لولا دونالد ترامب، ووباء كورونا، الذي لم يسمح حتى للدولة المستضيفة، بريطانيا، باتخاذ قرار نهائي بعد حول موعد إعادة فتح البلاد بالكامل، لما حظيت قمة مجموعة السبع، التي انطلقت أول من أمس الجمعة في أقصى جنوب غربي إنكلترا، وتختتم اليوم الأحد، باستثنائية تعود في المقام الأول إلى تشديد قادة الدول المجتمعين، على إبرازها. إذ بإمكان الرئيس الأميركي جو بايدن، أن يمارس في أوروبا التي اختارها لتكون وجهة أول زيارة خارجية له منذ توليه منصبه رسمياً في يناير/كانون الثاني الماضي، استعراض قدراته في واحدة من أهم ميّزاته كالرئيس الـ46 للولايات المتحدة، وهي أنه يأتي إلى حلفاء بلاده، خلفاً لترامب، الذي بفضله، تعزّزت التساؤلات حول جدوى استمرار انعقاد هذه القمة سنوياً، والتي تجمع أكبر اقتصادات العالم، لكنها اقتصادات لم تعد تغطي سوى 40 في المائة من الثروة الاقتصادية العالمية.
وبفضل ترامب والوباء، بإمكان القمة، والتي حملت اسم "قمة اللقاحات"، أن تروجّ لشعار مزدوج بـ"العودة": عودة أميركا لإثبات قدرتها على لعب دورها القيادي في العالم، وقيادة مرحلة التعافي الاقتصادي ما بعد كورونا، وعودة اللقاءات والقمم العالمية والدولية والثنائية إلى طبيعتها "المباشرة"، ما يضفي لمسة تفاؤل بشأن الحوارات الجارية في أوروبا حالياً.
على الرغم من ذلك، فإن القمة التي تعهدت بتحصين العالم ضد كورونا، لا تبدو قادرة على الوفاء حتى بهذا التعهد، نظراً إلى الصعوبة التاريخية لها في متابعة تعهداتها. ولذلك، فإن ما سيدور على هامش قمة مجموعة السبع، هذه المرة، من لقاءات وقمم، قد يحمل أجوبة أكثر أهمية لمن ينتظر مخرجات من أصحاب القرار. وتنتظر بايدن، الذي قد يكون آخر الرؤساء الأميركيين المتشددين في "أطلسيتهم"، والذي اختبر العلاقات الأميركية ـ الأوروبية عن كثب لعقود، الأسبوع المقبل، ثلاث قمم أكثر تحديداً للسياسة الخارجية الأميركية مع الحلفاء والخصوم على حدّ سواء، وهي قمة حلف شمال الأطلسي والقمة الأميركية ـ الأوروبية، في بروكسل، والقمة التي تجمع بايدن بنظيره الروسي فلاديمير بوتين في جنيف يوم الأربعاء المقبل. وتبقى الصين، الغائب الحاضر، في جولة الرئاسة الأميركية، على الرغم من عدم كونها عنواناً رسمياً لأي من اللقاءات، إذ قد يتوحد حولها المجتمعون في إطلاق تحقيق في أصل منشأ كورونا، فيما تعد سياسة توفير اللقاحات جزءاً من الاستراتيجية لاحتواء نفوذها.
قد يكون بايدن آخر رؤساء أميركا المتشددين في أطلسيتهم
وبعد انقطاع دام سنتين تقريباً بسبب جائحة كورونا، واصل قادة الدول الصناعية الكبرى السبع، الولايات المتحدة وكندا وبريطانيا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا واليابان، أمس، قمتهم حضورياً، في كورنوال في إنكلترا، والتي كان رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون قد افتتحها الجمعة، بالتبشير بتوفير ملايين اللقاحات لفقراء العالم مع نهاية هذا العام، بدعم سخي من الولايات المتحدة.
وتحمل القمة، عناوين عدة، على رأسها تأمين وتسهيل وصول اللقاحات إلى دول العالم، وتجنيبه ألا يكون جاهزاً لكارثة صحية أخرى، مع حيّز خاص لمكافحة التغير المناخي، الذي قد يكون سبباً لتمدد وانتشار الأوبئة. ويتطلب العمل على ذلك، ليس فقط "اتحاد الديمقراطيات"، وهو شعار العودة الأميركية، بل التأكد أن النزعة الأحادية والحمائية التي برزت مع وجود ترامب طوال أربع سنوات في البيت الأبيض، قد ولّت دون رجعة. وإذا كان هذا الأمر لا يزال موضوع تشكيك في أوروبا، إلا أنه موضع ارتياح أيضاً. فوفق نظرية الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي يلتقي مع بايدن حول أهمية التعددية والأطلسية، فقد أدى ترامب دوراً هاماً بالسماح لأوروبا بإعادة تقييم سياساتها وخياراتها بمعزل نسبي عن الحليف الأميركي.
ولا يبدو بايدن حتى الآن، بالنسبة للحلفاء الأوروبيين، مختلفاً عن سلفه. هذا أقلّه أصبح محور جدل أوروبي، على الرغم من الطابع الاحتفالي بإعادة لمّ الشمل في كورنوال. ويُعقّد ذلك، أن دولتين في القمة، هما ألمانيا وفرنسا، تواجهان استحقاقين قريبين، مع قرب انتهاء عهد المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، ودخول فرنسا في مرحلة الرئاسيات الصعبة لماكرون. وتواجه أوروبا، بدورها، تساؤلات حول يمينها المتطرف، الذي يبقى قوياً في المشهد، فيما كان ترامب يتهمها بتصدير بعض اليسار الراديكالي إلى الولايات المتحدة. وتدور القمة في أجواء العام الأول لبريطانيا ما بعد "بريكست"، حيث يحاول جونسون إدارة "بريطانيا العالمية"، بنظرة أكثر شمولية، مع استمرار التأكيد على التحالف العميق مع الولايات المتحدة. وعلى أبواب قمة أطلسية أيضاً، تدور الكثير من التساؤلات في أوروبا، حول ما إذا كانت واشنطن قد بلورت نهائياً سياستها لمواجهة الصين، وهي مسألة خلافية حادة، لا ترغب الدول الأوروبية أن تنضم فيها إلى أحد محوري "الحرب الباردة" الجديدة.
