مرر الكونغرس الأميركي بمجلسيه أخيراً مشروع قرار يحثّ على وضع استراتيجية أميركية لوقف إنتاج المخدرات والاتجار بها في مناطق سيطرة النظام السوري، وتفكيك الشبكات المرتبطة به، ما قد يشدد الخناق على نظام بشار الأسد مالياً وسياسياً، وخاصة في ظل الأزمات الاقتصادية التي تتصاعد في مناطق سيطرته.
وقال الصحافي السوري محمد الجزار لـ"العربي الجديد" إن "هذه الخطوة مهمة للغاية، لأنها تضع نظام الأسد مجدداً تحت المجهر الدولي، وهذه المرة من بوابة إنتاج المخدرات التي يشمل خطرها عدداً كبيراً من دول العالم، خلافاً لجرائمه الأخرى التي يتأذى منها الشعب السوري وحده تقريباً، من ناحية القتل والتدمير والاعتقال والنهب".
وأوضح أن "التضييق الاقتصادي على موارد النظام غير المشروعة، مع انعدام أو ضعف موارده المشروعة، سيفاقم من محنته الاقتصادية التي تنفجر هذه الأيام بشكل خاص، عبر أزمات متلاحقة تصيب مجمل مناطق النظام، بدءاً من الأزمة المستديمة في التيار الكهربائي، مروراً بتدهور قيمة العملة المحلية وارتفاع الأسعار، وصولاً إلى أزمة الوقود التي تكاد تشل الحركة العامة في البلاد".
ولفت الجزار إلى أن تشديد المراقبة على إنتاج وترويج المخدرات في سورية، ومنع وصولها إلى خارج الحدود، لا بد أن يتضمن التنسيق مع دول الجوار، وخاصة الأردن الذي يعاني أكثر من غيره، نظراً لأنه يمثل طريق العبور البري نحو دول الخليج.
ولا يستبعد المتحدث ذاته إمكانية توجيه ضربات جوية لمعامل أو مراكز مفترضة لتصنيع المخدرات في مجمل الأراضي السورية، أو اغتيال شخصيات مرتبطة بهذا النشاط، وفق ما فعلت الولايات المتحدة في سنوات سابقة مع بعض زعماء المخدرات في أميركا الجنوبية.
وإضافة إلى تشديد الرقابة على الحدود البرية، قد نشهد أيضاً، وفق الجزار، مراقبة أكثر صرامة للموانئ السورية، وهو ما قد يتخلله عمليات تفتيش لبعض السفن القادمة أو المغادرة لهذه الموانئ، ومن بينها السفن الإيرانية التي تزود النظام بالنفط.
وقال الكونغرس في بيان أمس الأول الخميس، إن قانون مكافحة تجارة المخدرات التي يتزعم تجارتها بشار الأسد، قد اعتُمِد ضمن مشروع قانون ميزانية الدفاع الوطني للسنة المالية المقبلة.
وكان مجلس النواب قد مرر مشروع القرار الأسبوع الماضي، وقبله مجلس الشيوخ، في انتظار وصوله إلى الرئيس الأميركي جو بايدن، لتوقيعه وإصداره، وبذلك تصبح إدارته ملزمة بتطبيقه.
وينص مشروع القرار الذي قدّمه مشرعون ديمقراطيون وجمهوريون، على أن الاتجار بمخدر الكبتاغون المرتبط بنظام الأسد "يشكل تهديداً عابراً للحدود"، ويدعو إدارة بايدن إلى تطوير وتطبيق استراتيجية "لتفكيك شبكات الاتجار التابعة للنظام السوري".
ووفق مشروع القانون المسمى "تعطيل وتفكيك شبكات إنتاج المخدرات والاتجار بها المرتبطة بنظام الأسد"، يتعين على وزارات الدفاع والخارجية والخزانة الأميركية، وإدارة مكافحة المخدرات، والاستخبارات الوطنية، والوكالات الفيدرالية ذات الصلة، أن تقدم خلال مدة لا تتجاوز ستة أشهر (180 يوما) استراتيجية مكتوبة إلى لجان الكونغرس ذات الصلة، تتضمن كيفية تعطيل وتفكيك إنتاج المخدرات والاتجار بها، والشبكات التابعة للنظام السوري التي تدعم بشكل مباشر أو غير مباشر عملية تصنيع المخدرات.
كذلك يطلب الدعم الدبلوماسي والاستخباراتي لهذا القانون ومساندة الدول الشريكة أو المتضررة من مخدرات الأسد من خلال التشاور معها أو مساعدة أجهزتها المعنية وتدريبها، إضافة إلى تنظيم حملة إعلامية عامة لتسليط الضوء على ارتباط نظام الأسد بتجارة المخدرات غير المشروعة.
ماذا يعني للنظام وقف هذه التجارة؟
وخلال السنوات الماضية، رصدت تقارير إعلامية وبحثية عدة أماكن لإنتاج المخدرات في سورية وخاصة الكبتاغون والجهات التي تقف خلفها وحجم الإنتاج وآليات تصريفه محلياً وخارجياً، ومدى اعتماد نظام الأسد على عوائد المخدرات، بعد عقد من الحرب تخللته انهيارات أساسية في بنيته الاقتصادية، وتراجع عوائد القطاعات التقليدية المدرة للدخل، وخاصة النفط.
وقدر تقرير لمؤسسة "المجلس الأطلسي" البحثية الأميركية قبل أشهر القيمة السوقية للكبتاغون المنتج في مناطق سيطرة النظام عام 2020 بنحو 3.5 مليارات دولار، أي خمسة أضعاف قيمة الصادرات المشروعة للبلاد، وهي عائدات المخدرات في سورية التي يستحوذ عليها الموالون للنظام الذين يسيطرون على المصانع، وعمليات التسويق، بالتعاون مع "حزب الله" اللبناني.
كذلك، قدرت تقارير نشرتها صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية نهاية العام الماضي وصحيفة "دير شبيغل" الألمانية منتصف العام الجاري، أن عوائد المخدرات على نظام الأسد وصلت إلى 5.7 مليارات دولار عام 2021 وحده.
ووفق الصحيفتين، فإن رموز النظام متورطون في تجارة المخدرات التي تتجاوز الحدود السورية، وخاصة "الفرقة الرابعة" التي يقودها ماهر الأسد، شقيق بشار الأسد.
وكان الصحافي السوري المتابع لهذا الملف فؤاد عبد العزيز، قد قال في وقت سابق لـ"العربي الجديد"، إن تجارة المخدرات ليست جديدة في سورية، لكن البلاد ظلت حتى قبل عام 2011 بلد عبور للمخدرات، وليست منتجاً رئيسياً لها. وأضاف أنه منذ عام 2013، ومع بدء ظهور التصدعات في اقتصاد النظام نتيجة الحرب، بدأ اقتصاد المخدرات يتنامى تدريجاً برعاية مباشرة من جانب أجهزة الأمن و"الفرقة الرابعة"، التي استحوذت لاحقاً على الحصة الكبرى من هذه التجارة.