07 اغسطس 2024
الإسلاموفوبيا... مشكلة بنيوية عالمية
من الخطأ التعامل مع الهجوم على مسجدي نيوزيلندا، والذي راح ضحيته عشرات المصلين، باعتباره حدثا فرديا، أو حدثا يرتبط فقط بصعود موجة العداء ضد المسلمين في نيوزيلندا أو في بعض الدول الغربية، خلال السنوات الأخيرة، فالإسلاموفوبيا، بوصفها إحدى صور العنصرية، ترتبط بنظام عالمي أكبر، ينشرها ويبرّرها، ويضمن لها الاستمرار والظهور في تجليات مختلفة.
قتل عشرات آلاف السوريين، في العقد الأخير، في مجازر ارتكبها النظام السوري المستبد بدعم من روسيا وإيران، في ظل صمت دولي، كما سجن آلاف المصريين بلا محاكمات تذكر، وقتل واختفى منهم مئات في الشوارع في ظل صمت دولي، وقتل صحافي سعودي مرموق أثناء زيارته قنصلية بلاده في الخارج، من دون عقاب حتى الآن، ويعيش اليمن على وقع حرب أهلية لا ترحم، ومأساة إنسانية قد تعد الأسوأ في العالم، وتعيش ليبيا حربا أهلية ممتدة تحت نظر العالم. أما الشعب الفلسطيني فيعيش تحت أحد أسوأ نظم الاحتلال الحديثة منذ عقود، حيث يحتمي الاحتلال بدعم القوى الدولية المختلفة، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، والتي ينحاز رئيسها المنتخب حاليا، بشكل مطلق تقريبا، لإحدى أكثر حكومات إسرائيل تشددا.
ما يربط تلك المآسي بحادثة نيوزيلندا أنها ترتبط بالظاهرة نفسها، ظاهرة التمييز ضد المسلمين والعرب، باعتبارهم شعوبا متشدّدة، لا تستحق الحقوق الإنسانية نفسها التي تحظى بها الشعوب الأخرى التي تعيش في أمن وسلام. وهي رسالة يرددها بوضوح قادة النظم العربية الاستبدادية، قبل بنيامين نتنياهو ودونالد ترامب وقادة اليمين الغربي المتطرّف، فلا يتوقف الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، عن تحذير الغرب، في مؤتمراته الصحافية المشتركة، من أنه حمى مصر من خطر "الدولة الدينية"، ومن أنه يسعى إلى "إصلاح الفكر الإسلامي"، وأن المصريين يعيشون مراحل تطور مختلفة، ولا يبحثون عن الحقوق نفسها التي ينعم بها الغربيون. أما ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، فيقدّم نفسه مصلحا دينيا، يدخل الترفيه وقيادة النساء السيارة إلى بلاده لمكافحة التطرف الفكري والثقافي الذي تعيش فيه. ولا يتوقف المسؤولون الإماراتيون، وبقية قادة قوى الثورة المضادة في العالم العربي، عن التخويف من "الإسلاميين" المتشدّدين المعادين للغرب. وهي الرسالة نفسها التي يتبناها بنيامين نتنياهو، فلكي يدعم احتلال إسرائيل أراضي الفلسطينيين المضطهدين إلى أقصى حد، والذين لا يمتلكون دعما يُذكر لاستعادة أراضيهم، وحقوقهم المسلوبة في ظل اختلال موازين القوى الدولية ضدهم، يعمل نتنياهو باستمرار على بناء صورة استدعائية للفلسطينيين، ترسّخ الكراهية والعداء لهم، باعتبارهم شعوبا غير ساعية إلى الأمن والأمان والسلام.
ومنذ عقود، وبروباغندا إسرائيل والنظم العربية في الغرب تقوم على التخويف من "التشدّد
الديني" في الغرب، لذا لمّا قامت الثورات العربية لم تفعل الدول الغربية ما يُذكر لدعمها، خوفا من أن تلوث سمعتها بالتعامل مع القوى الدينية التي فازت في الانتخابات. ولما انقضّت قوى الثورة المضادة على تلك الجماعات وشعوبها، لم يفعل الغرب ما يذكر لوقف هذا الهجوم، متناسين أن النظم الاستبدادية العربية وإسرائيل تحاربان أي بديل، ولو علماني، وأنهما تزرعان التخلف والتشدد، زرعا بتدميرهما لمقومات الشعوب، وبنيتها التعليمية والثقافية والسياسية التي تمسح بنمو ثقافة الحريات والتعدّدية والتسامح.