ودخلت أمس، قمة مجموعة السبع، في صلب مواضيع البحث المطروحة ولا سيما الوقاية من الأزمات الصحية والدفاع عن نهج متعدد الأطراف، مع انضمام قادة كوريا الجنوبية وجنوب أفريقيا وأستراليا إليهم، فضلاً عن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، فيما ظلّت مشاركة رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، افتراضية، نظراً إلى الوضع الصحي الخطر في بلاده. ومن المفترض أن توقع مجموعة السبع "إعلان كاربيس باي" (في كورنوال)، الذي قدمته الحكومة البريطانية على أنه "تاريخي"، ويتضمن سلسلة من الالتزامات للحؤول دون وقوع كارثة صحية جديدة. ويشمل الإعلان خفض المهل لتطوير اللقاحات والعلاجات والتشخيص، وتعزيز الرقابة الصحية، وبدء إصلاح لمنظمة الصحة العالمية بغية تعزيزها.
وقد يشمل النقاش مسألة تعليق براءات الاختراع للقاحات، بغية تسريع إنتاجها، وهو موضوع شائك، تؤيده باريس وواشنطن وتعارضه برلين. وطغت الدبلوماسية أيضاً على مباحثات يوم أمس، مع التطرق إلى مسألة الدفاع متعدد الأطراف وقضايا السياسة الدولية الأساسية التي ستفرد حيزاً كبيراً للصين وروسيا. ويعتزم قادة دول مجموعة السبع، تأكيد "قيمهم" المتمثلة بالديمقراطية الليبرالية، مع أن ذلك "سيؤدي بالتأكيد إلى مواجهة مع روسيا ومع الصين في بعض الجوانب"، بحسب ما حذرت ميركل قبيل افتتاح القمة. وفي هذا الإطار، يدفع بايدن باتجاه خطة واسعة للبنى التحتية والمنشآت في أفريقيا وآسيا، لمواجهة مبادرة "طرق الحرير الجديدة" التي طرحتها الصين، وتهدف إلى تمويل ضخمة كبيرة في الخارج لزيادة نفوذها.
تدور تساؤلات في أوروبا، حول ما إذا كانت واشنطن قد بلورت نهائياً سياستها لمواجهة الصين
وفي هذا الصدد، رأت صحيفة "نيويورك تايمز"، أنه "مع حلول الصين مكان الاتحاد السوفييتي، كالمنافس الأول للولايات المتحدة، فإن الأخيرة وأوروبا، تبدوان أقل اتحاداً مقارنة بما كان عليه خلال مرحلة الحرب الباردة، وهو تغير جيوسياسي، يخلق الكثير من التوتر بين الطرفين"، متسائلة ما إذا كان استعراض الوحدة في القمة حقيقياً، أو هو مجرد تمثيل إيمائي دبلوماسي، لطمأنة الأوروبيين المصابين بصدمة سياسة ترامب "أميركا أولا"، لكنه محكوم بقيادتهم للخيبة لاحقاً، عندما سيدركون أن بايدن لا يزال يسير في طريقه الخاص؟
ورداً على ذلك، اعتبر رئيس لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان البريطاني، توم توغندات، للصحيفة، أن "السياسة الخارجية الأميركية لم تتبدل بشكل جوهري"، مضيفاً أنها اليوم "أكثر تعاوناً، لكن ككل الزعماء، فإن بايدن يضع مصلحة بلاده في الصدارة. لكن كيف يفعل ذلك، هو ما سيقوم بإلهاء الآخرين".
ويرى خبراء أنه بينما وضع بايدن الصين على رأس أجندته المتشددة، وفيما تريد الولايات المتحدة تعاوناً أوروبياً في ذلك، فإن توقعاتها قد تكون ضئيلة، نظراً لأهمية المصالح الاقتصادية المشتركة بين الصين ودول أوروبية عدة، وعلى رأسها ألمانيا. وفي هذا الصدد، تجدر الإشارة إلى أنه على الرغم من كل "الخلافات الحقوقية"، و"العقوبات المتبادلة"، فإن زيارة وداعية لميركل إلى الصين خلال الصيف الحالي، لا تزال محتملة على جدول أعمالها، وقد يرافقها فيها ماكرون، حيث لا شهية كبيرة لهما في اندلاع "حرب باردة" جديدة مع بكين.
وفيما يشكك الأميركيون في رغبة أوروبا بالتعاون معهم في ملفي روسيا والصين، على الرغم من بوادر حسن نية قدّمها بايدن، كوقف الحرب التجارية أو تعليق فرض الضرائب على بعض المواد الأساسية كالصلب، فإن الأوروبيين يشككون أيضاً في عهد بايدن، الذي تطغى عليه صفة الرئيس "الانتقالي". فالرئيس الديمقراطي، الذي يسعى إلى إحداث "انقلاب" داخلي على كلّ ما أحدثه ترامب، لا يبدو في الخارج مستعجلاً للتعاون المتين، فيما يذهب بعض المحللين إلى اعتبار سياسته بأنها "لا تزال من تركة القرن العشرين".