08 نوفمبر 2024
صورة عمران
ست وثلاثون ثانية أعادت اختصار المأساة السورية وتقديمها للعالم من جديد. ثوانٍ جلس خلالها الطفل عمران في سيارة الإسعاف في حلب صامتاً، وقد غطّاه الدم والركام، بعد غارة من طيران النظام والروس على منزله في المدينة. لم يبك، لم يصرخ، ربما علم أن لا فائدة ترتجى من ذلك، قرّر الصمت والتفرّج علينا، نحن المتفرّجين المصدومين من هول المشهد. اكتفى بالنظر إلى الكاميرا المصوّبة باتجاهه، محاولاً تبيان ما حصل معه، وكيف وصل إلى المكان الذي هو فيه.
صدمة عمران حرّكت الإعلام العالمي، واشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي بالفيديوهات المنقولة عن كبرى وسائل الإعلام، وعن المذيعين الذين يبكون على حال الطفل الصامت. موجة من التفاعل لن تستمر أكثر من أيام، سيغيب بعدها مشهد الطفل عن التداول، تماماً كما نُسيت صور الكثير من الأطفال والبالغين الذين لفظوا أنفاسهم تحت الأنقاض أم بفعل الغارات الجوية أو التفجيرات الانتحارية. أيام أو أسابيع قد تمضي قبل أن يعود الإعلام ليتذكر المأساة السورية عبر صورة لطفل آخر، أو مشهد رعب آخر. هكذا كان الحال حين ظهرت صورة جثة الطفل إيلان على الشاطئ التركي، أو وجه تلك الطفلة الخارج من تحت الأنقاض في حلب، وأخيراً صدمة عمران.
سلسلة من الصور تختصر مخاطر الحياة لدى السوريين، بين البقاء في البلاد أو مغامرة الفرار عبر البحر. في الحالتين، المأساة واحدة. إيلان كان جزءاً من مشهد يعبر عن وضع الذين حاولوا النجاة بأنفسهم من الجحيم السوري. هو لا يشير فقط إلى أولئك الكثر الذين ابتلعتهم مياه البحر المتوسط، بل حتى الذين وصلوا إلى بر الأمان، ولم يجدوا هناك أماناً، فغرقوا في متاهة معاناة جديدة تأخذ شكلاً مختلفاً. إيلان الغريق الذي هزت صورته العالم، هو جزء صغير من مشهد أوسع لم تلتقطه عدسات الكاميرات، وبقي مخفياً خلف الكواليس. هناك سوء حظ رافق آلاف الغرقى الذين لم يتسنَّ لهم تسجيل موتهم عبر وسائل الإعلام، وبالتالي نيل التعاطف المؤقت من العالم. هم ماتوا ومروا في الإعلام كأرقام ليس أكثر. الأمر نفسه بالنسبة إلى مئات آلاف اللاجئين الذين لم يوثّق الإعلام نحيبهم وهم يحاولون تخطي الحدود باتجاه ما كانوا يظنونه برّ أمان. قليلون فقط كانوا محظوظين، وحظوا بقدر من التعاطف أيضاً.
إذا كان هذا حال من تمكنوا من الخروج، أو حاولوا ذلك، فإن وضع من هم في الداخل أسوأ كثيراً، ولا سيما أن الكاميرات الصحافية محدودة، وبالتالي فالتغطية قاصرة. صورة عمران قد تكون استثناء في مشهد متفجر من كل صوب. ربما يكون التركيز في المرحلة الأخيرة على حلب باعتبارها ساحة معركة الحسم، لكن الموت السوري لم يقف عن حدود الشهباء، فهو متنقل بين بلدة وأخرى، من إدلب إلى منبج، وغيرها كثر من المناطق. موت بأشكال متعددة، أيضاً لم يأخذ حصته من التفاعل العالمي.
عمران لا شك محظوظ، بالنظر إلى آلاف الأطفال السوريين الآخرين. هو أولاً تمكن من النجاة من الغارة الهمجية التي استهدفت منزله، وكانت له الصورة التي باتت من الأشهر في سورية. مثل هذا الأمر لم يتأمن للكثير من الأطفال الآخرين الذين أيضاً مروا في الإعلام كأرقام بدون الكثير من الدموع العربية والعالمية. الدموع اقتصرت على أحبائهم ومن يعرفهم.
