لا يكاد يتراجع التوتر والتصعيد في الشمال السوري بين "الجيش الوطني" المعارض من جهة، وبين "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) من جهة أخرى، حتى يتجدد، على الرغم من تداخل مصالح الطرفين بين منطقتي نفوذهما، حيث ينشط التبادل التجاري عبر معابر تربط بين هاتين المنطقتين.
تسلّل واشتباكات بين "قسد" و"الجيش الوطني"
ووفق مصادر محلية متقاطعة تحدثت لـ"العربي الجديد"، فقد قُتل وأصيب 22 عنصراً على الأقل فجر أمس الاثنين ومساء أول من أمس الأحد، من عناصر "الجيش الوطني السوري" المعارض، جراء هجوم وقصف من قوات "قسد" التي نفذت تسللاً إلى موقع تابع لفصيل "أحرار الشام - القاطع الشرقي" في محور قرية عبلة بناحية الباب شمال شرقي حلب.
قوات "قسد" نفذت تسللاً إلى موقع تابع لفصيل "أحرار الشام - القاطع الشرقي" شرقي حلب
وقالت المصادر إن اشتباكات اندلعت بين الطرفين أدت إلى مقتل وإصابة عدد من عناصر هذا الفصيل، مشيرة إلى أن "قسد" استخدمت الصواريخ المحمولة والرشّاشات المتوسطة في عملية الهجوم مستغلة وعورة المنطقة. وتزامنت عملية التسلّل مع قصفٍ مدفعي وصاروخي لقوات النظام السوري على محور عبلة، ما أسفر عن مقتل 8 عناصر من "أحرار الشام"، وإصابة 6 آخرين، نُقلوا إلى المستشفى الجديد في مدينة الباب.
وهذه ليست المرة الأولى التي تنفذ فيها "قسد" عمليات تسلل إلى مناطق سيطرة الجيش الوطني في ريف حلب الشمالي الذي يشهد بين فترة وأخرى اشتباكات بين الطرفين، آخرها كان في التاسع من شهر سبتمبر/أيلول الحالي.
من جهته، قال "المرصد السوري لحقوق الإنسان" إن مجموعة تطلق على نفسها اسم "قوات تحرير عفرين"، هي من نفذت عملية التسلل، عقب اشتباكات بين مجموعات داخل فصيل "أحرار الشام- القاطع الشرقي" في ريف الباب شمال شرقي حلب. ويُنظر إلى هذا الفصيل على أنه ذراع "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً) في مناطق سيطرة فصائل "الجيش الوطني" بريف حلب الشمالي والشمالي الشرقي، إلا أنه انقسم أخيراً إلى مجموعتين، الأولى قطعت الصلة مع الهيئة وانضمت إلى "الجيش الوطني"، أما الثانية ما تزال مرتبطة بالهيئة وتنسق معها بمعزل عن هذا الجيش.
دور للجولاني في الفوضى الأمنية
وكان "الجيش الوطني" قد خاض قتالاً مع "هيئة تحرير الشام" أواخر العام الماضي أدى إلى سيطرة الأخيرة على مدينة عفرين، إلا أن التدخل التركي أجبرها على التراجع إلى مواقعها في إدلب، لكنها ما تزال حاضرة في ريف حلب الشمالي عبر مجموعات تتبع لها.
وبيّن القيادي في "الجيش الوطني"، الفاروق أبو بكر، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "أغلب عمليات التسلل التي تقوم بها قوات قسد تبوء بالفشل"، مضيفاً: "هناك أسباب للفوضى في بعض نقاط الرباط التابعة للجيش الوطني في المنطقة التي تعرضت لعملية تسلل فجر الاثنين".
الفاروق أبو بكر: لا يمكن الفصل بين الفوضى الأمنية التي تخلقها مليشيا الجولاني وبين ما حدث من خرق
وأوضح أبو بكر أن "الخرق الذي حدث جاء من قبل جماعة تتعرض لهجوم بشكل دائم من قبل مليشيات تابعة لأبو محمد الجولاني (قائد هيئة تحرير الشام) في المنطقة". وتابع أن "الجولاني أدخل مجموعات إلى مناطق سيطرة الجيش الوطني أخيراً تحت ذريعة مساندة العشائر ضد قسد في المنطقة الشرقية"، لافتاً إلى أن الأخير "أبقى هذه المجموعات لغاية خبيثة، وهي السيطرة على مقرات تابعة للجيش الوطني، ومعبر الحمران الذي تدخل منه المحروقات من مناطق قسد إلى الشمال السوري.
