جدل كبير شغل الرأي العام الأردني حول "الهوية الوطنية الجامعة"، المصطلح الذي استخدمته اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية في طرح مخرجاتها للإصلاح السياسي، من دون الإفصاح عن مراميه. وأكدت اللجنة في توصياتها أن الهوية الوطنية التي تدمج الجميع وينتمي إليها الجميع، أحد الشروط الأساسية لبناء النموذج الديمقراطي الوطني، وهي هوية مركزية جامعة تلفظ الهويات الفرعية وتحتفي بالثقافات الفرعية للمجتمعات المحلية وللمدن والقرى والجماعات، والهوية القوية المتماسكة هي إثراء حقيقي للنموذج الديمقراطي الوطني.
كذلك تطرق العاهل الأردني، الملك عبدالله الثاني، الذي تسلّم التوصيات في 3 أكتوبر/تشرين الأول الحالي، إلى مصطلح "تعزيز الهوية الجامعة" خلال اجتماعه باللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية، وهو الأمر الذي زاد من التساؤلات في الأوساط الشعبية، هل الوحدة الوطنية مهددة بالتشظّي، وهل الهوية الوطنية بعد 100 عام من تأسيس الدولة لم تتضح معالمها بعد، لتزداد الحاجة إلى توضيح الرؤية حول الهوية الجامعة لتبديد الهواجس الموجودة عند الناس.
وتركزت النقاشات بشأن مخاوف من إنهاء القضية الفلسطينية على حساب الأردن وما يتعلق بذلك من تداعيات قد تطاول "حق العودة" لفلسطينيي الأردن ومحاولات تصفية القضية الفلسطينية، أو السماح بتوطين لاجئين جدد، وما يتعلق بذلك من تغييرات ديمغرافية، إضافة إلى احتمالية استقرار اللاجئين السوريين الذين لا يرغب بعضهم بالعودة الطوعية إلى بلادهم، في ظل انغماس النظام السياسي الأردني في قضايا المنطقة وعلاقاته مع اللاعبين الدوليين الفاعلين، لا سيما الولايات المتحدة.
رئيس لجنة تمكين الشباب في اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية، الوزير الأردني الأسبق، محمد أبو رمان، يشرح في حديث مع "العربي الجديد"، أن مصطلح الهوية الجامعة ليس من اختراع اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية، بل هو مصطلح سياسي معروف بالأدبيات السياسية بشكل عام، والمقصود به الهوية التي تشمل جميع المواطنين من شتى الأصول والمنابت، وبالتالي الحديث يأتي للتأكيد على مفاهيم رئيسية كجزء من ديباجة اللجنة الملكية، وأن الهوية الوطنية لا تقتصر على شريحة معينة بل تشمل الجميع باختلاف أعراقهم ودياناتهم وثقافاتهم. ويرى أن تحميل المصطلح فوق دلالاته الحقيقية أمر في غير مكانه، مضيفاً أنه في كل دول العالم العربي هناك دائماً حديث عن الجماعة الوطنية، لحماية الوحدة الوطنية والاجتماعية والحفاظ عليها.
أبو رمان: طرح المصطلح لم يتحدث من قريب أو بعيد عن القضية الفلسطينية
وحول ربط البعض للمصطلح بثنائية الأردن وفلسطين، وكذلك الحل النهائي للقضية الفلسطينية، يقول أبو رمان إن طرح المصطلح لم يتحدث من قريب أو بعيد عن القضية الفلسطينية، لكن البعض لديه هواجس من قضية التوطين والوطن البديل، فحدث ربط ما بين اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية وهذا المصطلح، معتبراً أن هذا الربط متعسف، ولم يكن هدف اللجنة الحديث عن هذا الملف. ويشير إلى أن الأردن له موقف ثابت من قضايا الحل النهائي واللاءات الثلاث "لا للتوطين، لا للوطن البديل، والقدس خط أحمر"، معروفة وواضحة.