هذا الحال سيستمر طالما بقيت المحرقة السورية قائمة. محرقة أصبحت شبه منسية من قبل العالم الذي استيقظ الآن مصدوماً على مشهد عمران، وكأنه لا يعلم بأن أطفالاً كثيرين آخرين يسقطون يومياً في سورية وغيرها. صدمة ستذوي مع الوقت، على عكس المأساة التي لا تتوقف عن التوسع.
صدمة عمران حرّكت الإعلام العالمي، واشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي بالفيديوهات المنقولة عن كبرى وسائل الإعلام، وعن المذيعين الذين يبكون على حال الطفل الصامت. موجة من التفاعل لن تستمر أكثر من أيام، سيغيب بعدها مشهد الطفل عن التداول، تماماً كما نُسيت صور الكثير من الأطفال والبالغين الذين لفظوا أنفاسهم تحت الأنقاض أم بفعل الغارات الجوية أو التفجيرات الانتحارية. أيام أو أسابيع قد تمضي قبل أن يعود الإعلام ليتذكر المأساة السورية عبر صورة لطفل آخر، أو مشهد رعب آخر. هكذا كان الحال حين ظهرت صورة جثة الطفل إيلان على الشاطئ التركي، أو وجه تلك الطفلة الخارج من تحت الأنقاض في حلب، وأخيراً صدمة عمران.
سلسلة من الصور تختصر مخاطر الحياة لدى السوريين، بين البقاء في البلاد أو مغامرة الفرار عبر البحر. في الحالتين، المأساة واحدة. إيلان كان جزءاً من مشهد يعبر عن وضع الذين حاولوا النجاة بأنفسهم من الجحيم السوري. هو لا يشير فقط إلى أولئك الكثر الذين ابتلعتهم مياه البحر المتوسط، بل حتى الذين وصلوا إلى بر الأمان، ولم يجدوا هناك أماناً، فغرقوا في متاهة معاناة جديدة تأخذ شكلاً مختلفاً. إيلان الغريق الذي هزت صورته العالم، هو جزء صغير من مشهد أوسع لم تلتقطه عدسات الكاميرات، وبقي مخفياً خلف الكواليس. هناك سوء حظ رافق آلاف الغرقى الذين لم يتسنَّ لهم تسجيل موتهم عبر وسائل الإعلام، وبالتالي نيل التعاطف المؤقت من العالم. هم ماتوا ومروا في الإعلام كأرقام ليس أكثر. الأمر نفسه بالنسبة إلى مئات آلاف اللاجئين الذين لم يوثّق الإعلام نحيبهم وهم يحاولون تخطي الحدود باتجاه ما كانوا يظنونه برّ أمان. قليلون فقط كانوا محظوظين، وحظوا بقدر من التعاطف أيضاً.
إذا كان هذا حال من تمكنوا من الخروج، أو حاولوا ذلك، فإن وضع من هم في الداخل أسوأ كثيراً، ولا سيما أن الكاميرات الصحافية محدودة، وبالتالي فالتغطية قاصرة. صورة عمران قد تكون استثناء في مشهد متفجر من كل صوب. ربما يكون التركيز في المرحلة الأخيرة على حلب باعتبارها ساحة معركة الحسم، لكن الموت السوري لم يقف عن حدود الشهباء، فهو متنقل بين بلدة وأخرى، من إدلب إلى منبج، وغيرها كثر من المناطق. موت بأشكال متعددة، أيضاً لم يأخذ حصته من التفاعل العالمي.
عمران لا شك محظوظ، بالنظر إلى آلاف الأطفال السوريين الآخرين. هو أولاً تمكن من النجاة من الغارة الهمجية التي استهدفت منزله، وكانت له الصورة التي باتت من الأشهر في سورية. مثل هذا الأمر لم يتأمن للكثير من الأطفال الآخرين الذين أيضاً مروا في الإعلام كأرقام بدون الكثير من الدموع العربية والعالمية. الدموع اقتصرت على أحبائهم ومن يعرفهم.
هذا الحال سيستمر طالما بقيت المحرقة السورية قائمة. محرقة أصبحت شبه منسية من قبل العالم الذي استيقظ الآن مصدوماً على مشهد عمران، وكأنه لا يعلم بأن أطفالاً كثيرين آخرين يسقطون يومياً في سورية وغيرها. صدمة ستذوي مع الوقت، على عكس المأساة التي لا تتوقف عن التوسع.