تتجه إسرائيل إلى الانتخابات الرابعة لها في أقل من عامين، في الثالث والعشرين من شهر مارس/آذار المقبل، بعد أن حلّ الكنيست الإسرائيلي نفسه عند منتصف الليلة الماضية، لعدم تمكن الحكومة من إقرار ميزانية للدولة.
ومع أنه يبدو للوهلة الأولى أن رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو مني بهزيمة في تفادي تأجيل الانتخابات، وكان هذا هدفه الأساسي من التحركات الأخيرة، إلا أنه تمكن على مدار العامين الأخيرين، منذ حلّ حكومته الرابعة في ديسمبر/كانون الأول 2018، من التحكم بالمشهد الإسرائيلي، وتحديداً حتى عندما فشل ثلاث مرات متتالية، في ثلاث معارك انتخابية، بدءا من انتخابات إبريل/نيسان 2019، ثم انتخابات سبتمبر/أيلول 2019، وأخيراً انتخابات مارس/آذار 2020، من خلال تأمين أغلبية لائتلاف يميني صرف بقيادته، يمنحه قانونا يجنبه محكمة جنائية بتهم الفساد الموجهة له رسمياً.
وكان من حظ نتنياهو أن خصمه الرئيسي في المعارك الثلاث، الجنرال بني غانتس، قليل الخبرة في السياسة، تعب من أول جولتين في مواجهة نتنياهو، وانكسر في المفاوضات لتحقيق رغباته الذاتية بالوصول إلى كرسي رئاسة الحكومة بأي ثمن، ضارباً بوعوده الانتخابية عرض الحائط.
واستطاع نتنياهو إيقاع الجنرال غانتس في شباك حكومة طوارئ أعلن في اتفاق تأسيسها أنها ستقوم على مبدأ الشراكة، بالرغم من أن غانتس أحضر معه لائتلاف الحكومة نصف المقاعد فقط (حصل تحالف كاحول لفان مع حزب ييش عتيد تيلم على 33 مقعدا)، مما جعله ضعيفا في مواجهة نتنياهو، وخاصة بعد أن استطاع نتنياهو على مدار عمر الحكومة القصير ( سبعة أشهر تقريبا) التلاعب بغانتس وحزبه، معتمداً على أن الجنرال غانتس لن يجازف بترك الحكومة، أملا بأن ينفذ نتنياهو اتفاق التناوب معه.
من حظ نتنياهو أن خصمه الرئيسي في المعارك الثلاث، الجنرال بني غانتس، قليل الخبرة في السياسة، تعب من أول جولتين في مواجهة نتنياهو، وانكسر في المفاوضات لتحقيق رغباته الذاتية بالوصول إلى كرسي رئاسة الحكومة بأي ثمن
وعلى مدار عمر الحكومة، حرص نتنياهو على إهانة غانتس وشريكه الأبرز الجنرال غابي أشكنازي، من خلال تجاهلهما، وعدم إطلاعهما على محادثات التطبيع مع الإمارات والبحرين والسودان، وأخيرا المغرب، بل وحتى عدم إطلاع الجنرال غانتس رغم كونه وزيرا للأمن على قرار تعيين رئيس جديد للموساد، ليوظف انفراده في تحقيق هذه الإنجازات دون أن يتمكن غانتس من الادعاء أنه وحزبه كانا شريكين في تحقيقهما.
وافتعل نتنياهو منذ البداية الأزمات مع الجنرال بني غانتس، الذي كان يتراجع المرة تلو الأخرى، ولولا تمرد ثلاثة من نواب حزب كاحول لفان، وتصويتهم أمس الأول ضد قانون تمديد مهلة إقرار الميزانية، لما خرجت إسرائيل إلى انتخابات أمس، ولكان نتنياهو حصل على مهلة لمزيد من المفاوضات مع غانتس، ومحاولة تجنب الانتخابات، أو على الأقل إجراءها في شهر مايو/ أيار بدلاً من مارس/ آذار، مما يمكنه من توظيف جلب اللقاح لجائحة كورونا، واتفاقيات التطبيع الأخيرة، وخاصة مع المغرب، في المعركة الانتخابية.
لكن انسحاب الوزير الأسبق جدعون ساعر من الليكود، وإعلانه خوض الانتخابات ضد نتنياهو، خلط أوراق الحلبة السياسية الإسرائيلية، وأظهر إمكانية لوجود مرشح من صلب اليمين الإسرائيلي، ومن رحم الليكود، قادر على التغلب على نتنياهو وتشكيل ائتلاف حكومي يميني.
افتعل نتنياهو منذ البداية الأزمات مع الجنرال بني غانتس، الذي كان يتراجع المرة تلو الأخرى، ولولا تمرد ثلاثة من نواب حزب كاحول لفان، وتصويتهم أمس الأول ضد قانون تمديد مهلة إقرار الميزانية، لما خرجت إسرائيل إلى انتخابات أمس
وزاد ظهور ساعر على المسرح كمنافس قوي من التوتر الداخلي في حزب كاحول لفان، وبوادر التمرد على سياسة غانتس المهادنة لنتنياهو، وهو ما توج بخضوع غانتس أمس الأول للضغوط الداخلية، والتراجع عن التفاهمات التي أعلن التوصل عنها مساء الأحد مع الليكود.