أما أكثر ما أزعج النظم الغربية فكان وصول مئات الآلاف من المهاجرين المسلمين والعرب والأفارقة إلى أراضيها، فالمطلوب هو بقاء تلك الشعوب بعيدا، تعاني على أراضيها، وأن لا تصل إلى الدول الغربية. لذا تحرّكت النظم الأوروبية لتمد يد العون للديكتاتوريات، وتطلب منها المساعدة في القضاء على المشكلة التي أوجدتها من البداية، ولسان حال الدول الأوروبية يقول للنظم العربية: نحن آسفون، أدركنا خطأنا، لن نفكر في دعم معارضيكم مرة أخرى، حتى لا تفتحوا أبواب اللاجئين الهاربين من جحيمكم، ليتدفقوا إلى بلادنا.
وخلال كل هذه المآسي، لم يتوقف تصدير الأسلحة بالمليارات إلى العالم العربي، والذي بات مستودعا لأسلحة العالم، ولإنعاش شركاته الاقتصادية، في مقابل الحماية، كما ذكر الرئيس الأميركي اليميني المتشدّد، دونالد ترامب، بوضوح، في حديثه عن سياسة إدارته تجاه السعودية؛ حيث كرّر مطالبته العلانية السعودية بدفع مزيد من الأموال، في صورة عقود لشراء الأسلحة والاستثمار في أميركا، والمشاريع الاقتصادية المشتركة في مقابل الحماية، ولم يتردّد في التأكيد على أن مصالح أميركا في السعودية تمنعها من اتخاذ موقفٍ حازمٍ تجاه مقتل جمال خاشقجي. لذا، سارع الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، المدعوم من قوى الثورة العربية المضادة وإسرائيل، إلى توقيع بعض صفقات الأسلحة والطاقة والتكنولوجيا الضخمة مع الدول الأوروبية، بعد استيلائه على السلطة في انقلاب عسكري، راح ضحيته المئات، وسجن عشرات الآلاف، في نظير أن تفتح أمامه أبواب العواصم الغربية مجدّدا.
وللسبب نفسه، تمارس دول، كبريطانيا وفرنسا، حاليا ضغوطا على دولةٍ كألمانيا، لرفع الحظر
على تصدير الأسلحة إلى السعودية، بسبب حرب اليمن، لأن الحظر يؤثر على صادرات أسلحتها المشتركة إلى السعودية والإمارات، بغض النظر عن المآسي الناتجة من الحرب، والتي لم تفعل الدول الغربية الكثير لوقفها، كما لا تفعل أميركا الكثير لحل مشكلات المنطقة والدول الحليفة لها، والتي تتصارع مع بعضها، وتستورد منها منفردةً أسلحةً بالمليارات كل عام.
ولا يجب هنا الخلط بين النظم والمجتمعات الغربية، فالأخيرة ضحية للنخب نفسها أو البنى الدولية الظالمة. المواطن الغربي ضحية غسيل الدماغ الذي تمارسه وسائل الإعلام الغربية اليمينية المرتبطة بمصالح الأثرياء والنخب، وضحية الظروف الاقتصادية الصعبة داخل الدول الغربية نفسها مع توحش الرأسمالية، والتي قلصت الخدمات، من تعليم وصحة ورعاية حكومية، في أكبر المدن الغربية وأثراها، حيث تزيد أعداد من ينامون في الشوارع بلا مأوى، وتزداد معدلات الفقر والجريمة. كما نقلت النخب الرأسمالية الجشعة ثرواتها إلى الخارج، لاستثمارها في مشاريع تدر ربحا أعلى، وتدفع ضرائب أقل، في وقت تشجع دخول العمالة الرخيصة المدربة إلى بلادها، من دون أن تهتم بتأهيل مواطنيها بشكل كاف.
كل هذه التناقضات البنيوية تجعل الفئات المهمشة والرخوة في المجتمعات الغربية بيئة خصبة للأفكار المتشدّدة التي تبرر بنية النظام الدولي الظالمة من ناحية، وتنشغل بالهجوم على الأقليات
والمهاجرين من ناحية أخرى. وهكذا تنتشر الإسلاموفوبيا، وحوادث التمييز ضد المسلمين داخل المجتمعات الغربية، وتعمى الأبصار عن حقيقة الظلم الواقع على المجتمعات العربية والإسلامية، والمجتمعات الغربية ذاتها، ولا يلتفت المستضعفون على الجانبين للظلم البنيوي الذي يتعرّضون له، وينشغلون، في المقابل، بعداء بعضهم بعضا.
