار مقصورة على أميركا، بل جاء فوزها في أميركا بعد صعودها القوي في أوروبا خلال السنوات الأخيرة، وسيدفعها انتصارها، أخيراً، إلى الصعود أكثر في دول أوروبية أخرى.
خلال ستة شهور، شهد العالم اجتياح اليمين المتشدّد أكبر بلدين غربيين، بريطانيا وأميركا، بعد أن صوتت الأولى للخروج من الاتحاد الأوروبي، وصوتت الأخيرة لترامب، وربما يشهد العالم، في الشهور المقبلة، انتصار الحركات نفسها، والتي تسمى اليمين المتشدّد، أو الراديكالي، بمزيد من الدول الأوروبية، كفرنسا وإيطاليا، وربما صعدت بقوة في ألمانيا.
يلخص اليمين الراديكالي أزمة الغرب وعلاقته بالآخر بالداخل والخارج، فهو يعتقد أن أزمة
الغرب هي في المهاجرين والأقليات واتفاقات التجارة الدولية وقيود النظام الدولي، ولا يلتفت كثيراً إلى دور النخب الرأسمالية، ولا إلى غياب العدالة الاقتصادية والاجتماعية، ولا إلى تراجع الديمقراطية وعسكرة السياسة الخارجية. هو يروّج فكرة أن حل مشكلات المواطن الغربي يكمن في منع تدفق الأجانب، والحد من الحريات الممنوحة للأقليات، وفي الضغط على الشعوب الأجنبية، للحصول على نصيب أكبر من الثروة.
لم ينتخب الأميركيون رجل صناعة أو تكنولوجيا، بل انتخبوا رجل عقارات وملاهٍ ليلية، لا يعرف أحد مدى التزامه بدفع الضرائب. اعتقد الناخب الأميركي أن مثل هذا الرجل قادر على إخراجه من أزمته الاقتصادية، من خلال منع المهاجرين وقمع الأقليات والتحلل من التزامات أميركا التجارية، ومطالبة دول العالم بدفع مزيد من الأموال، في مقابل الضمانات الأمنية التي تقدمها الولايات المتحدة.
حدث الشيء نفسه تقريبا في بريطانيا، والتي ما زالت تعيش أزمة سياسيةً واقتصاديةً طاحنة، بعد قرار الخروج من الاتحاد الأوروبي، خسرت العملة البريطانية حوالى 20% من قيمتها، وفقد البريطانيون البوصلة السياسية، وزادت دعوات الانفصال، ولا بد من أن تدخل أميركا أزمة مماثلة، فالحزب الديمقراطي يعيش أزمة طاحنةً بعد خسرانه الكونغرس والرئاسة، وشعور الفقراء الأميركيين بأنه لا يقدم بديلاً، والحزب الجمهوري بات في قبضة اليمين الراديكالي. ولا أحد يعرف تأثير سياسات ترامب على الاقتصاد الأميركي الذي يعيش فترة نقاهة وتعافٍ من الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي ضربته في العام 2008.
اجتياح اليمين الراديكالي للغرب يعني دخول العالم في أزمةٍ طاحنةٍ من الحروب الثقافية والاقتصادية، وربما المسلحة، ستتراجع مطالب الديمقراطية، واحترام المؤسسات الدولية والشراكة السياسية أمام دعاوى المصالح الوطنية الضيقة والقمع الأمني والاستنزاف الاقتصادي للآخرين وانتزاع المزايا والمصالح بالقوة. أمام تلك الهجمة، سيجد العرب أنفسهم في مأزقٍ لا يحسدون عليه، عربدة إسرائيلية، وإطلاق يد للديكتاتوريات، وضغوط أميركية وغربية ثقافية واقتصادية وعسكرية، ومطالب بدفع مزيد من الأموال، في مقابل الحماية الأمنية الأميركية، وربما عقوبات اقتصادية على بعض الدول العربية، كدول الخليج، بدعاوى كقانون جاستا الأميركي، والذي يعطي صعود ترامب دفعةً قويةً له.