ورأى أبو بكر أنه "لا يمكن الفصل بين الفوضى الأمنية التي تخلقها مليشيا الجولاني في ريف حلب الشمالي، وبين ما حدث من خرق"، مشيراً إلى أن "الجولاني يريد زعزعة استقرار مناطق الجيش الوطني والسيطرة على الموارد الاقتصادية من خلال شراء الذمم". وأكد أن "أسباب الفوضى في ريف حلب يقف خلفها الجولاني ومن يتبعه".
وعلى الرغم من تداخل المصالح بين "قسد" وبين "الجيش الوطني" في شمال سورية، إلا أن جبهات القتال ونقاط التماس بين الطرفين تشهد تصعيداً بين وقت وآخر؛ سواء في غربي الفرات وتحديداً في منطقة "درع الفرات"، وشرقه حيث منطقة "نبع السلام".
وتزود قوات "قسد" الشمال السوري بالمحروقات الخام عبر معبر "الحمران" الذي لطالما حاولت "هيئة تحرير الشام" وضع يدها عليه عبر مجموعات تابعة لها في ريف حلب، كونه المعبر الأهم الذي يربط بين منطقتي نفوذ كل من "الجيش الوطني"، و"قسد". كما تدخل إلى منطقة سيطرة "قسد" في شمال شرقي سورية العديد من المواد الأساسية من مناطق سيطرة "الجيش الوطني"، لعل أبرزها المواد الغذائية والبناء، وأدوات كهربائية، والسيارات بمختلف أنواعها.
انتقام من دعم العشائر
من جهته، رأى المحلل العسكري في مركز "جسور" للدراسات رشيد حوراني، في حديث مع "العربي الجديد"، أن عملية التسلل التي نفذتها قوات قسد فجر الاثنين "تندرج في سياق الانتقام من فصائل الجيش الوطني التي كانت نفذت عمليات ضد قسد في ريف منبج لمساندة العشائر العربية التي خاضت قتالاً ضد هذه القوات أخيراً". ورأى أن "العمليات التي قامت بها قسد خلال الشهرين الماضيين، تؤكد أن هذه القوات وقفت على حالة الجبهات مع فصائل المعارضة، وعرفت نقاط الضعف التي تعتريها من عدم التحصين وعدم وجود نظام للحراسة معمول به في نقاط بعض هذه الفصائل، وهو ما سهّل عليها عملية التسلل".
رشيد حوراني: عملية التسلل تندرج في سياق الانتقام من فصائل الجيش الوطني لمساندتها العشائر
ويأتي التصعيد الحالي في خضم عمليات ينفذها الجيش التركي من خلال طائرات مسيّرة تستهدف قياديين في "قوات سوريا الديمقراطية"، وخصوصاً من "وحدات حماية الشعب" الكردية التي تشكل النواة الأساسية لهذه القوات وتعتبرها أنقرة خطراً على أمنها القومي.
وفي هذا الصدد، استهدفت مسيّرة تركية أول من أمس سيارة على طريق علي فرو غرب مدينة القامشلي بريف الحسكة، يُعتقد أنها كانت تقلّ قياديين في الوحدات الكردية. وأكد "المرصد السوري لحقوق الإنسان" أن الاستهداف أدى إلى مقتل 4 عسكريين بينهم قيادي في قوى الأمن الداخلي وإصابة 3 آخرين، كما جرح شابان شقيقان كانا يستقلان دراجة نارية في المنطقة.
وكانت 3 مقاتلات من "وحدات حماية المرأة" التابعة لـ"قسد" قد لقين مصرعهن، بقصف من طائرة مسيّرة تركية استهدفت سيارتهن في مدينة بريف منبج شرق حلب. ونفذ الجيش التركي خلال العام الحالي 49 عملية استهداف لقياديين في قوات "قسد" عبر طائرات مسيّرة، وفق "المرصد"، الذي أكد أن هذه العمليات أدت إلى مقتل 58 شخصاً، وإصابة أكثر من 52 شخص بجروح متفاوتة، بينهم مدنيون.