08 نوفمبر 2024
كلام رئاسة
قد لا تكون هذه المرة الأولى التي يخرج فيها الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، بكلامٍ لا يليق أن يصدر عن رئيس لجمهورية بحجم مصر، سواء بالنسبة للدور أو الموقع أو التاريخ. لكن الأمور، هذه المرة، وصلت إلى درجة عالية من الانحدار في أثناء تعاطيه مع شأن عام وقضية قومية، على غرار مسألة جزيرتي تيران وصنافير وترسيم الحدود مع السعودية. الأمر لا علاقة له بأحقية من في هذه الجزر، ولا بما إذا كانت هاتان المنطقتان هما بالأساس أراض سعودية أو مصرية، بل بكيفية إدارة مثل هذا الأمر ومخاطبة الشعب، أو الشريحة الكبيرة من الشعب، المعترضة على إعلان تبعية الجزيرتين، والذي خرج مفاجئاً بالنسبة إلى المصريين والسعوديين على حد سواء، من دون أية مقدمات.
حملات واسعة انطلقت في مصر بين مؤيد ومعارض للإجراء أو الترسيم، منها من هو مع والأغلب كان معارضاً، وخصصت وسوم عدة للمسألة التي باتت الشغل الشاغل للرأي العام المصري، ووصلت إلى حد توزيع الاتهامات بالخيانة. مثل هذه الحالة كانت تستدعي من الرئيس المصري التوجه إلى الشعب بخطابٍ منطقي وشفاف، لتوضيح المسألة من بدايتها إلى نهايتها، التي جاءت مع زيارة العاهل السعودي، سلمان بن عبد العزيز، القاهرة.
هذا ما كان يجب أن يحصل، وربما كان من شأن هذا الأمر، في حال حدوثه، تخفيف حدة الاحتقان بعد إعطاء إجاباتٍ صريحة وواضحة عن الترسيم وآلياته والسنوات التي استغرقها، إضافة إلى الغوص في التاريخ المفترض لملكية هاتين الجزيرتين، إلا أن ما حصل كان مختلفاً تماماً، فالرئيس المصري خرج على الجماهير بكلمةٍ ليست شعبوية، بل أقل من ذلك بكثير. ربما هي خليط بين الشعبوية المفرطة جداً والديكتاتورية واضحة المعالم، ولا سيما عندما أصدر ما يشبه الأمر بعدم الكلام في الموضوع مجدداً، قائلاً "أرجو إن الموضوع ده ما نتكلمش فيه تاني".
كيف يكون ذلك، وعلى أي أساس؟ لم يكلّف "الرئيس" نفسه عناء تقديم مثل هذه الإجابات، بل ذهب أبعد كثيراً في شعبويته، مقدّماً درساً أخلاقياً بعدم الطمع بما لدى الآخرين، مستمداً مما تعلمه من والدته، حين قال: "ما تبصش للي في إيد حد، ده إلى علمتني ياه والدتي". هكذا، وبهذه البساطة، يتم التعاطي مع مسألةٍ على هذه الدرجة من الحساسية بالنسبة إلى قطاع واسع من الشارع المصري، وحتى العربي الذي تفاعل مع الحملات المضادة لترسيم الحدود. بداية الطلب عدم الكلام في الموضوع، ثم لوم المتحدثين في الأمر ووصمهم بـ "الطمع".
الأمور لم تقف عند هذا الحد، بل زادت بمهاجمة الشعب المصري بأكمله، أو الأصوات المعارضة، وحتى ما يتم التداول به على شبكات التواصل الاجتماعي التي هدّد بالتعاطي معها عسكرياً عبر القول "أنا ممكن بكتيبتين أدخل على النت وأعملها دائرة مقفولة والإعلاميين ياخدوا أخبار وشغل منها".
هذه عيّنة من كلام الرئاسة في القضايا ذات الأبعاد القومية المصرية، أو التي تهم شريحة واسعة من المصريين. عيّنة يمكن أن تضاف إليها أمثلة كثيرة، خصوصاً في التعاطي بالشأن الداخلي، والذي لم يستطع المصريون أن يأخذوا منه حقاً ولا باطلاً. فالسيسي كثير الكلام عن الإنجازات التي قام بها، والتي أشار في كلمته الأخيرة إلى أنها في دول أخرى لا يمكن أن يتم إنجازها في عشرين عاماً، غير أنه فضل عدم تسمية أي من هذه الإنجازات "عشان أهل الشر"، أي الحسد. وهذه ليست المرة الأولى التي يتحدث فيها بهذا السياق، بل كرّره في أكثر من مناسبة.
