01 نوفمبر 2024
هي نكبة أخرى
"هي هجرةٌ أخرى، فلا تذهبْ تماما
في ما تفتَّحَ من ربيعِ الأرضِ، في ما فجَّر الطيرانُ فينا
من ينابيعٍ. ولا تذهبْ تماما
في شظايانا لتبحث عن نبيٍّ فيكَ ناما".
حين كتب الشاعر الفلسطيني الراحل، محمود درويش، هذه المقاطع من قصيدة "مديح الظل العالي" كان يسعى إلى توصيف حال الفلسطينيين في يوم الخروج من بيروت، بعد الاجتياح الإسرائيلي عام 1982. غير أنه من الواضح أن هذه العبارات باتت صالحةً لأكثر من هذه الحالة. ربما في الأساس تصلح لوصف النكبة الفلسطينية الأولى والتهجير الجماعي لمئات الآلاف من مدنهم وقراهم. ولاحقاً، تتماشى هذه العبارات مع النكبات الفلسطينية المتلاحقة.
لكن هذا الكلام اليوم، وبعد ما نشاهده في حلب على الهواء مباشرة، لم يعد حكراً على الفلسطينيين. ولم تعد النكبة مرتبطةً فقط بالمشاهد التي وصلت إلينا بالتواتر أو بالصور القليلة للخروج من الأرض. من الواضح أن ما نراه الآن على الشاشة في حلب يمثل هذه الصور، ولكن، بشكلٍ متحرك وملون هذه المرة، على عكس الصور الجامدة التي وصلتنا من النكبة الأولى.
---
"هي هجرةٌ أُخرى
إلى ما لستُ أَعرفُ
ألفُ سهم ٍ
شد خاصرتي ليدفعني أماما".
هو الخروج نفسه إلى المجهول مرة أخرى، كما كان الحال الفلسطيني في بيروت عام 1982، وهو ما يصفه درويش في القصيدة نفسها. مقطع يمكن إسقاطه بكل سهولة على الواقع السوري بشكل عام، وعلى الحالة الحلبية الأخيرة بشكل خاص. فما بعد الحصار الطويل والتجويع والتعطيش، وما رافقه من قصف بالبراميل ومن طائرات السوخوي، جاء "تفاهم التهجير" ليكرّس حلب مدينة محتلة من قبل الإيرانيين بالدرجة الأولى، وهو ما أظهرته صور تجوال قاسم سليماني في الأحياء الحلبية المهجرة، برفقة ضابط سوري. صور حاول بعضهم ربطها بتجوال أرييل شارون في بيروت، وموشيه ديان في القدس بعد احتلالها في عام 1967.
قد يكون هناك معطى واضح للمقارنة في الشكل. لكن، في المضمون، الفرق واضح وشاسع. فإذا كانت النظرة إلى إسرائيل باعتبارها قوة احتلال جامعة على المستوى العربي، فإن التعاطي مع إيران محل انقسام في الشارع العربي الذي يرى عديدون من مثقفيه في احتلال حلب "تحريراً" لها. تحرير ربما من أهلها الذين لا تتوافق انتماءاتهم، وخصوصاً الدينية، مع ما يؤمن به هذا المثقف أو ذاك، وهم الذين ينادون بالتعددية وحرية الخيار. لكنها حرية تقف عند حدود معينة في ما يرونه "مؤامرة كونية" ضد "النظام الممانع"، والذي يصادف أن تتحالف كل القوى الإمبريالية لبقائه ودعمه على حساب شعبه.
---
"هي هجرةٌ أُخرى
فلا تكتب وصيتكَ الأخيرةَ والسلاما.
سَقَطَ السقوطُ، وأنت تعلو
فكرةً
ويداً
وشاما".
ما نراه في حلب بالتأكيد هو نكبة عربية أخرى، لكنها لن تكون النهاية، فكما استولدت النكبة الفلسطينية حالات مقاومة ولجوء ومطالبة بالحقوق على مدى نحو سبعين عاماً، فإن الوضع السوري اليوم مفتوح على احتمالات واسعة، وغضب مكبوت سيعود للانفجار. ويخطئ من يظن أن ما حدث في حلب هو نهاية، إذ قد لا يكون إلا مجرد بداية.