الإسلاموفوبيا هي أحد مظاهر العنصرية الحديثة، لا تختلف كثيرا عن تهميش الفقراء في المدن، وعن العداء للمهاجرين والأجانب والأقليات المستضعفة المختلفة، ولا تختلف أيضا عن الاستبداد والثورات المضادة والاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية. هي جزء من نظام دولي ظالم.
وبناء عليه، لا يجب فصل مكافحة الإسلاموفوبيا عن الصراعات المختلفة التي يخوضها العالم، من أجل حياة أفضل لشعوبه. مكافحة الإسلاموفوبيا لن تتحقق من دون نشر الديمقراطية في العالم العربي، وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي لأرض الفلسطينيين، وتقليل الفجوة بين الأغنياء والفقراء في العالم، وبناء نظام عالمي أكثر قدرة على نشر السلام والحد من تجارة السلاح والاستغلال الاقتصادي، ودعم جهود إعادة اكتشاف الديمقراطية والحريات ومواجهة اليمين المتطرّف داخل المجتمعات الغربية نفسها. وهذا يعني أن معركة المسلمين ضد الإسلاموفوبيا جزء من كفاح الإنسانية من أجل عالم أفضل. وليست معركةً منعزلةً، يخوضها المسلمون وحدهم ضد خصمٍ بعينه.
قتل عشرات آلاف السوريين، في العقد الأخير، في مجازر ارتكبها النظام السوري المستبد بدعم من روسيا وإيران، في ظل صمت دولي، كما سجن آلاف المصريين بلا محاكمات تذكر، وقتل واختفى منهم مئات في الشوارع في ظل صمت دولي، وقتل صحافي سعودي مرموق أثناء زيارته قنصلية بلاده في الخارج، من دون عقاب حتى الآن، ويعيش اليمن على وقع حرب أهلية لا ترحم، ومأساة إنسانية قد تعد الأسوأ في العالم، وتعيش ليبيا حربا أهلية ممتدة تحت نظر العالم. أما الشعب الفلسطيني فيعيش تحت أحد أسوأ نظم الاحتلال الحديثة منذ عقود، حيث يحتمي الاحتلال بدعم القوى الدولية المختلفة، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، والتي ينحاز رئيسها المنتخب حاليا، بشكل مطلق تقريبا، لإحدى أكثر حكومات إسرائيل تشددا.
ما يربط تلك المآسي بحادثة نيوزيلندا أنها ترتبط بالظاهرة نفسها، ظاهرة التمييز ضد المسلمين والعرب، باعتبارهم شعوبا متشدّدة، لا تستحق الحقوق الإنسانية نفسها التي تحظى بها الشعوب الأخرى التي تعيش في أمن وسلام. وهي رسالة يرددها بوضوح قادة النظم العربية الاستبدادية، قبل بنيامين نتنياهو ودونالد ترامب وقادة اليمين الغربي المتطرّف، فلا يتوقف الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، عن تحذير الغرب، في مؤتمراته الصحافية المشتركة، من أنه حمى مصر من خطر "الدولة الدينية"، ومن أنه يسعى إلى "إصلاح الفكر الإسلامي"، وأن المصريين يعيشون مراحل تطور مختلفة، ولا يبحثون عن الحقوق نفسها التي ينعم بها الغربيون. أما ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، فيقدّم نفسه مصلحا دينيا، يدخل الترفيه وقيادة النساء السيارة إلى بلاده لمكافحة التطرف الفكري والثقافي الذي تعيش فيه. ولا يتوقف المسؤولون الإماراتيون، وبقية قادة قوى الثورة المضادة في العالم العربي، عن التخويف من "الإسلاميين" المتشدّدين المعادين للغرب. وهي الرسالة نفسها التي يتبناها بنيامين نتنياهو، فلكي يدعم احتلال إسرائيل أراضي الفلسطينيين المضطهدين إلى أقصى حد، والذين لا يمتلكون دعما يُذكر لاستعادة أراضيهم، وحقوقهم المسلوبة في ظل اختلال موازين القوى الدولية ضدهم، يعمل نتنياهو باستمرار على بناء صورة استدعائية للفلسطينيين، ترسّخ الكراهية والعداء لهم، باعتبارهم شعوبا غير ساعية إلى الأمن والأمان والسلام.
