يبدو أن ملف المصالحة الفلسطينية سيعود إلى الطريق المسدود من جديد، بعدما أعلنت السلطة الفلسطينية استئناف العلاقات بشكلٍ رسمي مع الاحتلال الإسرائيلي، وعودة العلاقة المدنية والأمنية إلى ما كانت عليه قبل شهر مايو/أيار الماضي. وكانت السلطة أعلنت قبل أشهر وقف التنسيق مع إسرائيل بـ"كافة أشكاله"، احتجاجاً على عدم التزام الاحتلال بالاتفاقيات الثنائية، وتوسع الاستيطان، وخطط الضمّ، فضلاً عن خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب للسلام، والتي تهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية. كما رفضت منذ ذلك الحين تسلم أموال الضرائب التي تجبيها إسرائيل بالإنابة عنها (المقاصة).
تعرض لقاء بين "فتح" و"حماس" في القاهرة لانتكاسة عقب إعلان السلطة
وتعرض لقاء ثنائي بين حركتي "حماس" و"فتح"، عقد مساء أول من أمس الثلاثاء في القاهرة، لانتكاسة، عقب إعلان عودة التنسيق الأمني بين السلطة والاحتلال. وعلى الرغم من خروج اللقاء ببيان (لم ينشره موقع "حماس" الرسمي على الإنترنت، ولم يوزع كالعادة على وسائل الإعلام)، يعلن عن تفاهمات حول عددٍ من النقاط الخلافية، إلا أنه لم يذكر تفاصيل هذه التفاهمات، مع الاتفاق على استكمال اللقاءات بين الحركتين في الفترة المقبلة. وأصدرت حركتا "فتح" و"حماس" بياناً مقتضباً حمل صياغة دبلوماسية تبقي الباب مفتوحاً لاستئناف الحوارات لاحقاً، إذ لم يتم التطرق لطبيعة الملفات التي جرى التباحث فيها.
وكان ملف المصالحة بين "فتح" و"حماس" قد شهد تقدماً على نحو مفاجئ منذ سبتمبر/أيلول الماضي، ربما نتيجة تغيير مسؤولي هذا الملف في كلتا الحركتين، وهو أحد العوامل التي ساعدت على التفاؤل المحدود هذه المرة.
ومع إعلان السلطة الرسمي استئناف علاقتها بالاحتلال، تسارعت ردود الفعل الفلسطينية والفصائلية الرافضة لهذا القرار، والذي تزامن مع لقاءات "فتح" و"حماس" في القاهرة، أملاً في الوصول إلى خارطة طريق تنفذ على الأرض. وفي أعقاب الإعلان عن عودة التنسيق الأمني، هاجمت "حماس" السلطة الفلسطينية نظراً لموقفها الذي رأت فيه ضربة لكل محاولات بناء الشراكة الوطنية وإنجاز مصالحة داخلية، فيما رأت حركة "الجهاد الإسلامي" والجبهتان الشعبية والديمقراطية، أن ما حصل ينسف كل الجهود وينقلب على مخرجات لقاء الأمناء العامين وقرارات المجلسين المركزي والوطني لمنظمة التحرير.
أما إعلامياً، فيبدو أن مسلسل التراشق بين الأطراف لن يتأخر كثيراً، خصوصاً بعد الانتقادات التي وجهت للسلطة، في الوقت الذي سارع فيه أنصار حركة "حماس" عبر منصات التواصل الاجتماعي لشن هجوم لاذع ضد "فتح" والرئيس الفلسطيني محمود عباس تحديداً.
وعوّل البعض خلال الفترة الماضية بدرجة متدنية من التفاؤل على إمكانية نجاح الجهود الرامية لتحقيق الوحدة الوطنية والذهاب نحو انتخابات تشريعية ورئاسية، تعيد تجديد الشرعيات الفلسطينية وتمنحهم حق اختيار حكومة جديدة تحلّ أزماتهم. ولا يُستبعد أن تشهد الفترة المقبلة مزيداً من التراجع والانتكاسات في العلاقات الداخلية بين الفصائل، إذ يخشى أنصار "حماس" و"الجهاد الإسلامي" من أن يعزز استئناف التنسيق الأمني في الضفة الغربية عودة عمليات الملاحقة والاعتقال بحقهم.
في الأثناء، يعتبر أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأزهر بغزة، مخيمر أبو سعدة، أن ما حصل لم يكن مستبعداً كثيراً، خصوصاً مع ظهور نتائج الانتخابات الأميركية التي تمنح المرشح الديمقراطي جو بايدن سدّة الحكم في البيت الأبيض لأربع سنوات مقبلة. ويرى أبو سعدة، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن ملف المصالحة سيدخل في نفق مظلم من جديد، خصوصاً بعد بيان "حماس" الذي هاجم ودان استئناف العلاقة مع إسرائيل. واعتبر أنه سيكون من الصعب على الأطراف الخارجية، مثل مصر، أو حتى الداخلية، مثل (مسؤولي ملف المصالحة الجديدين في "فتح" و"حماس") جبريل الرجوب وصالح العاروري، أن ينعشوا الملف.
ويستبعد أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأزهر موافقة "حماس" على المصالحة في ظلّ التنسيق الأمني وعودة العلاقة مع إسرائيل بعد فترة من التجميد استمرت لأكثر من ستة أشهر، وحديث عن التحرر والتحلل من الاتفاقيات السابقة. ووفق أبو سعدة، فإن إعادة العلاقات مع إسرائيل بشكلٍ رسمي، ستعيد ملف المصالحة إلى الصفر. ولفت إلى أن هذا الملف كان يتعامل معه من قبل "فتح" و"حماس" بشكل تكتيكي على مدار سنوات الانقسام الداخلي منذ العام 2007.
يخشى أنصار "حماس" و"الجهاد الإسلامي" عودة عمليات الملاحقة والاعتقال بحقهم
من جهته، يقول الكاتب والمحلل السياسي طلال عوكل، إن ملف المصالحة شهد خلال الفترة الماضية تحركاً على خلفية تقييم سياسي متعلق بـ"صفقة القرن" ووجود ترامب (الذي خسر معركة تجديد ولايته في الانتخابات الرئاسية الأخيرة) في البيت الأبيض. ويوضح عوكل، لـ"العربي الجديد"، أن ملف المصالحة لم يكن معزولاً عن الأرضية السياسية، مضيفاً أن الإعلان المفاجئ من السلطة عن استئناف العلاقة مع إسرائيل، يقطع الطريق على استكمال الحوارات مع حركة "حماس" بشكل كامل. ويشير إلى أن ما جرى يعكس رغبة استمرار السلطة في نهجها السياسي الحالي، الذي تختلف معه حركة "حماس" والفصائل الأخرى، وبالتالي ما يجري الآن هو عودة للمراهنة على حقبة جو بايدن واستئناف المفاوضات مع إسرائيل.
ويتوقع الكاتب والمحلل السياسي أن تشهد الفترة المقبلة العودة إلى المناخ السلبي الذي كان سائداً قبل فتح قناة الحوارات بين "فتح" و"حماس" من خلال الرجوب والعاروري، وعودة التراشق الإعلامي وتبادل الاتهامات بين كلا التنظيمين. ويرى عوكل أن السلطة استجابت للرسائل الإسرائيلية في توقيت غير مناسب تزامن مع حوارات ولقاءات المصالحة، فيما كان توقيت التدخل الإسرائيلي ناجحاً في وقف محاولات رأب الصدع الفلسطيني والتوجه نحو تحقيق الوحدة.