في ما تفتَّحَ من ربيعِ الأرضِ، في ما فجَّر الطيرانُ فينا
من ينابيعٍ. ولا تذهبْ تماما
في شظايانا لتبحث عن نبيٍّ فيكَ ناما".
حين كتب الشاعر الفلسطيني الراحل، محمود درويش، هذه المقاطع من قصيدة "مديح الظل العالي" كان يسعى إلى توصيف حال الفلسطينيين في يوم الخروج من بيروت، بعد الاجتياح الإسرائيلي عام 1982. غير أنه من الواضح أن هذه العبارات باتت صالحةً لأكثر من هذه الحالة. ربما في الأساس تصلح لوصف النكبة الفلسطينية الأولى والتهجير الجماعي لمئات الآلاف من مدنهم وقراهم. ولاحقاً، تتماشى هذه العبارات مع النكبات الفلسطينية المتلاحقة.
لكن هذا الكلام اليوم، وبعد ما نشاهده في حلب على الهواء مباشرة، لم يعد حكراً على الفلسطينيين. ولم تعد النكبة مرتبطةً فقط بالمشاهد التي وصلت إلينا بالتواتر أو بالصور القليلة للخروج من الأرض. من الواضح أن ما نراه الآن على الشاشة في حلب يمثل هذه الصور، ولكن، بشكلٍ متحرك وملون هذه المرة، على عكس الصور الجامدة التي وصلتنا من النكبة الأولى.
---
"هي هجرةٌ أُخرى
إلى ما لستُ أَعرفُ
ألفُ سهم ٍ
شد خاصرتي ليدفعني أماما".
هو الخروج نفسه إلى المجهول مرة أخرى، كما كان الحال الفلسطيني في بيروت عام 1982، وهو ما يصفه درويش في القصيدة نفسها. مقطع يمكن إسقاطه بكل سهولة على الواقع السوري بشكل عام، وعلى الحالة الحلبية الأخيرة بشكل خاص. فما بعد الحصار الطويل والتجويع والتعطيش، وما رافقه من قصف بالبراميل ومن طائرات السوخوي، جاء "تفاهم التهجير" ليكرّس حلب مدينة محتلة من قبل الإيرانيين بالدرجة الأولى، وهو ما أظهرته صور تجوال قاسم سليماني في الأحياء الحلبية المهجرة، برفقة ضابط سوري. صور حاول بعضهم ربطها بتجوال أرييل شارون في بيروت، وموشيه ديان في القدس بعد احتلالها في عام 1967.
قد يكون هناك معطى واضح للمقارنة في الشكل. لكن، في المضمون، الفرق واضح وشاسع. فإذا كانت النظرة إلى إسرائيل باعتبارها قوة احتلال جامعة على المستوى العربي، فإن التعاطي مع إيران محل انقسام في الشارع العربي الذي يرى عديدون من مثقفيه في احتلال حلب "تحريراً" لها. تحرير ربما من أهلها الذين لا تتوافق انتماءاتهم، وخصوصاً الدينية، مع ما يؤمن به هذا المثقف أو ذاك، وهم الذين ينادون بالتعددية وحرية الخيار. لكنها حرية تقف عند حدود معينة في ما يرونه "مؤامرة كونية" ضد "النظام الممانع"، والذي يصادف أن تتحالف كل القوى الإمبريالية لبقائه ودعمه على حساب شعبه.
---
"هي هجرةٌ أُخرى
فلا تكتب وصيتكَ الأخيرةَ والسلاما.
سَقَطَ السقوطُ، وأنت تعلو
فكرةً
ويداً
وشاما".
ما نراه في حلب بالتأكيد هو نكبة عربية أخرى، لكنها لن تكون النهاية، فكما استولدت النكبة الفلسطينية حالات مقاومة ولجوء ومطالبة بالحقوق على مدى نحو سبعين عاماً، فإن الوضع السوري اليوم مفتوح على احتمالات واسعة، وغضب مكبوت سيعود للانفجار. ويخطئ من يظن أن ما حدث في حلب هو نهاية، إذ قد لا يكون إلا مجرد بداية.