في المقابل، يصعب تصور موقف عربي موحد، فالانقسام يسود الدول العربية، ومن المتوقع أن
يرحب بعض العرب، كالنظامين السوري والمصري، بترامب واليمين الغربي، باعتبارهم حلفاء وداعمين لآلة القمع في حق شعوبهم. سيرحب بترامب أيضاً بعض المتطرفين العرب من العلمانيين وأبناء الأقليات، والذين سيرون في ترامب واليمين الراديكالي حليفين ضد خصومهم في التيارات الدينية.
سوف يتمثل المأزق هنا في ضغوط اليمين الراديكالي على بعض دول الخليج الثرية، من أجل استنزاف مزيد من ثرواتها، والحد من نفوذها السياسي، حيث يعادي اليمين الغربي الراديكالي تلك الدول بشكل إيديولوجي راسخ وغير عقلاني. وسيؤدي هذا إلى تكريس الانقسام بين دول يمين عربي مرحب بترامب ونظم عربية يستهدفها ترامب واليمين الغربي الراديكالي. وهنا، تبدو فرص التقارب بين بعض الدول في الخليج وتركيا، كما حدث في السنوات الأخيرة من عهد أوباما، قائمة في مواجهة يمين غربي راديكالي معادٍ للطرفين.
أما الشعوب العربية فستكون مطالبةً، أكثر من أي وقت مضى، بالالتفاف حول أجندات وطنية لا تقع في فخ اليمين الراديكالي الغربي، ولا تنشغل بمبادلته العداء. الشعوب العربية مطالبة بالتركيز على مطالبها الحقيقية في بناء دول تحترم مواطنيها، وتضمن لهم حياة كريمة وحرة، بعيداً عن الاتكال على الغرب، أو الدخول في صراعاتٍ خاسرة مع متشدّديه.
ليس ترامب مجرد شعبوي غاضب فاز في انتخابات برلمانية في دولة أوروبية صغيرة. فاز برئاسة أكبر دولة في العالم، بعد قيادته موجة هائلة من العنصرية والكراهية والغضب ضد الآخر، داخل أميركا وخارجها. يمثل فريق ترامب مجموعة من صقور المحافظين في الولايات المتحدة الذين لفظهم الحزب الجمهوري نفسه في سنوات سابقة، بسبب مواقفهم المتشددة.
انتصر ترامب وفريقه في مؤشرٍ على أزمة سياسية عاصفة، تضرب بالولايات المتحدة. فشلت التوجهات الجمهورية التقليدية التي كانت تحافظ على الكراهية والعنصرية، تيارات خافتة داخل أروقة الحزب الجمهوري. فشلت أيضا التيارات الليبرالية التقليدية، بقيادة هيلاري كلينتون، في توفير بديل للناخب الأميركي من خلال المزاوجة بين الصقورية الخارجية والرأسمالية الاقتصادية والأجندة الثقافية الليبرالية، ولم يعد الناخب الأميركي يقبل بالنخب التقليدية في الحزبين.
رفض الناخب الأميركي كل هؤلاء، وانتخب توجهاً عنصرياً استعمارياً، يريد استنزاف ثروات العالم وقمع الأقليات، بدعوى إعادة أمجاد الأميركي الأبيض. وللأسف، ليست هذه الأفكار مقصورة على أميركا، بل جاء فوزها في أميركا بعد صعودها القوي في أوروبا خلال السنوات الأخيرة، وسيدفعها انتصارها، أخيراً، إلى الصعود أكثر في دول أوروبية أخرى.
خلال ستة شهور، شهد العالم اجتياح اليمين المتشدّد أكبر بلدين غربيين، بريطانيا وأميركا، بعد أن صوتت الأولى للخروج من الاتحاد الأوروبي، وصوتت الأخيرة لترامب، وربما يشهد العالم، في الشهور المقبلة، انتصار الحركات نفسها، والتي تسمى اليمين المتشدّد، أو الراديكالي، بمزيد من الدول الأوروبية، كفرنسا وإيطاليا، وربما صعدت بقوة في ألمانيا.
