يثير بيان مجلس شورى حركة النهضة، المنعقد في دورته الثالثة والثلاثين، عدداً من الردود والتأويلات، وخصوصاً أنّه دعا أنصار النهضة والمنتسبين اليها لاختيار من يرونه الأصلح لرئاسة تونس، وناشد قيادة الحركة، البحث عن الصيغ الملائمة لاستثمار نهج التوافق والتشارك الذي سلكته مع شركائها في المرحلة السابقة. وإذا كان البعض اعتبر أنّ النهضة لم تغيّر موقفها السابق بدعوة منخرطيها إلى اختيار الرئيس الحالي المنصف المرزوقي، الحليف الاستراتيجي لحركة النهضة، لكنّ آخرين قالوا إنّ البيان لم ينصّ صراحة على مرشّح بعينه، بل هو تفويض للأنصار، ليختاروا ما يرونه مناسباً.
وفي سياق متّصل، يقول القيادي في حزب "نداء تونس"، النائب عبد العزيز القطي، لـ"العربي الجديد"، إنّ "البيان لا يختلف كثيراً عن البيانات السابقة، كما أنّ موقف النهضة هو تقريباً موقفها ذاته في الدور الأول"، معرباً عن اعتقاده بأنّ "النهضة تساند وبكل ما لديها من قوة المرزوقي". ويرى أنّ "المرزوقي هو بالفعل مرّشح حركة النهضة، وهذا الأمر لا يخفى على أحد"، لكنه يوضح في الوقت ذاته، أنّ "النهضة لا تستطيع أن تدلي برأيها صراحة ومن دون مغالطات". ويضيف: "اعتدنا هذه الأساليب والبيانات من حركة النهضة، وهي الأساليب ذاتها، التي استعملتها في الحديث عن وزراء مستقلين، إبان تكوين الحكومة"، مشيراً إلى أنّه "تبيّن لاحقاً أنّهم ينتمون إلى حركة النهضة، كوزير العدل السابق نذير بن عمّو، ووزير التشغيل السابق نوفل الجمّالي، اللذين ترشحا بعد ذلك عن حركة النهضة في الانتخابات التشريعيّة".
وفي السياق ذاته، يذهب القطي إلى حدّ اعتبار أنّ "دعوة النهضة لاختيار نهج توافقي وتشاركي هو مجرّد محاولة لاقتلاع موقع داخل الحكومة المقبلة، تحت راية المصلحة الحزبيّة والتشارك، لأنّ حركة النهضة تريد أن تكون في موقع القرار"، مضيفاً "هذا لا يعني أننا نرفض التشاور والتشارك وخصوصاً أنّ تونس للجميع".
بدوره، يشير القيادي في "نداء تونس"، نور الدين بن نتيشة، إلى أنّه "كان بإمكان النهضة أن تكون صريحة وألا تطيل المشاورات بعقد مجالس الشورى، الواحد تلو الآخر"، مشبّهاً ما يحصل بـ"المسلسل الذي نعرف نهايته قبل بدايته". ويعتبر أنّ حزبه يدرك منذ البدء أنّ "منافس الباجي قائد السبسي في الانتخابات الرئاسيّة هو حركة النهضة، لأنها ببساطة تقف وراء المرزوقي".
ويستبعد القيادي في الجبهة الشعبية زياد الأخضر، أن تكون "النهضة" قد غيّرت موقفها. ويقول لـ"العربي الجديد": "موقف النهضة الأخير هو تقريباً موقفها الأول ذاته، والمتأمل في الصراع الحاصل والضغط الشديد داخل حركة النهضة حول دعم مرشح الانتخابات الرئاسية، يعرف أنّها تصبّ في اتجاه دعم المرزوقي". ويرى أنّه "لا يمكن أن يُفهم البيان، إلا بكونه دعوة إلى التصويت للمرزوقي"، مشدّداً على أنّ "الغموض مقصود، فالبيان يقول شيئاً والموقف هو دائماً شيء آخر".