ويعتبر أنه جرى إزاحة المصطلح من سياقه إلى سياقات أخرى تعكس هواجس لا علاقة لها بهذا المصطلح، مضيفاً أن هناك مبالغة كبيرة في هذا الموضوع. ويتابع: "الحديث هو عن هوية وطنية تشمل الجميع فما المشكلة بذلك؟"، لافتاً إلى أنه لو تم حذف كلمة الجامعة وبقيت كلمة الهوية الوطنية ستعطي المعنى والمدلولات ذاتها. ويلفت إلى أن هناك اتجاها يتخوف من التحديث والإصلاح السياسي، وقد يكون جزء من الهواجس مشروعا لكن لا دخل لها في ما صدر عن اللجنة الملكية، وهذه القضايا تحل وتناقش في سياقات مختلفة، والمخاوف يجب نقاشها فوق الطاولة بشكل منطقي.
من جهته، يقول النائب الأردني السابق نبيل غيشان، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إنه إذا كان المقصود بطرح الهوية الوطنية الجامعة، الهوية الأردنية فلا إشكالية، فهي هوية موجودة ومكتملة، واستوعبت هجرات كثيرة، مشدداً على أن المواطنة امر قانوني، ينظّمه الدستور والقوانين المرعية. وبرأيه فإنه إذا كان الحديث عن الهوية الجامعة يأتي عكس الحديث عن الهويات الفرعية فلا بأس به، لكن أن يتم اتهام الهوية الوطنية بأنها إقصائية ولم تستوعب الآخر، وما زالت غير مكتملة بعد 100 عام من عمر الدولة، فهذا كلام خطير وغير مقبول.
ويشير غيشان إلى أن إطلاق مصطلح الهوية الوطنية الجامعة "ليس فقط عنواناً، ويحتاج إلى شرح ممن أطلقوه والإجابة على سؤال هل الهوية الأردنية حالياً غير جامعة"، معتبراً أنه "إذا كانت هناك "تفلتات" من بعض الأشخاص باتجاه عشائري أو مناطقي فهذا لا يعني أن الأردنيين ضد الوحدة الوطنية، وهي هوية يجب الاستظلال بها وفق الدستور والقوانين المرعية، ولا داعي للخلط بين المواطنة والوحدة الوطنية". ويستدرك قائلاً إنه إذا كان المقصود بالوحدة الوطنية والهوية الجامعة تجنيس لاجئين جدد وأطراف أخرى فهي قضية خطيرة وتصب ضد مصلحة الأردن والقضية الفلسطينية.
توبة: هناك نوع من الاستغلال السياسي والشعبوي من قبل البعض لملف الهوية
وفي السياق، يقول الكاتب الصحافي الأردني ماجد توبة لـ"العربي الجديد"، إنه لا "توجد أزمة هوية في الأردن إذا كنا نستند إلى الدستور الذي هو القانون الأهم والأعلى، والذي يحدد من هم المواطنون، فكل من يملك الجنسية هو مواطن أردني، ويفترض أن الدستور قد حسم الجدل حول الهوية الأردنية، وطرح المصطلح يأتي في النطاق الإيجابي". ويضيف أن ما يحدد هذه القضية هو الانتماء للوطن، وهمومه ومبادئه، مشيراً إلى أن الشعب الأردني بجميع أطيافه وأصوله يتفق على محددات الهوية، ويتفق على أن خطر الاحتلال الإسرائيلي هو الخطر الأساسي الذي يهدد المملكة، وهو الخطر على فلسطين والشعب الفلسطيني أيضاً.
وحول جدل الهوية، يوضح توبة أن الحديث عن الهوية ليس جديداً، وهو لم ولا يتوقف، معتبراً أن هناك نوعاً من الاستغلال السياسي والشعبوي من قبل البعض لهذا الملف، لافتاً إلى أن هناك حاجات ومشاكل تواجه المواطن مثل البحث عن الحرية والديمقراطية والمشاركة السياسية والعيش الكريم، والحصول على جميع الحقوق المتعلقة بالتعليم والخدمات الصحية وفرص العمل، وهذا نضال وطني يضم كافة أطياف المجتمع. ويتابع: "للأسف الهويات الفرعية تظهر مع انتشار الجهل واستغلالها من قبل البعض، وأحياناً تكون داخل العشيرة الواحدة والمنطقة الواحدة".