يلخص اليمين الراديكالي أزمة الغرب وعلاقته بالآخر بالداخل والخارج، فهو يعتقد أن أزمة
لم ينتخب الأميركيون رجل صناعة أو تكنولوجيا، بل انتخبوا رجل عقارات وملاهٍ ليلية، لا يعرف أحد مدى التزامه بدفع الضرائب. اعتقد الناخب الأميركي أن مثل هذا الرجل قادر على إخراجه من أزمته الاقتصادية، من خلال منع المهاجرين وقمع الأقليات والتحلل من التزامات أميركا التجارية، ومطالبة دول العالم بدفع مزيد من الأموال، في مقابل الضمانات الأمنية التي تقدمها الولايات المتحدة.
حدث الشيء نفسه تقريبا في بريطانيا، والتي ما زالت تعيش أزمة سياسيةً واقتصاديةً طاحنة، بعد قرار الخروج من الاتحاد الأوروبي، خسرت العملة البريطانية حوالى 20% من قيمتها، وفقد البريطانيون البوصلة السياسية، وزادت دعوات الانفصال، ولا بد من أن تدخل أميركا أزمة مماثلة، فالحزب الديمقراطي يعيش أزمة طاحنةً بعد خسرانه الكونغرس والرئاسة، وشعور الفقراء الأميركيين بأنه لا يقدم بديلاً، والحزب الجمهوري بات في قبضة اليمين الراديكالي. ولا أحد يعرف تأثير سياسات ترامب على الاقتصاد الأميركي الذي يعيش فترة نقاهة وتعافٍ من الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي ضربته في العام 2008.
اجتياح اليمين الراديكالي للغرب يعني دخول العالم في أزمةٍ طاحنةٍ من الحروب الثقافية والاقتصادية، وربما المسلحة، ستتراجع مطالب الديمقراطية، واحترام المؤسسات الدولية والشراكة السياسية أمام دعاوى المصالح الوطنية الضيقة والقمع الأمني والاستنزاف الاقتصادي للآخرين وانتزاع المزايا والمصالح بالقوة. أمام تلك الهجمة، سيجد العرب أنفسهم في مأزقٍ لا يحسدون عليه، عربدة إسرائيلية، وإطلاق يد للديكتاتوريات، وضغوط أميركية وغربية ثقافية واقتصادية وعسكرية، ومطالب بدفع مزيد من الأموال، في مقابل الحماية الأمنية الأميركية، وربما عقوبات اقتصادية على بعض الدول العربية، كدول الخليج، بدعاوى كقانون جاستا الأميركي، والذي يعطي صعود ترامب دفعةً قويةً له.
في المقابل، يصعب تصور موقف عربي موحد، فالانقسام يسود الدول العربية، ومن المتوقع أن
سوف يتمثل المأزق هنا في ضغوط اليمين الراديكالي على بعض دول الخليج الثرية، من أجل استنزاف مزيد من ثرواتها، والحد من نفوذها السياسي، حيث يعادي اليمين الغربي الراديكالي تلك الدول بشكل إيديولوجي راسخ وغير عقلاني. وسيؤدي هذا إلى تكريس الانقسام بين دول يمين عربي مرحب بترامب ونظم عربية يستهدفها ترامب واليمين الغربي الراديكالي. وهنا، تبدو فرص التقارب بين بعض الدول في الخليج وتركيا، كما حدث في السنوات الأخيرة من عهد أوباما، قائمة في مواجهة يمين غربي راديكالي معادٍ للطرفين.
أما الشعوب العربية فستكون مطالبةً، أكثر من أي وقت مضى، بالالتفاف حول أجندات وطنية لا تقع في فخ اليمين الراديكالي الغربي، ولا تنشغل بمبادلته العداء. الشعوب العربية مطالبة بالتركيز على مطالبها الحقيقية في بناء دول تحترم مواطنيها، وتضمن لهم حياة كريمة وحرة، بعيداً عن الاتكال على الغرب، أو الدخول في صراعاتٍ خاسرة مع متشدّديه.