مثل هذا الكلام، وغيره كثير، من المؤكد أنه لا يليق أن يتحدّث به أي مسؤول أو متعاطٍ في الشأن العام، لكنه في مصر، للأسف، "كلام رئاسة".
حملات واسعة انطلقت في مصر بين مؤيد ومعارض للإجراء أو الترسيم، منها من هو مع والأغلب كان معارضاً، وخصصت وسوم عدة للمسألة التي باتت الشغل الشاغل للرأي العام المصري، ووصلت إلى حد توزيع الاتهامات بالخيانة. مثل هذه الحالة كانت تستدعي من الرئيس المصري التوجه إلى الشعب بخطابٍ منطقي وشفاف، لتوضيح المسألة من بدايتها إلى نهايتها، التي جاءت مع زيارة العاهل السعودي، سلمان بن عبد العزيز، القاهرة.
هذا ما كان يجب أن يحصل، وربما كان من شأن هذا الأمر، في حال حدوثه، تخفيف حدة الاحتقان بعد إعطاء إجاباتٍ صريحة وواضحة عن الترسيم وآلياته والسنوات التي استغرقها، إضافة إلى الغوص في التاريخ المفترض لملكية هاتين الجزيرتين، إلا أن ما حصل كان مختلفاً تماماً، فالرئيس المصري خرج على الجماهير بكلمةٍ ليست شعبوية، بل أقل من ذلك بكثير. ربما هي خليط بين الشعبوية المفرطة جداً والديكتاتورية واضحة المعالم، ولا سيما عندما أصدر ما يشبه الأمر بعدم الكلام في الموضوع مجدداً، قائلاً "أرجو إن الموضوع ده ما نتكلمش فيه تاني".
كيف يكون ذلك، وعلى أي أساس؟ لم يكلّف "الرئيس" نفسه عناء تقديم مثل هذه الإجابات، بل ذهب أبعد كثيراً في شعبويته، مقدّماً درساً أخلاقياً بعدم الطمع بما لدى الآخرين، مستمداً مما تعلمه من والدته، حين قال: "ما تبصش للي في إيد حد، ده إلى علمتني ياه والدتي". هكذا، وبهذه البساطة، يتم التعاطي مع مسألةٍ على هذه الدرجة من الحساسية بالنسبة إلى قطاع واسع من الشارع المصري، وحتى العربي الذي تفاعل مع الحملات المضادة لترسيم الحدود. بداية الطلب عدم الكلام في الموضوع، ثم لوم المتحدثين في الأمر ووصمهم بـ "الطمع".
الأمور لم تقف عند هذا الحد، بل زادت بمهاجمة الشعب المصري بأكمله، أو الأصوات المعارضة، وحتى ما يتم التداول به على شبكات التواصل الاجتماعي التي هدّد بالتعاطي معها عسكرياً عبر القول "أنا ممكن بكتيبتين أدخل على النت وأعملها دائرة مقفولة والإعلاميين ياخدوا أخبار وشغل منها".
هذه عيّنة من كلام الرئاسة في القضايا ذات الأبعاد القومية المصرية، أو التي تهم شريحة واسعة من المصريين. عيّنة يمكن أن تضاف إليها أمثلة كثيرة، خصوصاً في التعاطي بالشأن الداخلي، والذي لم يستطع المصريون أن يأخذوا منه حقاً ولا باطلاً. فالسيسي كثير الكلام عن الإنجازات التي قام بها، والتي أشار في كلمته الأخيرة إلى أنها في دول أخرى لا يمكن أن يتم إنجازها في عشرين عاماً، غير أنه فضل عدم تسمية أي من هذه الإنجازات "عشان أهل الشر"، أي الحسد. وهذه ليست المرة الأولى التي يتحدث فيها بهذا السياق، بل كرّره في أكثر من مناسبة.
مثل هذا الكلام، وغيره كثير، من المؤكد أنه لا يليق أن يتحدّث به أي مسؤول أو متعاطٍ في الشأن العام، لكنه في مصر، للأسف، "كلام رئاسة".