ومنذ عقود، وبروباغندا إسرائيل والنظم العربية في الغرب تقوم على التخويف من "التشدّد
أما أكثر ما أزعج النظم الغربية فكان وصول مئات الآلاف من المهاجرين المسلمين والعرب والأفارقة إلى أراضيها، فالمطلوب هو بقاء تلك الشعوب بعيدا، تعاني على أراضيها، وأن لا تصل إلى الدول الغربية. لذا تحرّكت النظم الأوروبية لتمد يد العون للديكتاتوريات، وتطلب منها المساعدة في القضاء على المشكلة التي أوجدتها من البداية، ولسان حال الدول الأوروبية يقول للنظم العربية: نحن آسفون، أدركنا خطأنا، لن نفكر في دعم معارضيكم مرة أخرى، حتى لا تفتحوا أبواب اللاجئين الهاربين من جحيمكم، ليتدفقوا إلى بلادنا.
وخلال كل هذه المآسي، لم يتوقف تصدير الأسلحة بالمليارات إلى العالم العربي، والذي بات مستودعا لأسلحة العالم، ولإنعاش شركاته الاقتصادية، في مقابل الحماية، كما ذكر الرئيس الأميركي اليميني المتشدّد، دونالد ترامب، بوضوح، في حديثه عن سياسة إدارته تجاه السعودية؛ حيث كرّر مطالبته العلانية السعودية بدفع مزيد من الأموال، في صورة عقود لشراء الأسلحة والاستثمار في أميركا، والمشاريع الاقتصادية المشتركة في مقابل الحماية، ولم يتردّد في التأكيد على أن مصالح أميركا في السعودية تمنعها من اتخاذ موقفٍ حازمٍ تجاه مقتل جمال خاشقجي. لذا، سارع الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، المدعوم من قوى الثورة العربية المضادة وإسرائيل، إلى توقيع بعض صفقات الأسلحة والطاقة والتكنولوجيا الضخمة مع الدول الأوروبية، بعد استيلائه على السلطة في انقلاب عسكري، راح ضحيته المئات، وسجن عشرات الآلاف، في نظير أن تفتح أمامه أبواب العواصم الغربية مجدّدا.
وللسبب نفسه، تمارس دول، كبريطانيا وفرنسا، حاليا ضغوطا على دولةٍ كألمانيا، لرفع الحظر
ولا يجب هنا الخلط بين النظم والمجتمعات الغربية، فالأخيرة ضحية للنخب نفسها أو البنى الدولية الظالمة. المواطن الغربي ضحية غسيل الدماغ الذي تمارسه وسائل الإعلام الغربية اليمينية المرتبطة بمصالح الأثرياء والنخب، وضحية الظروف الاقتصادية الصعبة داخل الدول الغربية نفسها مع توحش الرأسمالية، والتي قلصت الخدمات، من تعليم وصحة ورعاية حكومية، في أكبر المدن الغربية وأثراها، حيث تزيد أعداد من ينامون في الشوارع بلا مأوى، وتزداد معدلات الفقر والجريمة. كما نقلت النخب الرأسمالية الجشعة ثرواتها إلى الخارج، لاستثمارها في مشاريع تدر ربحا أعلى، وتدفع ضرائب أقل، في وقت تشجع دخول العمالة الرخيصة المدربة إلى بلادها، من دون أن تهتم بتأهيل مواطنيها بشكل كاف.
كل هذه التناقضات البنيوية تجعل الفئات المهمشة والرخوة في المجتمعات الغربية بيئة خصبة للأفكار المتشدّدة التي تبرر بنية النظام الدولي الظالمة من ناحية، وتنشغل بالهجوم على الأقليات
الإسلاموفوبيا هي أحد مظاهر العنصرية الحديثة، لا تختلف كثيرا عن تهميش الفقراء في المدن، وعن العداء للمهاجرين والأجانب والأقليات المستضعفة المختلفة، ولا تختلف أيضا عن الاستبداد والثورات المضادة والاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية. هي جزء من نظام دولي ظالم.
وبناء عليه، لا يجب فصل مكافحة الإسلاموفوبيا عن الصراعات المختلفة التي يخوضها العالم، من أجل حياة أفضل لشعوبه. مكافحة الإسلاموفوبيا لن تتحقق من دون نشر الديمقراطية في العالم العربي، وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي لأرض الفلسطينيين، وتقليل الفجوة بين الأغنياء والفقراء في العالم، وبناء نظام عالمي أكثر قدرة على نشر السلام والحد من تجارة السلاح والاستغلال الاقتصادي، ودعم جهود إعادة اكتشاف الديمقراطية والحريات ومواجهة اليمين المتطرّف داخل المجتمعات الغربية نفسها. وهذا يعني أن معركة المسلمين ضد الإسلاموفوبيا جزء من كفاح الإنسانية من أجل عالم أفضل. وليست معركةً منعزلةً، يخوضها المسلمون وحدهم ضد خصمٍ بعينه.