ويصرّ الأخضر على أنّ "الحديث عن التشارك والتوافق مقترن بالاستحقاق الحكومي وبتشكيل الحكومة، وخصوصاً أنّ النهضة لا تريد أن تكون خارج الحكومة"، لافتاً إلى أنّ "هناك أغلبيّة ضاغطة داخل حركة النهضة، في حين أنّ للقيادة الممثلة في المكتب التنفيذي ورئيس الحركة رأي آخر، وهو ما أدّى إلى هذا البيان الذي يراوح بين هذا وذاك في محاولة للتوفيق".
من جهته، يعتبر القيادي في حزب "المؤتمر"، سمير بن عمر لـ"العربي الجديد"، أنّ "المكتب السياسي لحزب المؤتمر لم يدرس بعد بيان حركة النهضة"، موضحاً أنّ "قراءته الشخصيّة تذهب في اتجاه أنّ لكل حزب الحريّة في اتخاذ الموقف الذي يراه مناسباً حول الشخصيّة التي يريد دعمها خلال الدور الثاني للرئاسية". ويقول بن عمر: "تقتضي الديمقراطية أن نقبل الاختلاف والتنوع"، ويلاحظ أنّ "النهضة أبقت على موقفها السابق نفسه ولم تغيره وحافظت على الاختيار ذاته"، لافتاً إلى أنّ "هذا الأمر يرفع الحرج عن حركة النهضة". ولا يتردد في الإشارة إلى أنّ "الصفات التي دعت إليها حركة النهضة في بيانها، تتوفّر في شخص المرزوقي وليس في مرشّح آخر يسعى إلى التغوّل وإعادة المنظومة القديمة"، لافتاً الى أن الدعوة للتشارك تعبّر عن المعايير ذاتها التي حدّدتها النهضة في بياناتها السابقة، لناحية التأكيد على ضرورة التوافق والتوزان والدفاع عن الحريات".
وفي موازاة إشارته إلى أنّ "التوافق خيار تسعى إليه كل الأطراف السياسية، ولا يمكن لأي طرف ومهما كان أن يحكم بمفرده"، يوضح أنّ المرزوقي شدّد بدوره في خطاب ألقاه أول من أمس، في قبة المنزه، على هذه المعاني ذاتها، وهي التوافق مع الأغلبية"، مؤكداً أنّ "جلّ الأحزاب تتفق على هذا التوجّه الضروري لإنجاح المرحلة المقبلة".
في المقابل، يرفض القيادي البارز في "حركة النهضة"، عبد الحميد الجلاصي، لـ"العربي الجديد" تحميل البيان أكثر ممّا يحتمل. ويقول إنّه "تضمّن دعوة للمنتسبين والأنصار، لاختيار الرئيس الأصلح والأنسب"، مشدداً على "وضوح مضمونه ودقّته". ويؤكّد أنّ "النهضة لم تقدّم أي مرشّح، وبالتالي هي لا تُصنّف وراء أي مرّشح، ومن هنا دعوتها المنخرطين فيها، إلى انتخاب المرشح الأكثر قدرة على خدمة البلاد"، معتبراً أنّ "الدعوة إلى التشارك والتوافق هي من ثوابت حركة النهضة، وإحدى استراتيجياتها لخدمة مصلحة البلاد".
ويرى أنه "بغضّ النظر عن الانتخابات الرئاسيّة، فإنّ بلادنا تواجه صعوبات كبيرة ونلاحظ أنّ المنطقة ككلّ تمرّ بتقلّبات عدّة ومحاولات ارتداد، مما قد يقود إلى حروب أهلية، هذا بالإضافة إلى خطر الإرهاب وهو ما يستدعي التوافق بين كل القوى السياسية". ويتابع: "لهذا اعتبرنا أنّ شكل الحكم يجب أن يضمّ كل القوى الاجتماعية والسياسيّة والاقتصادية". ويشدد على "استعداد النهضة لمقاربة تشاركية، ولأن تلعب دور المعارضة لو اقتضت مصلحة البلاد ذلك".