بعد ضبابية شابت الأسابيع الأولى للإدارة؛ أعلنت وزارة الخارجية الأميركية، أمس، سحب اسم الحوثيين من لائحة الإرهاب، في حين تركت ثلاثة من قيادتها تحت العقوبات. موقف نصفي يعكس إلى حدّ بعيد المقاربة الوسطية التي أوحت إشارات كثيرة بأن إدارة بايدن تنوي اعتمادها في سياستها الخارجية عموماً، وفي منطقة الخليج على وجه الخصوص.
كما يكشف قرارها هذا أنها اضطرت بعد مجيئها إلى الحكم إلى تدوير الزوايا في ملف حرب اليمن بعدما تبين لها أن الوعود تحكمها قيود في هذه الحال، وأنها ربما تكون قد تسرّعت في التحذيرات، وبما اقتضى الاستدراك لتأمين التوازن الذي تقتضيه الجوانب الأخرى في تعاملها مع المنطقة.
خلال حملته الانتخابية، وعد المرشح بايدن آنذاك بشطب الحوثيين من لائحة الإرهاب، وبوقف الدعم العسكري الأميركي للسعودية في حرب اليمن.
وفي أول لقاء له مع الصحافة في 27 يناير/كانون الثاني الماضي، قال وزير الخارجية أنتوني بلينكن: إن الإدارة تنظر بشكل "عاجل" في قرار الرئيس السابق ترامب، تصنيف الحوثيين حركة إرهابية، باتجاه التخلص منه، لتيسير عملية إيصال المساعدات الإنسانية للمدنيين الذين "يعيش 80% منهم في مناطق سيطرة الحوثي".
وفي 4 فبراير/شباط الجاري، ألقى الرئيس بايدن خطابه الأول حول السياسة الخارجية، والذي خصّ فيه الحرب اليمنية بشيء من التفصيل. إذ قال إن إدارته ستعمل على "وضع نهاية لهذه الحرب... والبدء بوقف لإطلاق النار، وتوفير المساعدات الإنسانية، مع وقف بيع الأسلحة الهجومية، وتعيينه مبعوثا خاصا للدفع باتجاه غلق هذه الصفحة". كما أشار إلى أن إدارته تعتزم دعم السعودية في وجه إيران.
وبقي الناطق في وزارة الخارجية، في لقاءاته اليومية، ضمن هذه الخطوط، مع التذكير المتكرر بأن الإدارة ما زالت تتشاور مع الحلفاء والشركاء والكونغرس لبلورة قرارها، الذي صدر أمس بصيغة أثارت التساؤل لناحية ما إذا كان فيه رسالة موجهة إلى طرف إقليمي لفتح الطريق نحو ملف أهم في حساباتها.
وبموازاة ذلك، ثمة تساؤلات أخرى حول الغموض المتواصل بشأن الوعد بوقف الدعم لحرب اليمن، والذي أعطت الإدارة انطباعاً مبكراً بأنها مستعجلة بخصوصه، وإذا بها تضعه "في الانتظار". الجنرال فرانك ماكينزي، قائد قوات المنطقة الوسطى، نُسب إليه قوله: "لا أعرف تماماً حتى الآن كيف ستكون عليه مقاربة بايدن" في موضوع بيع السلاح. فهو يرى أن الموضوع "سيمرّ بعملية تقييم لن تنتهي بين ليلة وضحاها". ويعود ذلك، حسب الاعتقاد، إلى أن هذه الحرب تشكل نوعاً من "التحدي المعقد". ذلك أن "وقف الدعم لها لا يحل النزاع"، خاصة أن الحوثي لا يتجاوب، في الوقت الذي يحقق فيه تقدماً على الأرض.
من جهة ثانية، رأى بايدن الرئيس ما لم يكن يراه بايدن المرشح؛ إذ اكتشف على ما يبدو أنه ليس بوسعه مجافاة السعودية فيما يعدّ العدة لمعالجة النووي الإيراني، فكان لا بدّ من خيار "الانتظار"، في موضوع السلاح المرجح أن تمر معظم صفقاته، كما توحي بذلك تصريحات المسؤولين التي تحرص في كل مناسبة على التشديد على الالتزام بتوفير الدعم اللازم للسعودية من أجل "تمكينها من الدفاع عن أراضيها".
وقد رسم جيك سوليفان، مستشار الرئيس لشؤون الأمن القومي، خارطة سياسة الإدارة في المنطقة، عندما قال قبل أيام إن الملف الإيراني يحتل "الأولوية العاجلة". بما يعني أن بقية الملفات تخضع هندسة مخارجها أو إدارة أزماتها لحسابات هذه الأولوية، ومنها حرب اليمن التي تؤشّر خطوات الإدارة، كتعيين مبعوث خاص، إلى أنها قد تعوّل في معالجتها على الخيار الدبلوماسي أساساً.
وفي حوار افتراضي جرى أمس مع "مجلس أتلنتيك" بواشنطن، لم يستبعد وزير خارجية عُمان، بدر بن حمد البوسعيدي، في رده على سؤال حول إمكانية أن تلعب بلاده بوصفها "شريكاً موثوقاً" دوراً في تحقيق السلام في اليمن، وفي "قضايا أخرى" في المنطقة!
فهل يقتدي بايدن بأوباما في التعويل على الدبلوماسية العمانية لمساعدته في شقّ الطريق نحو الحلول السياسية لملفات المنطقة إذا كان ذلك ممكناً؟