لكن هذا التراجع لم يكن كافياً، أو ربماء جاء متأخراً، فشكل تمرد ثلاثة من حزبه عليه وتصويتهم ضد قانون تمديد مهلة إقرار الميزانية، الضربة القاضية لمحاولات تمديد عمر الحكومة، وأيضاً ضربة قاضية لمستقبل حزب كاحول لفان، ومستقبل الجنرال بني غانتس السياسي.
ووفقاً للاستطلاعات الإسرائيلية في الأيام الماضية، وتحديداً استطلاعي القناة 12 والقناة العامة كان 11، فإن الخريطة الحزبية في إسرائيل تنبئ باختفاء حزب العمل نهائياً، وتراجع حزب كاحول لفان إلى 5 مقاعد، فيما قالت مصادر في كاحول لفان، اليوم الأربعاء، إنها تتوقع تلاشي الحزب وعدم منافسته في الانتخابات المقبلة.
ووفقا للاستطلاعين، فإن أحزاب اليمين الصرف تحصل على 82-83 مقعداً (لا تشمل مقاعد تيلم ييش عتيد بقيادة يئير لبيد، الذي يصف نفسه أنه حزب وسط، وإن كانت مواقفه يمينية) من أصل 120 مقعدا في الكنيست، فيما يحصل حزب يمين الوسط "ييش تيلم عتيد" على 13 مقعداً بحسب قناة كان 11، وعلى 16 مقعدا بحسب القناة 12، مما يترك لليسار عمليا 5 مقاعد، و5 لحزب ميرتس، و11 مقعدا للقائمة المشتركة للأحزاب العربية، التي تعاني مؤخراً من خلافات حادة بين مكوناتها تنذر بانشقاق الحركة الإسلامية بقيادة منصور عباس عنها.
وتعني نتائج هذه الاستطلاعات أن الانتخابات القادمة ستكون عمليا، وبشكل علني، دون رتوش أو تسميات غير حقيقية (مثل وسم حزب كاحول لفان إلى الآن بأنه حزب وسط) بين أحزاب اليمين فقط، بين المعسكر الذي يقوده نتنياهو الآن، ويتشكل من حزب الليكود وحزبي الحريديم شاس ويهدوت هتوراة، ويحصل هذا المعسكر بدون حزب يمينا بقيادة نفتالي بينت على 43 مقعدا، بحسب استطلاع القناة كان 11، و45 مقعدا بحسب استطلاع القناة 12.
في المقابل، فإن المعسكر المناهض لنتنياهو بقيادة ساعر، الذي يقود حزب "أمل جديد والوحدة لإسرائيل"، ويضم أيضا أحزاب يسرائيل بيتينو بقيادة أفيغدور ليبرمان، وييش عتيد تيلم بقيادة يئير لبيد، وكاحول لفان، ويملك بحسب الاستطلاعات 46 مقعدا حسب استطلاع القناة 12 و45 مقعدا بحسب استطلاع القناة 11 "كان".
وسيكون على المعسكرين، بحسب هذه النتائج، إقناع حزب يمينا بقيادة نفتالي بينت بالانضمام لأحدهما للاقتراب من فرص تشكيل حكومة جديدة.
وفي حال انضم حزب يمينا بقيادة نفتالي بينت إلى معسكر نتنياهو، سيكون حجم هذا المعسكر 58 مقعدا وفق استطلاع القناة 11 كان، و58 أيضا حسب استطلاع القناة 12.
أما في حال انضم نفتالي بينت إلى المعسكر المناهض لنتنياهو، فسيحصل هذا المعسكر على 61 مقعدا وفق استطلاع القناة 11 "كان"، وعلى 59 مقعدا بحسب القناة 12.
وفقط في حال وافق حزب ميرتس اليساري على دعم المعسكر المناهض لنتنياهو بقيادة غانتس، فسيكون بمقدور هذا المعسكر، بحسب هذين الاستطلاعين، الوصول إلى ائتلاف من 65 مقعداً.
لكن هذه النتائج قد تكون مؤقتة فقط، خصوصا في حال تفكك حزب كاحول لفان وعدم خوضه الانتخابات، أو في حال ظهور أحزاب جديدة تتمكن من تجاوز نسبة الحسم والحصول على 4 مقاعد على الأقل، أو أكثر بقليل يمكن لها أن تحسم وجه إسرائيل وفرص نتنياهو في تشكيل حكومته السادسة.
معطى آخر يستفاد من هذه النتائج، وهو أن القائمة المشتركة للأحزاب العربية، وفي ظل سيطرة اليمين، ولا سيما ظهور جدعون ساعر، وعدم وجود مرشح يمكن وصفه بالوسطي، لن تكون طرفا هذه المرة في عملية التصويت على من سيُكلف بتشكيل الحكومة، خلافا للانتخابات الأخيرة، عندما كان قرار القائمة المشتركة بالتصويت على الجنرال غانتس في تكليفه بتشكيل حكومة، إلا أنه أخذ التكليف واستغله لتشكيل حكومة طوارئ وطنية مع نتنياهو انتهت ولايتها عند منتصف الليلة مع حل الكنيست.